كيف أعيش الميلاد؟
عندما نفكر في عيد الميلاد نشعر فورًا بأجواء من الفرح والبهجة والنور. هناك ملائكة أناشيد، تسبيح، صوت المجد لله في الأعالي يتردد في أذهاننا. المشكلة إننا عندما نقترب من قصة الميلاد، نفكر دائمًا إنها نعرفها جيدًا، فلا نندهش أمام هذا الحدث. يمكن قراءة الحدث بطريقتين، لكن الإنجيل تقدم لنا طريقة وحيدة تعكس تلك الأجواء الرائعة من ميلاد الطفل إلى قدوم الرعاة والمجوس فرحين فقد أعلنت الملائكة: “ها إِنِّي أُبَشِّرُكُم بِفَرحٍ عَظيمٍ يَكونُ فَرحَ الشَّعبِ كُلِّه”. هذه القراءة تعطي لنا انطباع وحيد ولكن هناك جانب آخر للقصة.
لذا، تظاهروا للحظة أنكم لا تعرفون القصة وكيف تنتهي. وحاولوا أن تتماشوا معي في سماع الجانب الآخر من القصة. فكروا في هذه الرواية لأن مريم ويوسف التي يمكن أن تقودنا لفهم أعمق للميلاد يمسني كل منا في واقع حياته.
المشهد الأول في القصة هي فتاة صغيرة تجد نفسها، بين يوم وليلة، حامل. نحن جميعًا نعرف قصة البشارة، تراءي الملاك جبرائيل لها، ماذا قال لها؟ لكن هذا دليل تعرفه هي وحدها. هي وحدها تعرف ما حدث في ذلك اليوم الذي أصبح فيه الكلمة جسدًا وجاء ليسكن بيننا. هي وحدها تعرف هذه الرواية. الجميع يرون فتاة صغيرة جدًا من الناصرة حاملًا في موقف يضعها في مشكلة كبيرة.
فتاة حامل، لكنها مخطوبة لرجل لا يعرف شيئًا عن هذا الحمل ويعلم ردود أفعال الناس، والشريعة في مثل هذه المواقف. يعلم أنها قد تتعرض للموت رجمًا. إذن قصة الميلاد تبدأ بموقف صعب للغاية تجد مريم نفسها فيه. إذن، كما ترون، إذا فاتنا هذا التفصيل وتوقفنا فورًا أمام سر مريم، وإمكانية استعدادها، وهما أمران جميلان، لكنهما في النهاية لا يمسان عمق حياتنا، ولا نستطيع أن نعيشهما نحن أبدًا.
كم مرة نجد أنفسنا أمام أشياء لا نستطيع شرحها للآخرين. في ظروف تجعلنا لا نستطيع أن نغيرها. هناك لحظات من حياتنا حيث نحاول أن نوضح للآخرين أننا لسنا مذنبين لأننا وجدنا أنفسنا مع تلك العائلة، مع أولئك الناس، مع تلك المواقف، مع ذلك العمل، مع تلك الإخفاقات.
هذه هي الدرس الأول الذي يعطينا إياه هذا المقطع الأول من تاريخ الخلاص وأننا يجب ألا نحكم أبدًا من المظاهر. إذن، حياتنا، حياة الأشخاص الذين بجانبنا، حياة الأشخاص الذين يعيشون حولنا، ولكن ما الذي نعرفه حقًا عن ما يعيشه شخص ما؟ من يخولنا أن نحكم على حياة شخص ما؟ وإذا كنا جيران مريم؟ هل كنا سنقبل على الفور نظرية الإنجيل، في رأيكم؟ أم كنا سننضم إلى الأصوات التي تسيء إلى هذه الفتاة الشابة من الناصرة التي وقعت في مشكلة بسبب حملها؟ التي ستطلب أن يُحكم عليها وفقًا للقانون. قد نكون أول من يمسك بحجر ليرمى مريم. هذا هو وجهة نظر العالم. هذا هو وجهة نظر البشر.
المشهد الثاني تلك الفتاة الصغيرة مخطوبة لرجل، ومن الطبيعي أن يكون يوسف قد بنى أحلام لأسرته المستقبلية، وفي لحظة يُدمر كل شيء، يتحطم كل شيء. إنه أمر صعب جدًا أن تخطط لسنوات لشيء ستفعله في يومٍ ما، ثم يأتي حدث يدمر كل خططك التي بنيتها. يوم يغير حياتك بالكامل، يضعك في وضع لم تكن تتخيله أبدًا. وعندما يحدث هذا الموقف، أتعلمون ماذا نفعل؟ نستسلم.
نقضي بقية حياتنا غاضبين. لماذا؟ لأن الأمور لم تسر كما خططنا لها. كنت أفكر في ذلك العمل ثم لم يحدث. كنت أفكر في الحياة، في تلك الدعوة، في ذلك الحلم، لكن هناك مخطط آخر. علينا أحيانًا أن نقبل الحياة ليس كما تخيلناها. وهذا ظلم!
لماذا يضع الله الأحلام في قلبي ثم يحرمني منها في الواقع؟ هذه هي قصة يوسف من وجهة نظر العالم، من وجهة نظر البشر. نحن أيضًا يمكن أن نرى أنفسنا هكذا، كأشخاص حطمت حياتهم وتوقعاتهم بسبب حدث ما، لا دخل لنا فيه.
المشهد الثالث: كان عصر الرومان، كانوا أقوياء، نحن نُعرف الأقوياء بأنهم أولئك الذين لديهم القدرة على التأثير على حياة الآخرين. أحيانًا يكون الأقوياء مَن يملك المال، أو حتى ثقافة فكر معين يمارسون به تأثيرًا على الآخرين. هل تعرفون ما كان هوس الإمبراطور في ذلك العصر؟ كان عد رعاياه. يطلب إجراء تعداد سكاني، أي عد كل واحد من خاضع لسلطته. لا يهم إذا كانت هناك فتاة على وشك أن تلد طفلا، غير قادرة على السفر لمسافات طويلة بسبب هذا التعداد السكاني، وظروف السفر وقتئذ كانت بالغة الصعوبة.
قرر الأقوياء في ذلك الوقت نيابة عنها، قرروا نيابة عنهم. كيف يمكن لله أن يسمح لأحد أن يتحكم في حياتنا بهذه الطريقة؟ كيف يمكن لله أن يسمح لوجود شخص ما لديه السلطة ليقول لي ما يمكنني فعله وما لا يمكنني فعله؟ ومع ذلك، هذا ما حدث لابن الله، حدث لمريم، حدث ليوسف.
غالبًا ما يحدث لنا أيضًا أن يقرر شخص ما بدلاً منا. الغضب الذي يشعر به الناس أحيانًا هو إدراكهم أن هناك دائمًا شخص متسلط يؤثر على حياتنا. تاريخ الخلاص هو أيضًا تاريخ المتسلطين الذين يريدون السيطرة على مصير الآخرين. لكن هذا لا يكفي، لأنه عندما ينطلقون في رحلتهم ويصلون أخيرًا إلى بيت لحم، القرية الصغيرة التي ولد فيها الملك داود، لم يجدا مكان لهما فولد ابن الله في مكان فقير للغاية.
هل تتذكرون أجواء ليلة عيد الميلاد عندما نجلس جميعًا لتناول عشاء ليلة العيد، ونزين الشجرة ونضع الطفل في المذود؟ كل هذه الأجواء الرومانسية لعيد الميلاد، والمشاعر الطيبة في ليلة عيد الميلاد، كما يرويها الإنجيل، لا نجدها إذا فكرنا قليلاً. الحقيقة إننا أمام دراما لزوجين لا يعرفان أين يذهبان حتى يولد هذا الطفل. وكم كان سيكون جميلاً لو أن الملائكة، بدلاً من أن يغنوا في لحظة ما “المجد لله في الأعالي”، كما يروى لوقا في إنجيله، أن يتعبوا قليلاً لاجل توفير مكان معقول لميلاد الطفل. لكن الله لم يساعد أسرة الناصرة.
كم مرة نجد أنفسنا في موقف كهذا؟ نطلب من الرب المساعدة، والشيء الوحيد الذي يمكننا فعله هو أن نفعل مثل يوسف، أن نبتكر شيئًا، أن نكون مبدعين في شيء ما. لا توجد مساعدة من السماء عليَّ أنا أن أدبر بعض الأمور في الحياة.
لا أريد أن أسترسل في الدراما، يكفي أن نتذكر هيرودس وقتل الأطفال الأبرياء، هروب العائلة إلى مصر للحفاظ على وليدها. لا يوجد شيء رومانسي في قصة يسوع! على العكس هي قاسية، لأنها تعبر عن الواقع الإنساني، واقعنا اليوم وفي كل زمان ومكان. واقع الحياة اليومية الغير كامل، البائس أحيانًا.
عندما تقرأون الأناجيل المنحولة تتأكدون مما أقول. لقد حاولوا أن يتغلبوا على العثرة في كون قصة ميلاد المسيح مأسوية. جعلوه يصنع المعجزات وهو طفل، بل يتكلم في المهد. أخافتهم الحياة العادية والطبيعة التي عاشها يسوع في فترة طفولته وشبابه حتى بداية رسالته العلنية. والأمر تعدى أيضًا إلى فترة رسالته والتي فهمها جميع التلاميذ خطأ قبل عثرة الصليب والقيامة.
خلاصة قصة الميلاد إذن ليس هناك ظواهر خارقة. هي حياة عادية تماما، بل قاسية لحد كبير، مثل الكثيرين الذين نراهم معذبين في الحياة. لكن هناك وجه آخر خفي لا نراه، هناك منظور آخر لكل شيء، هناك الله الذي يدبر الأحداث وفق مشيئته. في جميع تلك الأحداث لم نضعف مريم، كانت واثقة في أن الرب يهتم بها وبالطفل
هذه القصة كان من الممكن أن تنتهي في البداية. هذه المرأة الحامل خارج إطار الزواج كان يجب أن ترجم بالحجارة وفقاً للقانون. لو رجموها بالحجارة، لانتهت القصة. لكن لم يحدث ذلك. في النهاية، هناك شيء ما يحدث لأجل أن تستمر الرواية. الله يعمل في التاريخ، يعمل في قصة حياة كل منا كما عمل في تاريخ مريم ويوسف بالضبط. كل مظاهر الظلم في الحياة، كل المواقف الدرامية، الحياة المدمرة، انغلاق الآخرين، استبداد الأقوياء، العنف، ملل الحياة العادية. كل هذه الأشياء يمكننا أن نراها من خلال نظرة أخرى، يمكننا أن نراها بنظرة الإيمان.
إذن، أعتقد أن هذه هي أول هدية يقدمها لنا عيد الميلاد. أن نتمكن من قراءة حياتنا بالضبط كما يروي عيد الميلاد القصة. قصة متناقضة، غير عادلة، وأحيانًا درامية يبدو فيها إن النصر هو للأشرار، لكن تكون المفاجأة إنهم لا ينتصرون في النهاية. توجد معاناة لكنها لا تقرر نهاية القصة. هناك جانب آخر للقصة نقبله بالإيمان بأن الله يعمل في التاريخ وبصورة لا نعرفها.
لذا أي كانت قصتك الشخصية أدعوك للإيمان بأن للقصة وجهة أخر، قد لا تراه الآن ولكن الرب يدبره في الخفاء لك. ستأتي الأيام التي تُدرك إن كافة الظروف التي مررت بها، وإن ظهرت إنها قاسية ولا مفر منها وتكاد تحطمك، هناك قصة أخرى ونهايات سعيدة كانت الله يعدها لك في الخفاء.