الأُمَ العجيبة
الأُمَ العجيبة |
حينما دُعيت مريم العذراء، التي ينبغي أن يُبشّر بها جميع البشر، بلقب “عجيبة”، تبيّن لنا التأثير الذي أحدثته البشارة بالحبل بها بلا دنس. الكنيسة المقدّسة أشادت بها وبشّرت بأنّها حُبِلَ بها بدون الخطيئة، والذين سمعوها، أي أبناء الكنيسة، تعجّبوا ولبثوا منبهرين كأنّهم يكاد يُغشى عليهم من سمو هذا السرّ، هكذا هو عظيم هذا اللقب !
العظمة دائمًا تُسبب الرهبة، فعندما اشتهى موسى أن يرى وجه الله، قال له الله: “أمّا وجهي فلا تستطيع أن تراه لأنّه لا يراني إنسان ويعيش”(خر33: 20)، والقدّيس بولس يؤكد: “لأنّ إلهنا هو نارٌ آكِلَةٌ”(عبر12: 29). وعندما عاين القدّيس يوحنا الطبيعة البشرية لربّنا كما هي في السماء، قال: “سَقَطْتُ عند قدميه كالميت”(رؤ1: 17). وقد حدث المثل في ظهورات الملائكة، فعندما رأى دانيال القدّيس جبرائيل، قال: “لم تبقَ فيَّ قوة وتحولَتْ نُضرتي إلى ذبول ولَم أملُكُ قوةً”(دا 10: 8)، وحينما أتي نفس هذا الملاك العظيم لزكريا، “اضطرَبَ زكريا حين رآه ووقعَ عليه خوف”( لو1: 12).
لكن مريم تصرّفت بخلاف هذا عند بشارة الملاك لها، بالتأكيد ظلّت مندهشة ومنزعجة من كلماته، لأنّها سمعته يُحييها، وهي المتواضعة، بقوله “يا ممتلئة نعمة” و “مباركة أنتِ في النساء”، لكنها استطاعت أن تتحمل الرؤيا. من هذه الواقعة نتعلم أمرين: أولًا، كم هي عظيمة قداسة مريم إذ نرى أنّها استطاعت تحمل رؤية ملاك وحضوره، نفس الملاك الذي أصاب بريقه وروعته دانيال النبي فجعله كميّت ؛ ثانيًا، حيث أنّ مريم أكثر قداسة من ذلك الملاك، ونحن أدنى قداسة من دانيال النبيّ، فذلك سبب أقوى يدعونا لأن ندعوها “عذراء عجيبة” إذا ما تفكرنا في نقاوتها الرائعة.
هناك بعض الذين عميت بصيرتهم وانعدم اعتبارهم الجديّ للموضوعات، يقولون بأنّ الخطيئة المميتة لا تُهين مريم كما لا تُهين ابنها الإلهي ولهذا يُمكن أن نختارها صديقة ومُحامية لنا حتّى ولو لجأنا إليها بدون انسحاق القلب وبدون رغبة حقيقية في التوبة وبدون اتخاذ قرار بأن نُصلح من شأن أنفسنا !! كما لو كانت مريم يُمكنها أن تَُحُِبّ الخطيئة من حيث أنّها تُريد أن تُحِبّ الخطأة. كلا وألف كلا، إنّها تتعاطف فقط مع الذين يتركون الشرّ، وإلاّ فكيف يُمكن أن تكون هي بلا خطيئة؟ أقول ثانيةً: كلا، فإذا كانت مريم بالنسبة لأفضل الناس فينا، وحسب قول الكتاب المقدّس: “الجميلة كالقمر، المُختارة كالشمس، المرْهوبة كصفوف تحت الرايات”( نش6: 9)، فماذا ستكون بالنسبة للخاطئ غير التائب؟