إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

تاريخ الحياة المكرسة (20): الكهنة القانونيون

0 1٬014

القديس إغناطيوس دي لويولا

يرجع الفضل للقديس إغناطيوس دى لويولا في اِعطاء شكلاً مختلفًا لرجال الإكليروس القانونيون عن الرهبانيات الكبرى والسابق الإشارة إليها وذلك عن طريقة إهتمامه بحقل الإرساليات. فبالرغم من سفر القديس فرنسيس الأسيزي إلى بلاد المسلمين رغبةً في تبشيرهم برسالة المسيح الخلاصية إلاأن الفرنسيسكان لم يعطوا هذا الجانب إهتمامًا كافيًا بعد وفاته. فأسسّ إغناطيوس أول مؤسسة رهبانية هدفها الأساسي والأول تبشير البلاد النائية. ولقد لعبت خبرته الشخصية دورًا كبيرًا في هذا الاختيار، فالمسيح بالنسبة له هو الابن المُرسل من الآب لخلاص النفوس وتحريرهم تحريرًا شاملاً. نحن مدينون بالفضل حاليًا للقديس إغناطيوس من أجل مساهمتين أساسيتين: لاهتمامه بحقل الإرساليات، والتمارين الروحية.

ولِدَ إغناطيوس في العام 1491 بإقليم الباسك في غيبوزكوا، وصار جنديًا، ولكنه ترك الوظيفة العسكرية حين أصيبت ساقه اليمنى في أثناء الدفاع عن قلعة بامبلونا ضد الفرنسيين في العام 1521. وفي أثناء تعافيه، يبدو أن قراءته لكتاب حياة المسيح، للكاتب لودولف الساكسوني، والملحمة الذهبية ليعقوب دو ﭬـوراجين، حولت تفكيره نحو الاهتداء. وبعد تردد ووساوس وشكوك، بدأ تفتيشه عن تمييز مشيئة الله في حياته.

إحتك إغناطيوس بعددٍ من الرهبانيات، ففكر في البداية أن يصير كرتوسيَّا. وكان كثير من أقربائه من الرهبنة الثالثة الفرنسيسكانية، وإحدى بنات خاله مؤسسة لديرٍ للكلاريس الفقيرات. وقضى وقتًا طويلاً في دير منريسا للدومنيكان، حيث كان رئيسُ الدير معرفه ومُرشده الروحي. ولاحقًا، سوف تدافع مجموعة من الدومينيكان عن الرهبنة اليسوعية وتساعد على نيل الاعتراف بها. ولعل أكثر الاحتكاكات إثمارًا كان مع البندكتيين في دير مونسراتا، حيت من المحتمل جدًا أن إغناطيوس احتك بالتمارين الروحية لغارسيا دو سيسنيرس. ألف إغناطيوس المسودة الأولى للتمارين الروحية بإرشاد إلهي. وأدخل فيها بعض التعديلات بباريس في العام 1534 وفي النسة 1548، صادق البابا بولس الثالث عليها.

برهنت التمارين الروحية في البداية على أنها أكثر الأسلحة فاعلية ضد التغييرات التي أحدثتها الثورة الصناعية في أوربا في ذلك الوقت. واهتدى بها كثير من الإكليروس والرهبان إلى حياةٍ أفضل. وفي العام 1920 أعلن البابا بندكتوس الخامس عشر القديس إغناطيوس دي لويولا شفيع الرياضات الروحية.

من ناحية تكييف الحياة الرهبانية، فقد كان إغناطيوس خلاقًا ومؤسِّسًا كما كان القديسان دومينيك وفرنسيس في زمانهما. فقد أخرجا الرهبان من عزلة الحصن، وبعيدًا عن العمل اليدوي، وأرسلاهم ليبشروا بالإنجيل. وأخرج إغناطيوس رهبانه من العادات الرهبانية وصلوات الساعات الليتورجيا والقواعد الرهبانية، وأعطى الكنيسة نوعًا جديدًا من الرهبان. على اليسوعي ألا يلبس لبسًا مميزًا عن لبس الكهنة الأبرشيين في المكان الي يعيش في؛ عليه أن يعتبر الفرض الإلهي ممارسةً هامة للصلاة ولكنه يتلوه فرديًا؛ على الليتورجيا أن تكون المصدر الأول للحياة الروحية؛ عليه الدفاع عن الإيمان ونشره وتقديم النفس لأجل الكنيسة ووسيلته في ذلك: الوعظ وخدمة كلمة اله والرياضات الروحية والتعليم المسيحي والأعمال الخيرية وتعزية المؤمنين من خلال الارشاد الروحي والاعترافات؛ وأخيرًا على اليسوعي أن يمارس التأمل اليومي بحسب منهج معين، وفحص الضمير العام والخاص، ويخضع للارشاد الروحي.

ولأجل تحقيق هذا الهدف وضع اليسوعيين أنفسهم في خدمة الحبر الرومانى، نائب المسيح على الأرض. فبالاضافة إلى النذور الرهبانية الثلاث، يؤدى اليسوعيين نذرًا رابعًا، نذر الطاعة للبابا. يدلون به على رغبتهم فى الدفاع عن الإيمان المسيحي وعن ولائهم للسلطة  الكنيسة. فكل  ما يطلبه البابا وسائر خلفائه,  خاصة فيما يتعلق بخير النفوس وإنتشار الإيمان يعد مُلزما لأفراد الجمعية الرهبانية (Costituzioni Esame generale1,2: scretti,p.391)  ويعد نذر طاعة البابا أحد المميزات الأساسية التي تميز جمعية رفقاء المسيح فجميعهم جنود المسيح وحامين حمى كنيسة الله من أخطار الهراطقة. نستشعر في هذه الخاصية تاثير الحياة العسكرية التى عاشها إغناطيوس قبل إهتدائه إلى الممارسة الدينية. ومايميز جمعية اليسوعيين أيضًا هو عالمية الإنتماء فالراهب لاينتمى إلى مجموعة محددة بكنيسة محلية أو بلد بعينه، بل هو جندى من المسيح يذهب أينما أراد رؤسائه وحيثما نظهر الحاجة إليه للدفاع عن الإيمان المسيحي.

التوجه إلى حقل الإرساليات ونذر الطاعة للبابا, عالمية الإنتماء والإنخراط في أعمال المحبة وفي حقل التعليم،  هذه الخصائص التي تميز جماعة اليسوعيين، أفرزت نمطًا جديدًا لحياة التكريس كان مناسبًا وملائمًا للنهضة الصناعية التي بدأت تجتاح أوربا فى ذلك الوقت، وماصاحبها من نهضة تقافية. ولن تشهد الكنيسة تغييرًا كهذا في الحياة المُكرسة حتى النمو المفاجئ للمؤسسات العلمانية في القرن العشرين. وستتبع غالبية المؤسسات الرهبانية في هذه الفترة الفاصلة معايير الرهبنة اليسوعية بطريقٍ مُعلنّة أو ضمنية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد