إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

رعويات الشباب (1): الأساس اللاهوتي

0 1٬016

المقدمة:

هناك تساؤل يطرح نفسه في البداية: هل هناك معنى وأهمية للحديث عن رعويات خاصة بالشباب وحدهم؟ إلا يكفي تناول الأمر في إطار علم اللاهوت الرعوي العام الموجّه للكنيسة ككل، والذي يشمل قطاع الشباب أيضًا؟

للإجابة على هذا السؤال علينا العودة إلى الأحداث التي عاشتها أوربا بعد العام 1960، إلى ثورة التحررالتي سادت أوساط الشباب ضد المجتمع وتقاليده العتيقة الموروثة عن القرن التاسع عشر. ثار الشاب في معظم بلدان أوربا، خاصة في فرنسا، ضد الهيبة الأبوية  داخل العائلة، وضد هيبة أرباب العمل في المصانع، وضد الأساتذة في المدارس والجامعات. ثورة هدفت إلى تغيير الحياة الرتيبة التقليدية التي لم تعد مناسبة للشباب. أفرزت الثورة الشبابية تطورًا كبيرًا في الأنظمة التربوية والمجتمعية كمحاولة إلى احتواء الأفكار الشبابية المتمرد على الموروثات المجتمعية التقليدية. فأفردت أنظمة تربوية وتعليمية خاصة للشباب تختلف عن الأنظمة المُعتادة للمجتمع ككل، عُهد بها إلى متخصصين بذلك القطاع.

حدث نفس الشيء في حقل العمل الرعوي فأُفردت تنظيمات وبرامج رعوية خاصة بالشاب ومنفصلة عن علم اللاهوت الرعوي العام الخاص بالحياة المسيحية ككل، تدار بإشراف تربويين متخصصين بفئة الشباب. إهتم علم “رعويات الشباب” الوليد بضمان التأهيل المناسب والاندماج التدريجي للأجيال الشابة في الكنيسة وفي المجتمع. عُدَّ هذا التوجه ثمرة الاحتجاجات المجتمعية والثقافية السائدة من جهة، ونتيجة ضغوط الرغبة في التجديد اللاهوتي من جهة أخرى.

دفعت الأزمة في العلاقات التربوية والثورة على الهيبة الأبوية وهيبة المعلمين وأصحاب العمل من جانب الشباب إلى تغيير المفاهيم التربوية المتعارف عليها: فـ “تقديم المقترحات” أصبح يعنى أكثر فأكثر “اقتراح خبرات قادرة على طرح أسئلة وقضايا تدفع الشباب إلى التفكير وإتخاذ القرارات الملائمة”. أصبح المربي الحقيقي في نظر الشباب هو القادر على يُقدم رسالة موثقة كشاهد عاني في سبيل تحصيل ذلك الرصيد من الخبرات التي تؤهله لطرح خبراته لهم ليستفيدوا منها.

أصبح من غير المتصور طرح مناهج تربوية وتعليمية لا تأخذ في الاعتبار المتغيرات الثقافية والاجتماعية السائدة في المجتمع وأن تكون قادرة على طرح حلول مبتكرة تتناسب مع فكر وثقافة الشباب.  عمدت الكنيسة، بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، لمواكبة المتغيرات الحادثة في المجتمعات الأوربية فشّرعت في تأسيس علمٍ خاص بـ “رعويات الشباب” موجّه إلى الأجيال الجديدة من الشباب بهدف مساعدتهم في عيش ملء الحياة الإنجيلية وتصل بهم إلى تمام قصد الله وتدبيره في الزمن والتاريخ، بأساليب تربوية رعوية تتفق مع أولئك الشباب والتغييرات المجتمعية التي يعيشون فيها.

  1. المقصود برعويات الشباب

يقصد بـ: “رعويات الشباب” ذلك التخصص العلمي المتعلق بدراسة علم اللاهوت الرعوي الموجه لقطاع محددة داخل الكنيسة وهو قطاع الشباب. فاللاهوت الرعوي كتخصص تعليمي قائم بذاته يهدف إلى تفسير كافة الممارسات المسيحية التي تقوم بها الكنيسة، في واقعها الزمني والتاريخي المُعاش، لتصل بالمؤمنين إلى تمام قصد الله وتدبيره. لا يشرح علم اللاهوت الرعوي الأعمال والتنظيمات الرعوية التي تنظمها الكنيسة والتي تهدف إلى خدمة المسيح وتصل إلى قصده وتدبيره في الزمن والتاريخ فقط، بل يوضح الأُسس اللاهوتية التي استندت إليها تلك الممارسات ومدى ارتباطها بواقع المؤمنين المُعاش.

يتحدد مجال رعويات الشباب إذن بالإجراءات التي يحددها المجتمع الكنسي للوفاء بمهمته الأصلية والمتمثلة في تمام قصد الله بأن يصل الخلاص إلى البشر أجمعين تنفيذًا لوصية الرب، كما نقرأ في خاتمة إنجيل القديس متى (مت 28: 19- 20): “فاَذهبوا وتَلْمِذوا جميعَ الأُمَمِ، وعَمَّدوهُم باَسمِ الآبِ والابنِ والرُّوحِ القُدُسِ، وعلَّموهُم أن يَعمَلوا بِكُلٌ ما أوصَيْتُكُم بِه، وها أنا مَعكُم طَوالَ الأيّامِ، إلى اَنقِضاءِ الدَّهرِ”. فالكنيسة نالت الخلاص من المسيح، وأنه مهمتها ورسالتها التأسيسة تكمن في تقديم هذا الخلاص للآخرين، عن طريق التأَكِيد على أن المسيح هو المخلص، هو الخلاص بذاته.

  1. تطور علم “رعويات الشباب”

لسوء الحظ لا توجد أي دراسات وإطروحات لاهوتية من الماضي القريب يمكن لها أن توضح التطور الذي حدث في علم رعويات الشباب. لكن بالرغم من ذلك لدينا أداة جيدة لتنظيم المّادة العلمية لرعويات الشباب تؤلف من وثائق اللاهوت الرعوي العام، التي تنظم بشكل مباشر أو غير مباشر، الممارسات الرعوية المُستخدمة في الوسط الكنسي. حتى إنعقاد المجمع الـﭱـاتيكاني الثاني قدم اللاهوت الرعوي العام النماذج الرعوية “لرعويات الشباب”. فالأساس اللاهوتي لرعويات الشباب مستمد من اللاهوت الرعوي العام الذي يؤكد على قوة مبادرة الله الخلاصية التي يقدمها للإنسان والتي بها يحقق ملء الحياة وسعادة العيش. فهبة الخلاص المُقدمة إلى الإنسان مِن قِبل الآب في يسوع المسيح، من خلال وساطة الكنيسة، يحقق للإنسان قيمته الشخصية والجماعية ويعطي معنى لحياته ووجوده.

تتولى “رعويات الشباب” مهمة إعداد الشباب لفهم قصد الله وتدبيره وقبول رسالة الخلاص. تهتم البرامج الرعوية الموجّه للشباب بتناغم إيمان الشاب مع حياته وواقعه اليومي المُعاش. فالخلاص لا يتربط فقط بعلاقة الشخص بربه بواسطة الإيمان، بل يتعدى ذلك إلى معنى وجوده وهدف حياته وعلاقاته الإنسانية مع الآخرين في المجتمع والعالم. يتضمن الخلاص التحرر من كافة مظاهر الشر، ليس من المنظور الإيماني فقط، بل كافة مظاهره الشخصية والاجتماعية والسياسية، مظاهر الظلم والقهر الاجتماعي والسياسي التي تؤثر على حياة الشاب. قلب “رعويات الشباب” إذن هو تحرير الإنسان وقبول قصد الله الذي يحتوى على الإجابات النهائية للأسئلة الحائرة التي تطرحها الحياة وتؤرق الشباب.

قد وجد العديد من العاملين في رعويات الشباب، وخاصة في نهاية الستينيات، أنفسهم مضطرين للتعامل مع أزمة كبيرة: فالإيمان أصبح حقيقة هامشية للكثير من الشباب، لذا سعى القائمون على “رعويات الشباب” إلى سرعة دمج خبرة الإيمان الشخصية مع حياة الشخص المُعاشة بصورة يومية من خلال الكشف عن الأسئلة العميقة المتعلقة بالوجود الإنساني، وإعادة صياغة الإيمان كردٍ ناجع على تلك الأسئلة.

أصبحت البرامج التكويني والتربوية تنطلق من الحياة الملموسة واليومية للشباب وتسعى إلى تنشيطهم وتحفيزهم لتحقيق دعوتهم في الحياة وقصد الله منهم في الزمن والتاريخ. هَدف التخطيط لرعويات الشباب إلى تحفيز الوعي الذاتي بهذه الحقيقة الموضوعية للإيمان الشخصي. كوني الشاب مسيحيًا مؤمنًا يقتضى أن يعرف إن إيمانه ليس خاصًا وشخصيًا فقط، بل أنّ حياته لها قصد في مخطط الله الشامل من خلال ما يعيشه بصورة يومية فيصل بالخلاص إلى الآخرين والعالم أجمع.

 يمكن تعريف هذا النموذج بأنه “وجودي”، لأنه يحول التركيز من القيم المسيحية المطلقة إلى الشخص المؤمن بالقيم، من الخطط المجردة إلىى التجارب الشخصية.  ساد هذا النموذج علم رعويات الشباب بفضل الدراسات اللاهوتية والتربوية التي دعمته والتي يمكن تلخيصها في اتجاهين: الأول أكد على أهمية منهج التجربة التي تسعى بصبر وثبات في جعل الإيمان الشخصي موضوعيًا. ومن ناحية أخرى التأكيد على مركزية الحياة الروحية والعلاقة مع الله في تحسين الحياة المعاش وتحرير الإنسان من بؤسه وشقائه اليومي. الأمر تتطلب إعادة صياغة العمل الرعوي مع الشباب بحيث تولى البرامج الرعوية اهتمام أكثر بالحقائق الإنسانية وتبنيها بجدية وتقدير. فقبول نعمة الله وإتمام قصده في الزمن والتاريخ يتم من خلال الإنسان المنغرس في واقعه وثقافته.

3. الأساس اللاهوتي لعلم “رعويات الشباب”

سبق الاشارة إلى أنّ الأساس اللاهوتي لعلم “رعويات الشباب” قائم على مبادرة الله الخلاصية التي يقدمها للإنسان والتي بها يحقق ملء الحياة وسعادة العيش. كافة الفعليات التي تقوم بها الجماعة الكنسية تهدف في أنّ يصل أولئك الشباب إلى الخلاص. علينا إذن تحديد ماذا نقصد بالخلاص كهدف نهائي لكل الأعمال الرعوية الموجّه للشباب؟

الخلاص[1]، بمعناه العام، هو مفهوم ديني يَشير إلى العملية التي من خلالها يتم إنقاذ الإنسان من طبيعة الخطيئة ونتائجها المدمرة لحياته بالإيمان بشخص يسوع المسيح. الخلاص، في معناه الضيق، هو التخلص من الشر جذريًا ونهائيًا والمشاركة في الحياة الأبدية والتي تعنى الاتحاد بالمسيح. لا يتم التخلص من الشر إلا بمسيرة توبة (أعمال الرسل 3: 19 ؛ 26: 20) ، والايمان (أعمال 11: 21) ، والثقة في المسيح (أعمال 20 :21). انه ينطوي على “الابتعاد عن” الخطيئة. ولكن ذلك يحدث نتيجة للقوة الله (أعمال 3 :26). الله يريد أن جميع الناس يخلصون ويبلغوا إلى معرفة الحق (1 تيموثاوس 2: 4).

لكن هناك تساؤل يضع الأساس اللاهوتي لعمل “رعويات الشباب” في مأزق: هل يمكن أن نقدم للشباب الخلاص المسيحي كحل لكل مشكلاته الحياتية اليومية؟

للإجابة على هذا السؤال يجب أن نوضح المقصود بالخلاص المسيحي. فموضوع الخلاص من أكثر الموضوعات المُختلف عليها بين المدارس اللاهوتية المسيحية، وحيث أنّ تقديم توضيح لاهوتي شامل لموضوع الخلاص متضمنًا كافة الأراء لا يدخل في صميم بحثنا هذا سنكتفي بعرض بعض الآراء التي تخدم موضوع الدراسة وهم: مبدأ الثنائية في الخلاص ومبدأ الفردانية.

    • مبدأ الثنائية

تكستب الثنائية تسميتها من مدلولها الذي يفصل بين عالمين متميزين جذريًا: العالم والله، عالم المادة والروح. هما عنصران مختلفان جوهريا عن بعضهما ويمكنهما الوجود منفصلين. ففناء الجسد، كما يعلم ديكارت، لا يعنى تدمير للروح، فالروح خالدة.

ويهدف الفصل في البداية إلى إعلاء فكرة الهبة المجانية للخلاص الذي يقدمه الثالوث الأقدس لجميع البشر: “الّذي يريد أنَّ جميع النّاس يخلصون، وإلى معرفة الحقّ يقبلون” (1تيم2: 4).  إلا أن هذا أدى بالبعض إلى تبنى مفهوم للخلاص القائم على عطية الله المجانية التي لا ترتبط بأعمال الإنسان واختياراته الحياتية. فالأعمال “الصالحة” التي يمكن للإنسان القيام بها، لا قيمة لها ولا فائدة، فالبر هو بالإيمان. تطرف البعض في تفسير تعليم بولس الرسول في رومية 4: “فَمن قامَ بِعَمَل, لا تُحسَبُ أُجرَتُه نِعمَةً بل حَقا, في حِينِ أَنَّ الَّذي لا يَقومُ بِعَمَل, بل يُؤمِنُ بِمَن يُبَرِّرُ الكافِر, فإِيمانُه يُحْسَبُ بِرّاً”.فالذي يؤمن بالمسيح يحسب إيمانه براً. هذه الآيات من رسالة رومية تعني أننا إذا اعتبرنا أن الأعمال الصالحة هي التي تبررنا وتخلصنا فإننا نعتبر أن الله مدين لنا ونعتبر أن الخلاص ليس بالنعمة. وهذا ما لا يعلمه العهد الجديد أبداً، لأنه يجعل ذبيحة المسيح بدون قيمة وبلا فائدة.

ماذا كانت نتيجة هذا الفكر على المستوى الرعوي: أدي الفصل كامل بين العالم والتاريخ “الحياة المعاشة” من جانب وبين السماء والأبدية من جانب أخر إلى الفصل بين الالتزام الديني للشخص والتزاماته الحياتية، بين خلاص النفس والقيم الإنسانية، بين الحياة الطبيعية والفوق طبيعية. من هذا المنظور الضيق للخلاص تصبح حياة الشخص وواقعه اليومي غير ذات أهمية إلا بالقدر الذي يكون فيه مستحق أو غير مستحق لهبة الخلاص الأبدي.

    • الفردانية

سيطر مفهوم الفردانية على الثقافة العالمية في القرون الأخيرة مما أثر كثيرًا في وعى الكثيرين بمفهوم الخلاص الذي تم تحديه في علاقة شخصية بالفرد مع الله، دون أن يكون لهذا المفهوم علاقة بالبعد الاجتماعي. كّثُر الحديث عن الخلاص الفردي للفرد دون مشاركة تذكر للجماعة الكنسية، أو علاقة الإيمان بالحياة المعاشة. فيتهم العمل الرعوي بهذا المنظور بعلاقة الإنسان بالله دون تداخل من أطراف أخرى، وتظهر الكنيسة كمكان “مناسب” للقاء الإنسان بالله المخلص.

    • ما هو الخلاص المسيحي؟

كمفهوم عام فإن الخلاص: هو النعمة المجانية التي يُعطيها الله الآب للإنسان، في يسوع المسيح وبواسطة الروح القدس بأن يشاركه في حياته الإلهية. قبول عطية الله وبأن يصبح الإنسان ابن له تحدد كل شيء وتفسر معنى وجوده وحياته وعلاقاته بالآخرين وبالعالم. تتداخل هذه الأبعاد المختلفة فيما بينها ويؤثر كل منهما على الآخر. لا يرتبط الخلاص إذن بعلاقة الشخص فقط بربه، بل يتعدى هذا إلى معنى وجوده وهدف حياته وعلاقاته الإنسانية مع الآخرين في المجتمع. على هذا فإن الخلاص المسيحي يشمل التحرر من كافة مظاهر الشر، الشخصية والاجتماعية والسياسية أيضًا، التغلب على مظاهر الغبن والقهر الاجتماعي والسياسي التي تؤثر على حياة البشر.

الخلاص هو هدف عام تسعى الجماعة المسيحية في أن يصل إلى المنتمين لها، ينبثق منه أهداف جزئية عديدة يتعلق كل منها ببعدٍ معين لدي الإنسان يمس حياته مباشرة، كالعلاقات الإنسانية، عمله، ثقافته، مشكلاته..الخ. يتعلق الخلاص إذن بكيان الإنسان ككل وبمظاهر حياته المختلفة. بكيفية بناء حياته في ضوء مخطط الله الخلاصي له.

    • إعادة تقييم هدف الحياة

يتهم العمل الرعوي بتحقيق الخلاص وسط التحديات المعاصرة في عالم اليوم. فالمسيحية تمتلك اجابات شافية لكافة المشكلات التي يصادفها إنسان اليوم في حياته، لأنها لا تقدم شيئًا منفصلاً عن واقعه الحياتي المعاش، بل تصبو إلى تقديم حلول جذرية للمشكلات التي يمر بها. خلال حياته على الأرض قدم المسيح النموذج لهذا الفكر، فهو لم يتهم فقط بشفاء الإنسان الجسدي، بل لجميع المشكلات، اجتماعية كانت أم نفسية.

لنقرأ ما كتبه لوقا في الاصحاح الثالث عشر (لوقا 13: 10- 13): “وكانَ يَسوعُ يُعَلِّمُ في أحدِ المَجامِعِ في السَّبتِ، وهُناكَ اَمرأةِ فيها رُوحٌ شرِّيرٌ أمرَضَها ثَمانيَ عشْرَةَ سَنةً، فجعَلَها مُنحَنِـيةَ الظَّهرِ لا تَقدِرُ أنْ تَنتَصِبَ. فلمَّا رآها يَسوعُ دعاها وقالَ لها: «يا اَمرأَةُ، أنتِ مُعافاةِ مِنْ مَرضِكِ! ووضَعَ يدَيهِ علَيها، فاَنتَصَبَت قائِمَةً في الحالِ ومَجَّدَتِ الله”. غضب رئيس المجمع لمخالفة المسيح لشريعة يوم السبت فقال للحاضرين: “عِندَكُم سِتَّةُ أيّامِ يَجِبُ العَمَلُ فيها، فتَعالَوا واَستَشفُوا، لا في يومِ السَّبتِ!” أجابه يسوع بأن المأساة ليس في المرض الجسدي، بل في المرض الروحي، ربطها الشيطان، قيدها بيقود اليأس والحزن والفشل، والشعور العام بالضعف والتقدير المتدنى للذات. شعور يتملك الكثير من الشباب فيتسبب في فقدان معنى الحياة وجدواها. الأمر لا يرتبط إذن بالبعد الصحي فقط، بل سيطرة روح الشر على الحياة والشعور بعدم جدواها.

لنقرأ مثلاً اخر ورد في مرقس 5: 1- 20 يتقابل فيه يسوع مع شاب ممسوس فقدا فرح العيش كشخص طبيعي، أُجبِرا على الاقامة وسط المقابر، في حالة موت فعلي. ميت يعيشون كالحيوان متوحش شرس، دون أصدقاء فهو مصدرًا للرعب والخوف لكثيرين، منعزل في مكان قفر، في المقابر حيث لا حياة. أعاد يسوع كل  مظاهر الإنسانية للشاب: ملابسه (كرامته- البعد الشخصي)، أهله وأصدقائه: “اَرجِــعْ إلى بَيتِكَ وإلى أهلِكَ وأخْبِرْهُم بِما عَمِلَ الرَّبُّ لَكَ وكيفَ رَحِمَكَ”، (العلاقات الإنسانية – البعد الاجتماعي)، لم يَّعد سبب خوف ورعب للآخرين. وأخيرًا طلب الشاب أن يرافق يسوع فأرسله مبشرًا إلى المدن العشر، بعض المدن في الجنوب الشرقي من بحيرة جنيسارت، (أصبح رسول- البعد الكياني الذي يعبر عن علاقته مع الله). عبر يسوع بالشاب من الموت إلى الحياة، لم يشفه فقط ليعيش على هامش الحياة، بل اكتشف ملء الحياة وروعتها. عاد إلى حياة طبيعية فعالة وفي تناغم تام بين أبعاده المختلفة الشخصية والاجتماعية والروحية.

رواية أخرى ينُقل يسوع فيها شخص من الموت إلى الحياة. المرأة الزانية في (يوحنا 8: 1- 11). فالمرأة ماتت داخليًا- نفسيًا قبل أن يتم فيها تنفيذ الحكم بالرجم بالحجارة. بالرغم من مظهرها الخارجي، فهي ميتة، لأنه تم ادانتها بقسوة باستخدام الشريعة. ألقى بها موتى أحياء، أنصار الشريعة، كجوال من البطاطس أمام قدمي يسوع ليؤكد حكمًا سبق لهم أن أتخذوه. هم موتى محصورين بقوانين جامدة، يطلبون قتل الزانية ليشعروا أنهم أحياء، قديسين يتبعون بكل حرفية الشريعة، هم المدافعون عن الله (داعش).

يرفض المسيح أن يضع حد للتجاوزات ضد الشريعة باستخدام الشرائع المنظمة. لم يخفي أو ينكر الخطيئة الكبرى التي قامت بها المرأة، ولم يحاول أن يزيف الحقيقة. أقام المرأة على قدميها، برأس مرتفع، بحركة محبة محيية قادرة على تغيير الإنسان. وفي هذه الحالة الجديدة يدعو المرأة أن لا تعود إلى الخطيئة مجددًا. فالحي يعطي الحياة لمن حكم عليهم بالموت.

باسم الحياة يُعيد المسيح المحكوم عليهم بالموت مرة أخرى على أقدامهم مرفوعين الرأس. يُعطي لهم الأهلية للذين فقدوها. يعطي شفاءً لمن أعتلت صحتهم الجسدية. معترضًا على تلك الخبرات الدينية التي يتم فيها استخدام الله ضد حياة وسعادة الإنسان. هو بالفعل العلامة التي أعطاها الله أبو إبراهيم وأسحق ويعقوب: “أنا الرّبُّ إلهُكُم الذي أخرجكُم مِنْ أرضِ المِصْريِّينَ لِئلاَ تكونوا عبيدًا لهُم، وحطَّمَ أغلالَ نيرِكُم وجعَلَكُم تسيرونَ مَرفُوعي الرَّأسِ” (لاو 26: 13).

تدخل الرب يسوع جاء ليُعيد للإنسان حالة الإنسانية الطبيعية، بأن يكون صحيح البدن، يعود إلى عائلته وأصدقائه ولعلاقاته الاجتماعية العادية، لا يصبح مصدرًا لتهديد وسببَ خوف وقلق لهم. تدخل يسوع يمس أيضًا البعد الثقافي- الديني للإنسان فيحرر المرأة من تصور ديني جامد يكون فيه الله قاسيا على البشر. إله يفضل احترم شريعة السبت أكثر من شفاء إنسان مع علته، يحكم بالموت على مخالفيه.

فالثلاث رويات تصل إلى هدف واحد. فالكلمات المستخدمة وأسلوب الكتابة مختلف، لكن جوهر الحدث واحد: أمام الألم والمعاناة الإنسانية يتدخل يسوع ليُعيد الحياة لمن هم في حالة تشبه الموت. وهذا هو الموضوع الأساسي لبشارة الإنجيل. يتدخل يسوع باسم الله فيُثير حفيظة المتشددين المعتقدين في صحة إيمانهم. أظهر يسوع في أي جانب يقف أمام، في جانب الحياة، وهذا هو الهدف الرئيسي للعمل الرعوي. لأجل أن نتكلم عن الله للآخرين يجب أن تتناغم الكلمات مع الأفعال، مع الحياة الواقعية للأشخاص.

    • التلاميذ والسير على نهج يسوع

يختلف المسيح في شخصيته عن سائر البشر الآخرين، هذا ما يرويه لنا تلاميذه المقربين. اختلاف شخصيته يظهر في التغيير الذي طرأ على التلاميذ بعد قيامته، فقد حذا جميعهم حذوه في إعادة الإنسان إلى حالته الإنسانية الطبيعة، وهذا ما نجده في السطور التالية من أعمال الرسل: “صَعِدَ بُطرُسُ ويوحنَّا إلى الهَيكَلِ لِصَلاةِ السّاعةِ الثالِثَةِ بَعدَ الظُّهرِ، فإذا بَعضُ النـاسِ يَحمِلونَ رَجُلاً كَسيحًا مُنذُ مَولِدِهِ. وكانوا يَضعونَهُ كُلَ يومِ عِندَ بابِ الهَيكَلِ المَعروفِ بالبابِ الجميلِ لِيَستَعطِـيَ الدّاخلينَ. فلمَّا رأى بُطرُسَ ويوحنَّا يَدخُلانِ الهَيكَلَ طَلَبَ أنْ يَتَصدَّقا علَيهِ. فتَفرَّسا فيهِ، ثُمَ قالَلَه بُطرُسُ: «أُنظُرْ إِلينا! «فنظَرَ إلَيهِما مُتوَقِّعًا أنْ ينالَ شيئًا. فقالَ لَه بُطرُسُ: «لا فِضَّةَ عِندي ولا ذهَبٌ، ولكِنِّي أُعطيكَ ما عندي: باَسمِ يَسوعَ المَسيحِ النـاصِريِّ قُمْ واَمشِ». وأمسَكَ بِـيَدِهِ اليُمنى وأنهَضَهُ، فاَشتَدَت قدَماهُ وكَعباهُ في الحالِ، فقامَ واثِــبًا وأخَذَ يَمشي. ودخَلَ الهَيكَلَ مَعَهُما، ماشيًا قافِزًا يُمَجِّدُ الله. وشاهدَهُ النـاسُ كُلُّهُم يَمشي ويُمَجِّدُ الله، فعَرَفوا أنَّهُ هوَ الشَحَّاذُ الذي كانَ يَقْعُدُ عِندَ «البابَ الجميلِ«، فاَمْتلأوا حَيرَةً وعَجَبًا مِمّا جَرى لهُ” (أعمال 3: 1- 10).

للوهلة الأولى نتصور أن الحدث هو رواية عن معجزة ينتهي بشفاء إنسان كسيح منذ مولده. لكن الحدث الرئيسي يبدأ بعد الشفاء. يصرخ الرجل بسعادة فيتدافع الناس في الرواق بصورة دفعت رؤساء الهيكل والكهنة إلى التوجه إلى رواق سليمان لاستطلاع ما يحدث وما سبب تلك الجلببة العالية في ساحة الهيكل. تم استجواب بطرس المسئول الفوضى التي حدثت في الهيكل. هنا يأخذنا الراوي إلى قلب الحدث والغرض الأساسي من الرواية. يقول بطرس: “هل تريدون أن تعرفوا لماذا يمشي هذا الكسيح صحيح معافى؟ لأننا جميعًا لا نكون أحياء إلا في يسوع المسيح “مَنبَعَ الحياةِ” الذي قتلتموه “ولكِنَ الله أقامَهُ مِنْ بَينِ الأمواتِ”.

هنا علاقة ترابطية بين قصة يسوع الناصري والشفاء الجسدي للكسيح وملء الحياة التي مدعو إليها كل إنسان. يُضيف بطرس شيئًا مختلفًا عما نعرفه عن حياة يسوع العلنية كما وردت في الأناجيل، فلا يشفى الكسيح فقط، بل يعترف بإيمانه بيسوع المصلوب والقائم من بين الأموات الذي به وحده يحيا الإنسان ويتحرك ويوجد: “بِفَضلِ الإيمانِ باَسمِهِ عادَتِ القُوَّةُ إلى هذا الرَّجُلِ الذي تَرَونَهُ وتَعرِفونَهُ. فالإيمانُ بيَسوعَ هوَ الذي جَعَلَهُ في كَمالِ الصِّحَّةِ أمامَ أنظارِكُم جميعًا”.

يؤكد بطرس بكل حزم إنه فقط بالإيمان بيسوع نملك الحياة. فالتعبير عن الإيمان ورواية قصة يسوع الخلاصية، وتضحيته على الصليب وقيامته من بين الأموات، من جانب بطرس ويوحنا تلميذي يسوع، حركَ قدمي الكسيح منذ مولده، وأعطي له الحياة. هناك علاقة ترابطية قوية، وليست سببية، بين اعلان الإيمان بيسوع المسيح كربّ وإله والشفاء الجسدي. فالشفاء يشفي أعضاء الجسد العطبة وينهي مشكلات عضوية. اعلان الإيمان بيسوع القائم يتجاوز حدود الموت الجسدي ويُعطي حياة تدوم إلى الأبد، يعجز الموت على ايقافها او تعطيلها.

العلاقة الترابطية بني اعلان الإيمان والشفاء لا يمكن فصلهما. فيؤثر كل عنصر في الآخر بطريقة تبادلية: فحركة قدمين الكسيح لأول مرة في حياته أعطت أمكانية أكبر لقبول الحياة من يسوع المسيح، من منبع الحياة. والإيمان بيسوع هو الذي جعل الكسيح في كمال صحته وقادر على المشي والقفز بصورة طبيعية. الفكرة الإيمانية المعطية للحياة المقدمة من بطرس والتي قبلها الكسيح بثقة وتسليم بأمور لا ترى لم تشفي فقط الجسد، بل امتدت إلى حرية الشخص الداخلية وتحرره من سيطرة الشر، خلقت فيه استعداد أفضل للحب والانفتاح على الآخرين. دون إعلان الإيمان هذا لا يمكن للإنسان أن يعيش ملء الحياة وروعتها، فهو منبع الحياة، “أنا هوَ القيامةُ والحياةُ. مَنْ آمنَ بـي يَحيا وإنْ ماتَ. وكُلُّ مَن يحيا مُؤمنًا بـي لا يَموتُ أبدًا” (يو 11: 25- 26). دون الإيمان والثقة بيسوع ليس هناك حياة حقيقية حتى لو تم شفاء الجسد من المرض الذي يعتريه، أو تحرر الإنسان من احباطه فهو سيظل أسير الموت الذي سيأتي عاجلاً أو أجلاً.

فالتلميذ هو الذي يرغب في أن يكون جميع الناس “مرفوعين الرأس”، ممتلئين بالحياة، ينطلق إلى العالم أجمع حاملاً تلك البشارة السارة إلى الجميع متحدثًا عن يسوع وعن كونه سيد الحياة. لا يقوم بمهمته تلك بكلمات قوية ورائعة، ولكن بالحياة والقدوة والمثل ورواية حياة يسوع الذي به وحده الحياة.

حدث الكسيح أمام الهيكل تُعبر عن شغف التلاميذ بيسوع وروايتهم لأحداث حياته للناس، فيمكن لنا أن نتصور أمام مقعد منذ مولوده، ماذا سيروي بطرس، هل حدث إقامة لعازر مثلا، أو موقف يسوع أمام الفريسيين، سيتحدث بالطبع عن شفاء يسوع ذات يوم لمقعد كسيح حمله زملائه ووضعوه أمام يسوع. يتحدث بطرس بشغف عن ذكرياته عن ذلك اليوم، الحديث عن قدرة يسوع الخلاصية هي التي تصنع معجزة مماثلة فتحرك قدمي الكسيح المستمع لبطرس.

4. طبيعة العمل الرعوي الخاص بالشباب

العمل الرعوي في مجمله، كما أسلفنا القول، هو نقل البشرى السارة للخلاص إلى عالم تمزقه الخلافات ويتشح بالحزن والإحباط في كثير من الأحيان. عالم يبحث عن الحرية ويجوع إلى الحب. لهذا فأن العمل الرعوي الخاص بالشباب لديه مسئولية ثقيلة ولعل هذه هي أهم أسباب عزوف الشباب على استيعاب وتفهم نداء الكنائس لهم.

ماهي الصعوبات التي يواجه القائم بالعمل الرعوي والتي تقف حائلا أمامه في أن يحذو حذو بطرس عندما صرخ قائلا: “لا خلاصَ إلاّ بيَسوعَ، فما مِن اَسمِ آخَرَ تَحتَ السَّماءِ وهَبَهُ الله لِلناسِ نَقدِرُ بِه أنْ نَخلُصَ”.

  1. أهم تلك الصعوبات تعود إلى سيادة ثقافة “الموت” والتي تغذيها الصراعات السياسية والدينية في العالم الإسلامي، فانتشرت حالات تفخيخ الذات لأجل وعد بحياة رغدة في العالم الأخر. تفشى الاكتئاب وغاب المعنى من الحياة. أن يستمر القائم بالعمل الرعوي ببث الأمل والتفاؤل والطمأنينة واعطاء معنى للحياة وتشجيع الشباب على تحقيق الذات أمر صعبًا. كنتيجة لتلك الثقافة فأن القائم بالعمل الرعوي لديه واجب أساسي في حث الشباب على البحث عن معنى الوجود، وهدف الحياة في عالم مضطرب كعالم اليوم، والرسالة الفريدة التي يطلبها الله من كل شيء في المكان والزمان، والوسائل التي تصل بهم إلى اكتشاف المعنى.
  2. ثاني تلك الصعوبات تأتي من طبيعة العمل الرعوي ذاتها، فالاعلان عن البشرى السارة للخلاص، مثلما فعل بطرس والتلاميذ، لا يأتي بحسن الكلام وجاهزية القائم بالعمل ومستواه الاكاديمي أو الثقافي، بل في كونه قد قام باختبار هذه الخبرة الخلاصية مع الربّ، على المستوى الإيماني والحياتي, وتنعكس تلك الخبرة على حياته اليومية وعلى نظرته للأمور المختلفة وطرق معالجتها. فالحياة التي يعيشها القائم والأعمال التي يقوم بها هي العلاقة الارشادية التي من شأنها أن تُشير إلى امكانية نجاحه في مهمته أم لا. فعندما سمع المعمدان بأعمال يسوع أرسل إليه بعض تلاميذه لسؤاله: “هلْ أنتَ هوَ الَّذي يَجيءُ، أو نَنتظرُ آخَرَ؟” فأجابَهُم يَسوعُ: “اَرْجِعوا وأخْبِروا يوحنّا بِما تَسمَعونَ وتَرَوْنَ: العميانُ يُبصرونَ، والعُرجُ يمشونَ، والبُرصُ يُطهَّرونَ، والصمٌّ يَسمَعونَ، والمَوتى يَقومونَ، والمَساكينُ يَتلقَّونَ البِشارةَ. وطوبي لمن لا يفقُدُ إيمانَهُ بـي” (متى 11: 2- 6). عندما تكلم يسوع عن ذاته عَّدد الأعمال وأشار إلى الرسالة التي يقوم بها والتي يسعى إلى إتمامها. جميعها أعمال تأتي للحث على الحياة وإدراك معنى الوجود والهدف منه، والتي من خلالها ينمو الإيمان: “وطوبي لمن لا يفقُدُ إيمانَهُ بـي” يذكر يسوع.

تعلن الجماعة المسيحية بكل قوة وشجاعة الإيمان بيسوع المسيح، من خلال تعضيد العرج ليمشوا، والعميان ليصبحوا مبصرين. تصحب الكنيسة الإنسان في مسيرة طويلة لأجل أن يكتشف معنى حياته وأسباب وجوده في المكان والزمان ضد ثقافة سائدة تعلى من قيمة الموت على الحياة. الكلمات التي تنطق بها تُصبح القوة التي تبعث الحياة في الأرجل اليابسة للكسيح الجالس على باب الهيكل، والنور في عيون الأعمي منذ مولده. هي تعلن أن المسيح هو الحياة “منبع الحياة” ولا يمكن لاسم تحت السماء يمكن أن يهب الحياة، إلا هو، خالق الحياة ذاتها ومنشئ الأزمنة الموقوتة.

  1. اعلان الخلاص في يسوع المسيح للشباب يتطلب أيضًا وسائل تربوية وتكوينية منظمة للوصول إلى الغايات التي سبق تحديدها. كما تشمل أيضًا الاهتمام بنوعية المعارف التي ينبغي نقلها وتنظيم طرق ووضعيات التعلم، وكيفية معالجة موضوع معين. الأمر الذي يُشير إلى تعلم مهارات معينة تعمل إلى تعبئة مجهود الشاب ليقبل على التعلم الذاتي وامتلاك القدرة على البحث لاستجلاء معنى حياته والهدف منها في إطار منظومة متكاملة للتعليم المسيحي للكبار.

4. مجالات علم “رعويات الشباب”

مجالات علم اللاهوت الرعوي الموجه للشباب إذن ثلاث: الأول يتعلق بالرؤية العامة التي تحدد مجمل الأعمال الرعوية التي تقوم بها الكنيسة. أما الثاني فمجاله دراسة الواقع الزمني والتاريخي الذي تتمّ فيه تلك الأعمال. في حين يتعلق المجال الثالث والأخير بالتعديلات في الممارسات الرعوية القائمة حتى تحقق الهدف منها بما يتناسب مع الواقع التاريخي والزمني الذي تعيش فيه الكنيسة.

تُشكل المجالات الثلاث موضوعات اللاهوت الرعوي بصورة عامة، وسيتم التركيز في هذا البحث على تلك الممارسات الموجّه لقطاع الشباب في الكنيسة. لتلك المجالات تعبيرات محددة في علم اللاهوت الرعوي وهي: “المعيارية” و”الواقعية” و”الممارسة التطبيقية”:

  • المعياريّة: تشير إلى تلك القواعد التي تُحدِّد أهداف الممارسات والأفعال الكنسية والتي يمكن القياس عليها. تقضتي المعياريّة إدراك القائم بالعمل الرعوي لتلك القواعد العامة التي تُنظِّم ما يقوم به من أنشطة وممارسات رعوية للوصول إلى الأهداف المُحدَّدة، الرئيسية والثانوية. لتلك الرؤية التي يرغب القائمين على العمل الرعوي الكنسي من خلال مجمل الأعمال والتنظيمات الرعوية الموجّه لقطاع الشباب في تحقيقها.
  • الواقعية: يقصد بها ملائمة الممارسات الكنسية الموجّه مع الزمن الذي تعمل فيه. تتطلب الواقعية تعديل الممارسات المختلفة لكي تتناسب مع الأزمنة التي تعيش فيها الكنيسة. دراسة الوسط الثقافي والاجتماعي والتكنولوجي المحيط بالشباب إذن أمرٌ لا غنى عنه عند تخطيط برامج العمل الرعوي الخاصة بهم.
  • الممارسة التطبيقية: لا يقتصر دور اللاهوت الرعوي على شرح تلك الممارسات التي يجب على الكنيسة القيام بها، بل أن يُساهم في تطورها وتحديثها بالشكل الذي يحفظ ويحقِّق بلوغ الأهداف الرئيسية التي تتناسب مع العصر والبيئة التي توجد بهما الكنيسة.

[1] أن يخلص المرء: أن يُنشل من خطر كاد يهلك فيه. وبحسب طبيعة الخطر تقارب عملية الإنقاذ الحماية، أو التحرير، أو الفداء، أو الشفاء، وتقارب عملية الخلاص النصر، أو الحياة، أو السلام”. مُعجم اللاهوت الكتابي، الخلاص، بيروت 1986، ص 321- 326.

قد يعجبك ايضا
اترك رد