إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

“الرَّبّ أَعطاني إِخْوَة” (3)

0 962

“كيف نعيش معًا”

نقوم جميعًا بمهامنا الرهبانية والإرسالية وننجز الكثير من أعمال الخير للآخرين. يمكننا أن نفخر بما نفعله، على الصعيد الجماعي والشخصي، لأننا نخدم الفقراء ونقدم اهتمامًا بِمن لا يهتم بهم أحد. قد نكون في راحة لما نقوم به من خدمات، لكن بين الحين والآخر هناك شيء يُزعجنا؟! ربما تعب أعمال الرسالة التي نقوم بها والإنشغالات الدائمة؟ أو المرارة من أخ يتسبب في مشكلات لي أو أقله لا يقدم الدعم الكافي؟ أو الغضب لمحاولة آخر الاستفادة من خدمتي ورسالتي لمصلحته الشخصية؟

الحياة وسط الجماعة ليست سهلة، كيف أنه ليس من المعقول أن جماعة من الرهبان مختلفون بعضهم عن بعض وكل شخص فريد عن الآخرين أن تعيش معًا دون قلق أو الدخول في صراعات؟

في الوصية 18 يقدم القديس فرنسيس توصيته لنا كأخوة أصاغر فيقول: طوبى للإنسان الذي يُساندُ قَريبهُ في هَشاشتِهِ، بقدر ما يتَمَنَّى أن يُساندهُ قريبُهُ عندما يكون هو في حالٍ مُماثل”.

ينطلق القديس فرنسيس هنا من القاعدة الذهبية في (مت 7: 12) ” فكُلُّ ما أَرَدْتُم أَن يَفْعَلَ النَّاسُ لكُم، اِفعَلوهُ أَنتُم لَهم: هذِه هيَ الشَّريعَةُ والأَنبِياء”. أن نخرج خارج دائرة الأنانية والتمركز حول الذات للقاء الآخر. العبور من مفهوم “الجماعة من أجلي وأجل خدمتي وراحتي” إلى مفهوم “أنا من أجل الجماعة”. إنه العبور من الأنانية إلى المحبة، من الموت إلى القيامة: إنه الفصح، عبور الرب. إنه أيضًا عبور من أرض العبودية إلى أرض الميعاد، أرض التحرر الداخلي.

يستخدم القديس فرنسيس أفعال لها دلالات خاصة وهامة للغاية. الفعل الأول هو: “يُساند” وهو يختلف عما يعلَمه بولس الرسول في رسالته إلى غلاطية: ” لِيَحمِلْ بَعضُكم أَثْقالَ بَعض وأَتِمُّوا هكذا العَمَلَ بِشَريعةِ المسيح” (غلا 6: 2). فكلمة “يُساند” تختلف عن كلمة “يحمل”، لأن حمل ثقل ما يعنى رفع شيء ما ثقيل الوزن بمشقة مضطرًا. أما فعل “يُساند” فهو يُعبّر عن القبول وتقديم المساعدة والعون برضى وتلقائية. الدافع هنا مختلف، الدافع الوحيد هي المحبة.

يستخدم فرنسيس فعلاً أخرًا في وصيته لرهبانه: “هشاشة” والذي يعنى ضعف الإنسان الشديد، وعدم المقدرة على ضبط التصرفات والتحكم في الانفعالات كالغضب والكراهية والحسد، وهي أوجه مظاهر الضعف في طبيعتنا الإنسانية. الكثير من تلك الانفعالات لا تنتج عن سوء نيّة، بل هي نقائص عامة في الشخصية بسبب ظروف بيئية وتربوية.

كيف أقبل نقائص الآخرين بحيث لا تفسد سلامي الداخلي، ولا تتسبب في انزعاج للجماعة الرهبانية؟

طوبى للراهب الذي يساند أخيه في هشاشتِهِ: المساندة والقبول بضعف الطبيعة البشرية للآخر تعني الإصغاء للآخر، ووضع النفس مكانه، وفهمه، والإيمان بأنه مهم لنا. إنها جواب لندائه وحاجاته العميقة. إنها مشاركته الشعور بالفرح لحضوره والحزن لغيابه. هي أن أسكن فيه ويسكن فيّ. ونكون الواحد ملجأ للآخر. “المَحبَّةُ تَصبِرُ وتَرفُقُ، المَحبَّةُ لا تَعرِفُ الحَسَدَ ولا التَفاخُرَ ولا الكِبرِياءَ. المَحبَّةُ لا تُسيءُ التَّصَرُّفَ، ولا تَطلُبُ مَنفعَتَها، ولا تَحتَدُّ ولا تَظُنُّ السّوءَ” (1كو 13: 4- 5). فالتدريب على المحبة يستغرق حياة بأكملها، لأنه يجب أن يدخل الروح القدس إلى كل تعاريج كياننا وخباياه، إلى كل الزوايا التي يعشش فيها الخوف والقلق والمقاومة والحسد.

كيف يمكن مساندة الأخوة؟:

  1. المرجعية الأساسية للحياة الجماعية، وفقا للإرشاد الرسولي “الحياة المكرسة”، هي الثالوث الأقدس. فالعلاقات داخل الثالوث الأقدس هي علاقة “تخلي كامل” بذل/ قبول/ وتبادل. فالأب يبذل ذاته الأبوية للابن ويهبه كل شيء. الابن يتقبل من الأب كل شيء، من دون أن يَّعُدَ ذلك “غنيمة” (فيلبي 2: 6)، ويتم هذا التبادل والاقتبال والبذل في الروح القدس ومن خلاله. العلاقات الصحية داخل الجماعة يكون عنوانها أيضًا البذل/ القبول/ والتبادل.
  2. تكون المساندة بقبول النقائص البشرية كجزء أساسي لتمايز الأشخاص واختلافهم بعضهم عن بعض. فكلٍ منّا فريد في تكوينه ونشأته وظروف حياته، فإذا كان الأخ هشًا وضعيفًا في أمرٍ ما، فإن القبول في حد ذاته يساعد الآخر على النمو. . لقد أفضى الحب بالمسيح إلى بذل ذاته حتى الذبيحة القصوى، ذبيحة الصليب. فيما بين التلاميذ أيضًا، لا يمكن أن تقوم وحدة حقيقية بمعزل عن هذا الحب المتبادل غير المشروط الذي يتطلب الأهبة للخدمة بلا حساب والاستعداد لتقبل الآخر كما هو، بلا “دينونة” والقدرة على المسامحة حتى “سبعين مرة سبع مرات” (ح. م: 42).

نصوص التأمل:

القراءة الأولى (أفسس 4: 1- 6):

1 فأُناشِدُكم إِذًا، أَنا السَّجينَ في الرَّبّ، أَن تَسيروا سيرةً تَليقُ بِالدَّعوَةِ الَّتي دُعيتُم إِلَيها،2 سيرةً مِلؤُها التَّواضُعُ والوَداعَةُ والصَّبْر، مُحتَمِلينَ بَعضُكُم بَعضًا في المَحبَّة3 ومُجتَهِدينَ في المُحافَظَةِ على وَحدَةِ الرُّوحِ بِرِباطِ السَّلام.4 فهُناكَ جَسَدٌ واحِدٌ ورُوحٌ واحِد، كما أَنَّكم دُعيتُم دَعوَةً رَجاؤُها واحِد.5 وهُناكَ رَبٌّ واحِدٌ وإِيمانٌ واحِدٌ ومَعْمودِيَّةٌ واحِدة،6 وإِلهٌ واحِدٌ أَبٌ لِجَميعِ الخَلْقِ وفوقَهم جَميعًا، يَعمَلُ بِهم جَميعًا وهو فيهِم جَميعًا.  

القراءة الثانية (القانون الغير مُصدّق  5: 13- 15):

لا يَفْعَلَنَّ أَحَدٌ مِنَ الإِخْوَةِ لآِخَرَ شَرّاً، وَلا يَقولَنَّ فيهِ سوءاً. (14) لا بَلْ بِمَحَبَّةِ الرُّوحِ، فَلْيَخدُموا، وَيُطيعُوا بَعْضُهُم بَعْضاً عَنْ طيبِ خاطِر. (15) وَتلكَ هيَ طاعَةُ رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ الحَقيقِيَّةُ وَالمُقَدَّسَة.

القراءة الثالثة (كلنا أخوة: 48)

إنّ الجلوس للاستماع إلى آخر، وهو سمة من سمات اللقاء الإنساني، هو نموذج من تصرّف شخصٍ منفتح على الترحيب، يتغلّب على النرجسية ويقبل الآخر، ويوليه اهتمامه، ويرحّب به في دائرته الخاصّة. لكن “عالم اليوم هو في الغالب عالم أصمّ. […] وتمنعنا أحيانًا سرعة العالم الحديث والجنون، من الاستماع جيّدًا لما يقوله الشخص الآخر. وعندما يكون في منتصف حواره، نقاطعه ونريد أن نردّ عليه بينما لم ينته بعد من كلامه. فَعَلينا ألّا نفقد القدرة على الاستماع”. لقد سمع القدّيس فرنسيس الأسيزي “صوت الله، وسمع صوت الفقراء، وسمع صوت المرضى، وسمع صوت الطبيعة. وحوّل كل ذلك إلى نمط حياة. وأتمنّى أن ينمو ما زرعه القدّيس فرنسيس في قلوب كثيرة”.

نقاط مساعدة للتأمل:

  • قبول الأخ المختلف ومساندته أمرٌ ليس سهل بالنسبة لكثيرين، لأنه يتطلب التواضع والاستعداد لتقديم العون، والتلاقي معه في واقعه الشخص مع الإيمان بإنه يمتلك كنزًا مخبئًا وغالبًا غير معلوم له أيضًا.
  • قبول الأخ المختلف يتطلب منّت أن نعتبره فريدًا وغير قابل للتكرار وثمين للغاية لا يمكن للجماعة أن تكون صحية دونه.
  • قبول الأخ المختلف يتطلب أن انفتح على واقعه ويكون لديّ الاستعداد للانفتاح عليه أيضًا. إذا لا حواجز بين الجماعة بل جسور تربطها المحبة الأخوية.

أسئلة للتأمل الشخصي:

سجل تكملة هذه العبارات في أجندتك الشخصية:

  • هل تشعر عندما تتحدث مع الجماعة التي تعيش فيها إنك تفعل ذلك مع أخوة….
  • هل تصلي من أجل الأخوة الذين تعيش معهم، خاصة مَن تراه في ضيقة…..
  • يقول البابا فرنسيس: “عندما نرى خطأ أو نقصا في أخٍ غالباً ما نقوم به أولاً هو أن نذهب لإخبار الآخرين وللثرثرة. “الثرثرة تغلق قلب الجماعة”.، وحده الوقوف أمام الله يمكنه أن يضع الأخ أمام ضميره والمسؤولية عن أفعاله. كيف أعيش أنا هذه اللحظات….

المقاسمة الأخوية:

ومن الأفضل أننا في نهاية التقاسم، كثمرة وعلامة على رغبتنا في التجديد، أن نختار عملاً مشتركًا/التزامًا مشتركًا نقوم بتحقيقه حتى الاجتماع القادم.

الصلاة الختامية (ق غير مُصدّق 23: 9- 10)

فَلا نَرْغَبَنَّ، إِذاً، في شَيْءٍ آخَرَ،

وَلا نَبْتَغِـيَنَّ شَيْئاً آخَرَ، وَلا يَرُقْ لَنا وَيُبْهِجْنا،

سِوى خالِقِنا، وَفادينا، وَمُخَلِّصِنا،

الإِلَهِ الحَقِّ وَحْدَهُ،

الَّذي هوَ ملءُ الصَّلاحِ، كُلِّ صَلاحٍ، وَكُلِّ الصَّلاحِ،

الصَّلاحِ الحَقيقيِّ وَالأَسمى،

الَّذي هوَ وَحْدَهُ صالِحٌ، وَرَؤوفٌ، وَوَديعٌ، وَعَذْبٌ، وَحُلْوٌ،

الَّذي هوَ وَحْدَهُ قُدُّوسٌ، وَعادِلٌ، وَحَقٌّ، وَقُدُّوسٌ، وَمُسْتَقيمٌ،

الَّذي هوَ وحْدَهُ عَطوفٌ، وبَريءٌ، وطاهِرٌ،

الَّذي منهُ، وبِهِ، وفيهِ، كُلُّ صَفْحٍ، وكُلُّ نعمَةٍ، وكُلُّ مَجْدٍ،

لِكُلِّ التَّائِبينَ وَالأَبرارِ،

وكُلِّ الطُّوباوِيِّينَ الَّذيْنَ يَنْعَمونَ، مَعاً، في السَّمَوات.

قد يعجبك ايضا
اترك رد