إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

“الرَّبّ أَعطاني إِخْوَة” (2)

0 1٬091

أينَ أخوكَ؟”

لنلقي مزيد من الضوء على كلمات القديس فرنسيس الخالدة: “وَبَعْدَ أَنْ أَعطاني الرَّبُّ إِخْوَةً، لَمْ يَدُلَّني أَحَدٌ إِلى ما يَتَوَجَّبُ عَلَيَّ عَمَلُهُ، لَكِنَّ العَلِيَّ نَفْسَهُ أَوْحى إِلَيَّ بِأَنَّ عَلَيَّ العَيْشَ وَفْقاً لِنَهْجِ الإِنجيلِ المُقَدَّس. وَأَنا جَعَلْتُ (ذَلِكَ) يُكْتَبُ بِكَلِمـاتٍ وَجيزَةٍ وَبَسيطَة، وثَـبَّتَهُ ليَ السَّـيِّدُ البابا (وصية فرنسيس 14- 15).

في بداية سفر التكوين، يوجّه الربّ الإله سؤالاً لآدم قائلاً: «آدْم أَيْنَ أَنْتَ؟». من الخطأ حصر السؤال في شخص آدم، أو في شخص إنسان بعينه. فالسؤال يُطرح على جميع البشر: «أَيْنَ أَنْتَ؟». «أَيْنَ أنت أيها الإنسان من الله؟» وهو السؤال الأول الذي يوجهه الله إلى الإنسان الذي أحبه وخلقه ليكون في شركة معه.

ثم يسأل الله سؤالاً ثانيًا: «أينَ أخوكَ؟» وهو السؤال الثاني المطروح يوميًا لكل البشر: «أينَ أخوكَ؟» يسألنا الله: «كيف تعيش علاقاتك مع الآخرين، مع الآخر؟»

«أينَ أخوكَ؟» هل هو قريب أم بعيد؟ هل تختار أن تجعله قريبًا منك أم بعيدًا عنك؟ هل تقرر أن تتجاهله أو أن تصبح حارسًا له متحملاً هذه المسؤولية بمحبة؟

ظن قايين، لكونه الأخ الأكبر، أنه له أولوية على أخيه هابيل. لقد كان قبل ولادة هابيل ابنًا وحيدًا، فريدًا لآدم وحواء. ثم جاء هابيل ومعه حقيقة مُرة “أنت لست الشخص الفريد، هناك آخر”.  رأي قايين في ميلاد أخيه جرحًا داخليًا لكيانه. رأى فيه منافسًا يجب التخلص منه لتعود إليه مكانته في قلب الله ووالديه كابن وحيد وفريد، فتخلّص منه بقتله. لكن قدم السيد المسيح نموذجًا مختلفًا تمامًا، فبالرغم من أنه الابن البكر، الذي في حضن الآب منذ الأزل، لم يرغب في الاحتفاظ بهذا الغنى له وحده: “هوَ في صُورَةِ الله، ما اَعتبَرَ مُساواتَهُ لله غَنيمَةً لَه، بَل أخلى ذاتَهُ واَتَّخَذَ صُورَةَ العَبدِ، صارَ شَبيهًا بالبَشَرِ وظَهَرَ في صورةِ الإنسانِ” (فل 2: 6-7). تخلى عن كونه الابن الوحيد وأصبح الابن البكر لأخوةٍ كثيرين وأصبح خادمهم، حتى إنه غسل أقدامهم. حياة يسوع تُنير ظلمات قلب كل إنسان يرغب في التخلص من أخيه ليحصل وحده على ميزات الابن الوحيد، ليحصل على حب والديه كاملاً، ليكون الأعظم (كما تجادل التلاميذ فيما بينهم من هو الأكبر، فكانت إجابة يسوع:”مَن أَرادَ أَن يَكونَ أَوَّلَ القَوم، فَلْيَكُنْ آخِرَهم جَميعًا وخادِمَهُم” (مر 9: 35).

على الصليب بلغت محبة يسوع الكمال لإخوته بغفرانه لقاتليه. نعتقد أن الأخ خطرًا علينا، يسلبنا حقوقنا في الحياة، يسلبنا أن نكون مركز “العائلة-  الكون”، يسلبنا محبة الآخرين، فنحاول أن نتخلص منه ونزيل وجوده من الحياة. لكن جاء المسيح على الصليب ليبقى على محبته لأخوته، بالرغم من الآلام واقتراب الموت. بالرغم مما صنعه أخوته به، من جلدٍ وتعذيب، إلا أنه غفر لهم وتضرع لأجل ألا تُحتسب لهم هذه الخطيئة: “لأنهم لايدرون ما هم فاعلون” (لو 23: 34).

لكي يكون “الآخرين” أخوة:

  1. بدايةً، لكي يكون الآخرين أخوة يُفترض أن يكون هناك مساواة بين الجميع! هناك جماعة تنتمي لكيان واحد، لعائلة يتضامن أفرادها معًا. داخل الجماعة هناك شعور بالانتماء، علاقات محبة قوية وروابط إنسانية تجمعها. هناك جماعات يرتبط أفرادها بالحد الأدني من العلاقات العاطفية والإنسانية: “نكتفي بالتحيات اليومية والمجاملات الاعتيادية” دون انفتاح حقيقي على الأخر كأخ يحتاج إلى الحب والتشجيع والتعاطف والمساندة والتضحية. جماعات يعيش أفرادها كغرباء تحت سقف واحد، في حين يرتبط كل فرد فيها بعلاقات عاطفية وإنسانية قوية مع أشخاص خارج تلك الجماعات، فإننا لا نستطيع أن نصف أفراد تلك الجماعات  بأنهم”أخوة”.
  2. تكون المسئوليات القيادية داخل الجماعة لأجل خدمة الأخوة وليس بهدف التسلط. لكي يكون الآخرين أخوة، على المسئولين أن  يصبحوا “آباء وأخوة أكبر” لباقي أفراد الجماعة. يكونوا علامة على الوحدة وقادة تسعى لاكتشاف إرادة الله والعمل بها.

نصوص التأمل:

القراءة الأولى (مرقس 9: 33- 37):

33 وجاؤوا إِلى كَفَرناحوم. فلَمَّا دخَلَ البَيتَ سأَلَهم: «فيمَ كُنتُم تَتَجادَلونَ في الطَّريق ؟» 34 فظَلُّوا صامِتين، لأَنَّهم كانوا في الطَّريقِ يَتَجادَلونَ فيمَن هُو الأَكبَر. 35 فجَلَسَ ودَعا الاثَنيْ عَشَرَ وقالَ لَهم:«مَن أَرادَ أَن يَكونَ أَوَّلَ القَوم، فَلْيَكُنْ آخِرَهم جَميعاً وخادِمَهُم». 36 ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ طِفْلٍ فأَقامَه بَينَهم وضَمَّه إِلى صَدرِه وقالَ لَهم: 37 «مَن قَبِلَ واحِداً مِن أَمْثالِ هؤُلاءِ الأَطْفالِ إِكراماً لِاسمِي فقَد قَبِلَني أَنا ومَن قَبِلَني فلم يَقبَلْني أَنا، بلِ الَّذي أَرسَلَني».

القراءة الثانية (القانون الغير مُصدّق  5: 9- 12):

(9) كَذَلِكَ لا يَكونَنَّ للإِخْوَةِ، أيَّةُ سُلْطَةٍ، أَوْ سِيادَةٍ، وَخصوصاً فيما بَيْنَهم. (10) فَعَلى حَدِّ ما يَقولُ الرَّبُّ في الإِنجيل: ”إِنَّ أُمَراءَ الأُمَمِ يَسودُونَها، وَالأَكابِرَ فيهِم يَتَسَلَّطونَ عَلَيْها“، وَهَذا ما لا يَجِبُ أَنْ يَحْدُثَ بَيْنَ الإِخْوَة. (11) وَمَنْ شاءَ أَنْ يُصْبِحَ فيهِم الأَكبَرَ، فَلْيَكُنْ لَهُمُ الخادِمَ الَّذي يَقومُ بِخدمَتِهِم. (12) وَمَنْ كانَ أَكبَرُهُم، فَلْيُصبِحْ كـالأَصْغَر.

القراءة الثالثة (كلنا أخوة: 95)

فالمحبّة تعني أكثر من مجرّد سلسلة من أعمال مفيدة. لأن هذه الأعمال تنبع من اتّحاد يجعلنا ننحني أكثر فأكثر نحو الآخر، معتبرين إياه قيّما وجديرًا ومَرضيًّا وجميلًا، أبعد من المظاهر الجسدية أو الخُلُقية. تدفعنا محبّتنا للآخرين لما هم عليه، إلى البحث عن الأفضل لحياتهم. ولن نستطيع التحضير لتحقيق الصداقة الاجتماعية التي لا تستبعد أيّ شخص، والأخوّة المفتوحة للجميع، إلّا عبر تنميةٍ للعلاقات بهذه الطريقة.

نقاط مساعدة للتأمل:

  • الإِخْوَةِ الأَصاغِر”تعني علاقات متساوية بين “أخوة” كل فرد فيها هو حارسٌ لأخوته. فـ “الَّذيْنَ هُمْ خُدَّامٌ وَخَدَمٌ لِسائِرِ الإِخْوَةِ أَنْ يَزوروا إِخْوَتَهُم، وَيُنَبِّهوهُم، وَيُصْلِحوهُم بِتَواضُعٍ وَمَحَبَّةٍ.. أَمَّا الإِخْوَةُ المَرْؤوسونَ، فَلْيَذْكُروا أَنَّهُم، لأَجْلِ اللهِ، قَدْ تَخَلَّوا عَنْ إِرادَتِهِمِ الذَّاتِيَّة. وَلِذَلِكَ آمُرُهُم، بِحَزْمٍ، بِأَنْ يُطيعُوا خُدَّامَهُم، في كُلِّ ما وَعَدوا الرَّبَّ بِحِفْظِهِ” (ق, المعتمد: 10: 1- 3).
  • الجماعة المثالية لا توجد.. لقد اختار يسوع رسلاً مختلفين كل الاختلاف، فلو لم يدعوهم المعلم الإلهي لما عملوا معًا. التوازن داخل الجماعة لا يحصل إلا بالنضال والألم. فإذا بحثنا عن سلامنا المنفرد لن نناله، لأن السلام هو ثمرة الحب الأخوى الذي يتجلّى في الخدمة.
  • الأخوة هي “مكان” للتلاقي والتكوين والنمو في الإيمان وفي روح المحبة والخدمة من خلال المساندة وخبرات الآخرين. جماعة تسعى معًا لأجل ملكوت الله، وفهم إرادته القدوسة والعمل بمشيئته في حياتها اليومية.

أسئلة للتأمل الشخصي:

قّم بتسجيل تكملة هذه العبارات في أجندتك الشخصية:

  • ما هي الأهمية التي أعلّقها على:
  • توجيه المسئولين وعلى الحوار مع الأخوة…..
  • الصلاة الجماعية والقراءة المشتركة لكلمة الله لتحسين حياة الجماعة…..
  • رعاية منْ هُم في احتياج جسدي ونفسي وروحي داخل جماعتي….
  • ·         الالتزام بمشاركة جماعتي في الخدمة المُوكلة لي داخل الرهبنة والكنيسة…..

المقاسمة الأخوية:

بعد مشاركة الجماعة للتأملات الشخصية، سيكون من المناسب على كل فردٍ فيها تحديد وقت خاص لتنظيم الخطة الشخصية للجماعة الرهبانية لتعزيز بعض النقاط التي اكتشفت الجماعة أهميتها بالحوار والمناقشة. وإذا لم تكن هناك خطة جماعية ستكون فرصة عظيمة للتفكير في إعدادها.

التفكير أيضا في تنظيم رحلة جماعية، وجبة خارجية، سينما، احتفال عيد ميلاد أو أيا كان يمكن أن تعمل على تضامن وتقارب المجموعة الرهبانية.

الصلاة الختامية (قانون غير مُصدّق  22: 7-8 ):

نَحْنُ الإِخْوَةَ الأَصاغِرَ، كُلَّنا،

العَبيدَ البَطَّالينَ،

أَنْ نَثْبُتَ كُلُّنا في الإِيمانِ الحَقِّ وَالتَّوْبَةِ،

إِذْ ما مِنْ وَسيلَةٍ أُخرى للخَلاص.

 فَلْنُحِبَّ، جَميعُنا،

مِنْ كُلِّ قَلْبِنا، وَكُلِّ نَفْسِنا، وَكُلِّ ذِهنِنا،

وَكُلِّ قُدْرَتِنا، وَكُلِّ قوَّتِنا، وَكُلِّ فَهْمِنا، وَكُلِّ قِوانا،

وَكُلِّ جَهْدِنا، وَكُلِّ عاطِفَتِنا، وَكُلِّ أَحشائِنا،

وَكُلِّ رَغَباتِنا، وَكُلِّ إِرادَتِنا، الرَّبَّ الإِلَهَ،

الَّذي وَهَبَنا، وَيَهَبُنا، جَميعاً

كُلَّ جَسَدِنا، وَكُلَّ نَفْسِنا، وَكُلَّ حَياتِنا،

الَّذي خَلَقَنا، وَافتَدانا، وَالَّذي سَيُخَلِّصُنا بِرأْفَتِه وَحْدَها،

وَالَّذي صَنَعَ وَيَصْنَعُ لَنا كُلَّ خَيْرٍ،

قد يعجبك ايضا
اترك رد