إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

اختيارات يسوع

0 931

ينتابني القلق والحيرة في كل مرةٍ اقرأ فيها رواية اختيارات يسوع للتلاميذ الأثنى عشر!! قضى يسوع الليل كله في صلاة عميقة، بلجاجة قوية وحارة، وعند سطوع الشمس يختار التلاميذ الأثني عشر. “فقَضى الليلَ كُلَّهُ في الصَّلاةِ لله. ولمَّا طلَعَ الصُبحُ، دعا تلاميذَهُ واَختارَ مِنهُم اَثني عشَرَ سمَّاهُم رُسُلاً” (لوقا 6: 12- 13).

النظرة الأولى لتلك الكفاءات التي اختارها ليؤسس عليها كنيسته: بطرس، يعقوب، متى. هل صلاة يسوع لم تُستجاب، فلماذا لم تؤتي ثمارها؟ إذا كنت، عزيزي القارئ، في مكان يسوع، فهل ستختار هؤلاء الأشخاص، وأنت تطمع في تأسيس كيان كبير، يذهب إلى أقاصي الأرض ليُعلن البشارة إلى الخلق أجمعين؟ هل يختار راعي كنيسة صغيرة هؤلاء التلاميذ في مجلس رعيته؟ ليس هناك شيء يجمع هذا الجمع من الأشخاص: ماذا يجمع صياد مثل أندراوس مع يوحنا الفيلسوف المثقف، كما ظهر من كتباته، أو يجمع إنسان يهودي تقليدي كيعقوب مع متى العشار، أو إنسان عنيف، متمرد وثائر كسمعان الغيور مع يهوذا؟

اختيارات يسوع غريبة وغير معقولة من وجهة نظر البشر، فقط المحبة هي التي تجمع هؤلاء الأشخاص. يُمثل التلاميذ البشر جميعًا في كل مكان وزمان. الله يختار الجميع: المتمرد، الخاطئ، الكسول، الشكاك، المشاغب، لأن الله يُحب الجميع. لكل منّا مكانٌ في قلب الله، كل منّا محبوبٌ للغاية، حتى أن يسفك المسيح دمه على الصليب من أجله.

إذا كنتَ تعاني من مشكلة ما، خطيئة معينة، فلا تيأس، لقد اختارك الله لأجل أن تحمل اسمه للآخرين في العالم. أنت لم تخلق صدفة، بل لهدف سامي، وتم اختيارك بعناية فائقة: “لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ (يوحنا 15: 16)”. اختار الله كلٍ منا ليكون مسيحيًا، قبل أن يؤسس العالم: اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ” (أفسس 1: 4). اختارنا وأقامنا لسبب هو أن نؤتي بثمرٍ.

لا فضل للشخص المُختار في اختياره، يتم اختياره ليكون: “تكُونُ بَركَة” لأجل الآخرين، “وَيتَبَارَكُ بِكَ جَميعُ عَشائِرِ الأَرض”. المهمة التي تُبرر اختيار شخص ما هي: أن يكون بركة للآخرين. إذا ضاعت المهمة الأساسية التي دعانا الله لها وضاعت الحياة في أمور أخرى فإن المشكلة لا تكون خطأً في الاختيار، فالله لا يخطيء ولا يندم أبدًا على اختياره. القضية هي قضية الإنسان، الذي أضاع مهمته الأساسية وسط الاهتمامات الأخرى. هكذا وصف لوقا اختيار يهوذا الإسخريوطي ضمن الأثني عشر تلميذًا: ” ويَهوذا أسخَريوطُ الذي صارَ خائِنًا”، عندما اختاره يسوع كان شخصًا صالحًا، وثق فيه يسوع، وأعطاه مسئولية التدبير المالي للمجموعة، إلا إن خضع لسيطرة المال، أختار له إلهً أخر، إله المال، عوضًا عن يسوع، سيد الحياة، فانقلب خائنًا.

ما هي مشكلتنا الكبرى في كنيسة اليوم؟ هل الانقسامات، الطائفية، الجهل ..الخ. في تصوري أن المشكلة الحقيقية هي عدم قناعة المسيحيين بأن الله اختارنا قبل إنشاء العالم لأجل هدف سامي، أن نحمل الحبَ والخيرَ للآخرين. أن نكون بركة لأولادي في البيت، لأصدقائي في العمل، لأحبائي في الكنيسة، لمَن القاهم في الشارع وفي مكاتب العمل.  مشكلة الكنيسة ليس في انتشار الشر ولكن في قلة الخير والمحبة.

يقول الإنجيلي لوقا: “وهُناكَ جُمهورٌ مِنْ تلاميذِهِ وجَمعٌ كبـيرٌ مِنَ النـاسِ… جاؤُوا لِـيَسمَعوهُ وليَشفيَهُم مِنْ أمراضِهِم”. الكنيسة، كجماعة الرسل، أفرادٌ متباينة ومختلفة، الخاطئ، والمتمرد، والكسول والشكاك. الكنيسة ليست مكانًا فقط للصالحين، بل للخطأة. ليس ناديًا يجمع الأصدقاء، بل مكانًا يجمع  مَن أراد أن يأتي ليسمع يسوع، مَن أراد أن يلتقي حقيقةً بسوع، لمَن يرغب في أن يشفيه من مرضه. ثم ينطلق الإنسان في المهمة الأساسية، أن يحمل البركة للآخرين، أن يكون “عونًا”، “نظيرًا” لأخر. من الأهمية أن أتسأل عن سبب ذهابنا للكنيسة!! الكنيسة ليس ناديًا لقضاء الوقت مع الأصدقاء، هو لقاء حياتي مع شخص يسوع الذي يدفعني للقاء الآخر، لأكون سبب بركة له.

قد يعجبك ايضا
اترك رد