إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

رأس السنة 2019

1٬072

“مِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ كُلُّنَا أَخَذْنَا نِعْمَةً تِلْوَ نِعْمَة” (يوحنا 1: 16).

اليوم الأخير لسنة 2018، تكثر الأمنيات في أن تأتي سنة 2019 مُحملة بالخير والسعادة. فَمَن لا يعمل يرجو أن تحمل له السنة الجديدة فرصة عمل مناسبة. ومَن لم يتزوج أو تزوج ولم ينجب أطفال يرجو أن تتحق في السنة الجديدة أمنيته بالزواج  أو يحظى بطفله الأول. نرجو الكثير من الأماني: أن ينجح الأولاد، أن يبقوا سالمين، أن أجد شقة جديدة، أو أشتري سيارة حديثة، أن يشفى قريب لي، أن تعم السعادة في بيتي، أن تنتهى الخلافات.. أن.. أن!!

ماذا تنتظر من سنة 2019؟ ما هي الأمنية التي تتمنى أن تتحقق في السنة الجديدة؟

أود أن أحكي قصة رواها الكاتب الروسي العبقري ديستوفيسكي في كتابه الرائع: «ذكريات من منزل الأموات» التي تكشف لنا الكثير عن واقع الأمنيات التي نتمناها.

فى أحد أقسى سجون الأشغال الشاقة على وجه الأرض قررت الإدارة شراء حصان ليساعد فى بعض المهام الخاصة كنقل المؤن والمياه، وكان ضمن السجناء كثيرون ممن يفهمون فى أمور الخيل، أوكلت لهم الإدارة وهم فى الأغلال مهمة اختيار الحصان الأفضل من بين عشرات الخيول التى أخذت تتوافد إلى ساحة المعتقل مع بائعيها، وكان السجناء حول زملائهم خبراء الخيول ينتظرون بفارغ الصبر وصول كل حصان جديد ويستقبلونه بفرح كفرح الأطفال. وبرز من بين الجميع خبيران تُركت لهما المهمة وتجمَّع حول كل منهما حزب من المتحمسين للآراء التى يبديها فى كل حصان يفحصه.

تعالت أصوات الجدل بين الفريقين وكان هناك دائما ميل للتصالح والوصول إلى قرار مشترك. ومن بين ثلاثة خيول وصلت لتصفية السجناء الحماسية النهائية تم اختيار حصان جميل صغير السن قوى البنية، ثم بدأت المساومة على السعر مع صاحب الحصان والتى شارك فيها كل السجناء بالتلويح والتصايح، وطالت المساومة واحتدمت حتى بدأ السجناء يضحكون من أنفسهم ويقول كل منهم للآخر: «كأننا سندفع من جيوبنا». كأننا نريد أن نوفر لخزينة السجن.«!

لا لم يكونوا سيدفعون من جيوبهم ولا كانوا يفكرون فى تحقيق وفر لخزينة السجن، «فلماذا إذن يهتم سجين مبهوت ومقهور ولا يجرؤ على رفع صوته فى أبسط الأمور، لماذا يهتم بشراء هذا الحصان أو ذاك كأنما هو يشتريه لنفسه؟» هذا السؤال طرحه دوستويفسكى، وأجاب عنه بقوله: «لقد كانوا ممتلئين بسرور عارم لأنهم يستطيعون أن يشتروا حصانا كما يفعل أحرار الناس، فكأنهم يشترون لأنفسهم وكأن ثمن الحصان سيدفعونه من جيوبهم الخاصة»، هذه هى المسألة: أن يختاروا.. أن يتمتعوا بالحق فى الاختيار، فحق الاختيار لا يستمتع به إلا إنسانٌ حر.

نفكر دائمًا فيما ينقصنا لأجل نكون سعداء أكثر، ولكن لا نَنتبه إلى النِعم الكثيرة التي بين أيدينا. لدينا الكثير: الحياة هي نعمة، الحب نعمة، العائلة هي نعمة، الأصدقاء نعمة، العمل نعمة، الهواء والشمس والفرح والجمال نِعم، حتى الألم هو نعمة فبدونه لا يُدرك الإنسان معنى الأشياء، فآلام القلب هي جرس إنذار للشخص بتوخي الحذر والاسراع لعمل ما يلزم من فحوصات وتحاليل طبية. أجمل الأشياء أعطاها الله لنا مجانًا، دون أن ندفع شيئًا، فقط “مِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ كُلُّنَا أَخَذْنَا نِعْمَةً تِلْوَ نِعْمَة” (يوحنا 1: 16).

متى نُدرك قيمة النعم التي بين أيدينا؟ عندما تضيع!! فالحرية هي نعمة لا يدركها إلا السجناء، والصحة نعمة لا يدركها إلى المرضى، والعائلة نعمة لا ندركها إلا في حالة غياب الأحباء، والأصدقاء نعمة لا ندركها إلا في حالة تخلي الآخرين عنا، والشمس نعمة لا ندركها إلا في حالة غيابها.

إذا رغبنا في أن ندرك قيمة النعم علينا أن ننظر إلى الآخرين الذين لا يملكونها. علينا أن نشكر الله على نعمته التي نتمتع بها الآن. كَنْ مُسبحًا، مع فرنسيس لكل شيء معك وحولك الآن. أبدأ السنة الجديدة، ليس بأمنيات ترغب في أن تتحقق، بل في شكر على النِعم التي بين يديك الآن، على حياتك، وصحتك، وعائلتك وأصدقائك.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.