إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

مقدمة لسفر الرؤيا

510

يأتي سفر الرؤيا ليُجيب عن الأسلة التالية:

لماذا يتألم البار ولماذا يتأخر ملكوت السموات؟

إلى متى يارب يسود الشر في العالم؟

تتشابه الرؤيا مع أسفار النبؤات مثل دانيال وحزقيال، ولكن هناك اختلافات مثل:

  1. النبؤة تعالج مسألة اخلاقية، تنهض من وضع اجتماعي واخلاقي ردئ، يظهر النبي كموسى وإرميا وصموئيل لمعالجة الوضع الراهن الذي يتطلب اصلاح. لكن الرؤيا تتكلم عن وضع مستقبلي حيث يتدخل الله.
  2. النبؤة تتكلم عن مستقبل ينهض من الحاضر، الذي يشكل المستقبل، مثل تنبأ إشعيا عن ميلاد المسيح، يتكلم في بيت داود ويطمئن بيت داود بأن الملك سوف يأتي من نسله. ينطلق من الحاضر إلى المستقبل. لكن الرؤيا تتكلم عن مستقبل يغير ويقلب الحاضر تماما ويخلق وضع جديد لم يكن موجود.

أما وجه التشابه: إن كل منهما هو نمط أدبي موحى بها من الله، لكن بأسلوبين مختلفين. نجد إن فيها يتصارع الله والشيطان. يتناقض العصر الحاضر والشرير، مع العصر المستقبلي الأبدي والبار. النبؤة تحذر ويحث المؤمنين على التوبة، كما فعل أشعيا وإرميا ويوحنا المعمدان. كذلك سفر الرؤيا تحث على التوبة وعلى حياة القداسة، “من هو طاهر فليتطهر بعد”.

من هو كاتب سفر الرؤيا؟

سمّى كاتبُ سفر الرؤيا نفسه: إنه يوحنا. فنحن نقرأ في مقدّمة الرسائل: “من يوحنا إلى الكنائس السبع التي في آسية” (1: 4).

الكثير من الشرّاح لا ينسبون الرؤيا إلى الرسول يوحنا نفسه. وهذه أسبابهم. الأول: لا شك في أنّ صاحب الرؤيا يسمّي نفسه يوحنا وعبد الله (1: 1) وأخ لاقرّائه (1: 9) والنبي (22: 8). ولكنه لا يسمّي نفسه أبداً “رسولاً”. ونحن نعلم أنّ الأنبياء يأتون بعد الرسل في لائحة الوظائف حسب القديس بولس (أف 4: 11: البعض رسل والبعض أنبياء؛ 1 كور 12: 28: في الكنيسة أولاً الرسل. ثانياً الأنبياء).

الثاني: لا شيء في رؤ يدلّ على أنّ الكاتب عرف يسوع التاريخي أو أنه كان حاضراً أمام أحداث يصوّرها الإنجيلي وتتعلّق بالرسول يوحنا. هذا ما يسمّى البرهان بالصمت. ولكن لماذا ننسى أنّ الإنجيل الرابع اهتمّ بخدمة يسوع التاريخي. أمّا رؤيا فنظر إلى تتمة التاريخ. ويؤكد أسابيوس القيصري إن يوحنا الإنجيلي لا يتكلّم في أي مكان عن نفسه، لا في صيغة المتكلّم ولا في صيغة الغائب. أما صاحب الرؤيت فيكشف عن نفسه منذ البداية.

واختلف هؤلاء الشراح حول هوية كاتب السفر وحاولوا نسبه إلى آخرين مثل:

  1. الفئة الأولى تجعل الكاتب يوحنا مرقس الشاب، الذي رافق بولس وبرنابا في الرحلة الرسولة الأولى (أعمال 13: 5). ولكن يوحنا مرقس رجع إلى أورشليم لا إلى آسيا، كما يؤكد المؤرخ الكنسي أوسابيوس  (التاريخ الكنسي 7: 25). كم إننا لا نجد تقارباً لغويا بين الرؤيا وإنجيل مرقس، فالأولى مكتوبة بلغة ضعيفة مقارنة باللغة المتقنة والفصيحة التي كتب بها مرقس.
  2. هناك فئة ثانية من الشرّاح رأت أنّ يوحنا هو نبيّ يهوديّ من فلسطين هاجر في نهاية حياته إلى آسية الصغرى. فهو يسمّي نفسه النبي لا الرسول. ولكن هذا الرأي لا يصمد أمام سلطة كاتب الرؤية على كنائس آسية ومكانته الواضحة والتي تدفعه إلى كتابة رسائله إلى تلك الكنائس. هو يقول عن نفسه إنه نبي  ولكن سلطانه على الكنائس تظهر إنه رسول.
  3. وقالت فئة ثالثة: إنّ رؤيا هو كتاب “مركّب” من مقاطع عديدة تعود إلى يوحنا المعمدان وتلاميذه. فإنّ ف 4- 11 ترتبط بالمعمدان قبل رسالة يسوع العلنية. وف 12- 22 (ما عدا مقاطع في الفصل الأخير) قد دوّنها قبل سنة 70، تلميذٌ من تلاميذ المعمدان عرف بعض الأمور عن يسوع وجهل الأمور الأخرى. أمّا ف 1- 3 (+ 22: 16- 17 أ، 20- 21) فقد زادها كاتب مسيحيّ متهوّد. إنّ رؤيا ليس كتاباً مسيحياً ولا كتاباً يهودياً مع زيادات مسيحية. إنه كتاب يرتبط بيوحنا المعمدان ومدرسته التي تمثل شكلاً أول من المسيحية. ولكن يُطرح السؤال: لماذا رفضت الكنيسة عدداً من الرؤى ولم تدخلها في لائحتها القانونية كما أدخلت رؤيا يوحنا؟ هذا يعني أنّ رؤيا هو كتاب مسيحي وان يكن أعاد قراءة نصوص العهد القديم كما فعلت أسفار أخرى من العهد الجديد (الأسفار القانوية، التي تأتي من كانون، أي أصلي، معاير أو مقياس. قانونية تنطبق عليها المعايير الأصلية، أي المقاييس الإلهية. هناك أسفار كثيرة جدًا لكن الكنيسة رفضها لأنها لا تنطبق عليها المعايير الإلهية. المعايير هي أن تكون من مصدر رسولي ومنسجمة مع باقي أسفار الكتاب المقدس. وانطبق على سفر الرؤيا منذ بدء الكنيسة بأنه سفر قانوني).

لكن الغالبية ترجح أن الكاتب هو يوحنا الرسول. لعدة أسباب وهي:

  1. السلطة الذي بها يكتب “يوحنا” هي سلطة رسولية. أظهر الكاتب إنه يعرف معرفة دقيقة الظروف التي فيها تعيش هذه الكنائس. وهو يكتب إلى هذه الجماعات المسيحية (السبع كنائس) بسلطان يدلّ على أنّ هذه الكنائس خاضعة له. لذا يضع التقليد، بشهادات كثير من الآباء مثل: بابياس (حسب أندرياس القيصري) ومليتون السرديسي (التاريخ الكنسي 4: 26) {وتعد هذه الشهادة هي الأهم لأن مليتون كان أسقف ساردس والتي وجهه يوحنا كلامه إليها، وكان صديق لبوليكربوس تلميذ يوحنا الرسول والتي أوصى فيها بعدم قراءة الرسالة في الكنيسة} كذلك قائمة موراتوري التي وجدت سنة 200 وتذكر أن الرؤيا هي نتاج يوحنا، كذلك وأوريجانس (شرح يوحنا 2: 5) وهيبوليتس (المعاديّ للمسيح 36: 50) كلّهم يتحدّثون عن يوحنا الرسول ككاتب لرؤيا.
  2. التقارب في بعض المفردات المتشابهة مع إنجيل يوحنا. أول آية في الإنجيل: “في البَدْءِ كَانَ الكَلِمَة، والكَلِمَةُ كَانَ مَعَ الله، وكَانَ الكَلِمَةُ الله. “. ويصفه الكاتب أكثر من 6 مرات يسوع بكلمة الله: “ويُوحَنَّا شَهِدَ بِكُلِّ مَا رَآه، أَي بِكَلِمَةِ اللهِ وَبِشَهَادَةِ يَسُوعَ الـمَسِيح” (رؤ 1: 2). كذلك تعبير الغالب: “من يغلب؟” والتي استخدمها يوحنا في قوله: “سَيَكُونُ لَكُم في العَالَمِ ضِيق. ولـكِنْ ثِقُوا: أَنَا غَلَبْتُ العَالَم” (يوحنا 16: 33). كذلك كلمة “الحق الحق” التي ترد في إنجيل يوحنا 9 مرات وفي الرؤيا 10 مرات.

كذلك صورة حمل الله التي وردت على لسان المعمدان مرتين في إنجيل يوحنا (1: 29؛ 36)، التي تجدها بكثرة في الرؤيا: “حملاً واقفاً كأنه مذبوح” (5: 6)، وهو الذي يفضّ الختوم السبعة.

وأيضًا لفظة الشهادة: فيوحنا المعمدان جاء للشهادة لكي يؤمن الناس على يده (يو 1: 7-8). ولما بدأت شهادته (آ 9) اعترف ولم ينكر بأنه ليس المسيح، بل صوت صارخ. ويورد يسوع الشهادات التي تتحدّث عنه: “الآب نفسه شهد لي” (5: 31- 36). وفي سفر الرؤيا هناك حديث مستمر عن شهادة يسوع (1: 9)، وشهادة الشاهدين والذين غلبوا بدم الحمل، وقتال التنين مع مَن يتمسكون بشهادة يسوع (آ 17؛ 19: 10؛ 20: 4).

كذا صورة الماء: في حديث المسيح مع السامرية يقول: “لَو كُنْتِ تَعْرِفِينَ عَطِيَّةَ الله، ومَنِ القَائِلُ لَكِ: أَعْطينِي لأَشْرَب، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًّا” (يوحنا 4: 15)، هذا الماء هو الروح الذي سيُعطى للكنيسة بعد أن يُمجد يسوع: “وَالـمُؤْمِنُ بِي فَلْيَشْرَبْ، كَمَا قَالَ الكِتَاب: مِنْ جَوْفِهِ تَتَدَفَّقُ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيّ” (يوحنا 7: 38). ويحدثنا سفر الرؤيا عن الماء الجاري ويدعوا المؤمنين: “ومَنْ يَعْطَشُ فَلْيَأْتِ! ومَنْ يُرِيدُ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ الـحَيَاةِ مجَّانًا!” (رؤيا 22: 17) نهر الحياة المتدفق من عرش الله والحمل (رؤيا 22: 1).

موقف التقليد المسيحي

يؤكد التقليد المسيحي أنّ الإنجيلي يوحنا هو الذي كتب سفر الرؤيا:

  1. يوستينوس الشهيد: كتب في حواره مع اليهودي تريفون حوالي سنة 151-155 ما يلي: “واحدٌ منا، إسمه يوحنا، ورسول المسيح، قد نال وحياً نبوياً يعلن لمؤمني المسيح أنهم سيقيمون ألف سنة في أورشليم. وحينئذ تحصل القيامة العامة والأبدية، كما تحصل في الوقت عينه دينونة جميع البشر” (81/ 4).
  2. قانون موراتوري: هو قصيدة تعليمية مؤلّفة من 22 بيتاً. دوّنت سنة 180 تقريباً. واكتشفها موراتوري في مكتبة ميلانو الأمبروسية، ونشرها سنة 1740. قال: “في الرؤيا كتب يوحنا إلى سبع كنائس. ولكنه في الواقع يتوجّه إلينا كلنا”. ولكننا نجد بعض الشكّ والإرتياب في هذه الوثيقة. قال: “وتسلّمنا أيضاً رؤيا يوحنا ورؤيا بطرس اللذين لا يريد بعض منا أن يقرأهما في الكنيسة”.
  3. كتّاب من القرن الثالث: إيريناوس، أسقف ليون في فرنسا (+ 206) في كتابه ضدّ الهراطقة. ترتليانس (+ 220) في كتابه ضدّ مرقيون. إكلمنضوس الإسكندراني (+ 215) في كتابيه المربيّ وأي غني. هيبوليطس الروماني (+ 235) وتلميذ إيريناوس في كتابه “ضدّ المعادي للمسيح”. أوريجانس (+ 255) في تفسير إنجيل يوحنا. كل هؤلاء أكّدوا أن يوحنا الرسول قد كتب الإنجيل الرابع وسفر الرؤيا.

خلاصة الاستنتاجات السابقة إن يوحنا الإنجيلي قد يكون قد نقل فكره وأسلوبه إلى آخر، تلميذًا له أو سكرتيرًا الذي دون بروح يوحنا ما راه في جزيرة بطمس.

متى كُتب السفر؟

تكشف الرسالة إلى أفسس أن السفر كُتب بعد أن كتب بولس رسالته إلى أفسس لأنه يوجه كلامه إلى الكنيسة قائلاً: “ولكِنَّ مَأخَذي علَيكَ هو أَنَّ حُبَّكَ الأَوَّلَ قد تَرَكتَه”. أن تنقص المحبة من كنيسة عظيمة بعد كلام بولس لها يحتاج إلى وقت، فالتراجع لا يحدث فجأة. إذن كُتب السفر بعد العام 63 تقريبًا، وبعد أن عاد يوحنا من نفيه في جزيرة بطمس، هكذا يقول: “أَنَا يُوحَنَّا أَخَاكُم وَشَرِيكَكُم في الضِّيقِ والـمَلَكُوتِ والثَّبَاتِ في يَسُوع، كُنْتُ في الـجَزِيرَةِ الـمَدْعُوَّةِ بَطْمُس” (آية 9). أي كتب بعد فترة النفي، وجاء إلى آسيا ومنها كتب السفر.

يبقي السؤال: متى نُفي يوحنا؟ هناك رأيين أنه نفى في عهد نيرون وهناك رأي أخرى بأنه نُفيّ في عهد دوميتيان. نبدأ أولاً بالنظرية التي تقول إن رؤيا دُوّن في زمن دوميسيانس (دوميتيان).

يصور السفر حالة الإضطهادات القاسية التي تواجه الكنيسة والمؤمنين وهذا يمكن أن يكشف لنا عن الحقبة الأقرب لكتابة السفر. فالأباطرة الرومان بدأوا في تقبل العبادة كإله وهو بعد حيّ. ففي أفسس بنى يوليوس قيصر معبدًا يحمل هذه الكتابة: “إلى آلهة روما وإلى يوليوس قيصر”. ثم تبعه أغسطس قيصر الذي أقام المعابد له في كل الإمبراطورية. وجاء كاليغولا الذي لم يرضى بالعبادة الطواعية، بل فرض على عبيده في كل مكان أن يكرّموا تمثاله. وفي زمن نيرون تثبّتت عبادة الإمبراطور كنظام ديني. ثم يأتي عهد دوميتيان الذي لم يكن الإضطهاد قويا بشكل خاص، بل أن الحرب ستشتد عليهم في المستقبل.

ما نجده داخل الكتاب نفسه بأنّ عاصفة الإضطهاد بدأت تهدأ بعض الشيء. فالكاتب نُفي إلى جزيرة بطمس (ولم يُقتل) “من أجل كلمة الله وشهادة يسوع” (1: 9)، بعكس ما نقرأه من مصير الموت المحتوم لمن يؤمن، كمثل الرسالة إلى برغامس، نعرف أن أنتيباس، الشاهد الأمين لله، قد حُكم عليه بالموت لأنه رفض أن ينكر إيمانه (2: 13).

وهناك براهين أخرى تسند قولنا بأن رؤيا كتب في عهد دوميسيانس. منها: استعمال متى وربّما لوقا، وهذا ما يجعلنا بعد سنة 085 كما أن أسطورة عودة نيرون“Nerivivivus” لم تنتشر بصورة عامة إلا بعد انتحاره بسنوات.

إلا القول بأن يوحنا قد نُفي في عهد نيرون، في زمن الاضطهاد الكبير بعد حرق روما ومقتل بطرس وبولس وقصة الوحش الواردة في فصل 13 تجعلنا نتصور أن يوحنا قد نعم برؤى ثم نقل فكره لأحد تلاميذه، الذي صاغها، أو مجموعة من التلاميذ، لذا هناك الكثير من التكرارات والمعارضات والاختلافات بين نصوص السفر، انتقلت فيها السفر بالشفاه والذاكرة ثم كتابة.

وهكذا نقول إن رؤ في نسخته النهائية قد دوّن في عهد دوميسيانس، حوالي سنة 95. عاد إلى زمن نيرون، كما قلنا، ليأخذ منه عبرة بأن الله لا يتخلى أبداً عن كنيسته، كما هو لم يتخلّ أبداً عن شعبه. قد ذهب شعب التوراة إلى السبي. وتعرف الكنيسة الموت والمنفى. ولكن المؤمنين متأكّدون من الغلبة مستندين إلى أمانة الرب.

الخلاصة:

نخلص ما كتبه إيريناوس (ليون، حوالي 200): “رؤي هذا الكتاب منذ زمن قريب. ولكن ما حدث فيه حدث خلال جيلنا، في نهاية حكم دوميسيانس”. نتذكر هنا أنّ القرارات المتعلّقة بعبادة الإمبراطور، قد ظهرت في. عهد الإمبراطور دوميسيانس، الذي امتدّ من 13 سبتمبر 81 إلى 18 سبتمبر 96. ثم نأخذ بعين الإعتبار أنّ أوسابيوس يجعل منفى يوحنا في بطمس في السنة 14 لحكم دوميسيانس. وهكذا يكون رؤ قد ظهر في شكله النهائي سنة 95 أو 96. قد يكون تدوينٌ أول تمّ على أيام الإمبراطور فسباسيانس (69-79). والتدوين الأخير في أيام دوميسيانس.

كيف نقرأ سفر الرؤيا

هناك تيارات أربع لقراءة سفر الرؤيا:-

  1. القراءة التاريخية: المعنيون بالسفر هي كنيسة ذلك الزمان التي كُتب السفر لأجل جماعتها (الكنسية الأولى). فالسفر يتحدث عن أباطرة روما والاضطهادات في القرن الأول الميلادي، والكنيسة المتألمة فجاء السفر كرسالة تعزية وتشجيع حتى يعزي المؤمنين ذلك الزمان. ففي الفصل 17 مثلا “يتحدث” عن  رومة، تلك المدينة المبنّية على سبعة تلال. نقرأ في 17: 9: “فالرؤوس السبعة هي التلال السبعة التي تجلس عليها المرأة”. المرأة تدل على مدينة (أو على شعب). وهذه المدينة هي رومة التي تعتبر الزانية الكبرى (بسبب عبادات الأصنام فيها)، والقائمة على جانب المياه الكثيرة (البحر وعالم الشرّ). . ونقرأ في 17: 3، 7، 12 ما يلي: “رأيت إمرأة (المدينة، المملكة) تجلس على وحش قرمزي اللون (الأحمر علامة الموت والإضطهاد، علامة الدم) مغطّى بأسماء التجديف (تأخذ لقب سلطانه)، له سبعة رؤوس وعشرة قرون (أشارة إلى الأباطرة السبع: خمسة سقطوا (أغوسطس، طيباريوس، كاليغولا، كلوديوس، نيرون). واحد لا يزال يملك (لا يزال حياً) (فسباسيانس). والآخر ما جاء بعد (تيطس). ومتى جاء لا يبقى إلاّ قليلاً (ملك سنتين فقط). أما الوحش الذي كان وما عاد كائناً، فهو ملك ثامن (دوميسيانس)، مع أنه “من السبعة ويمضي إلى الهلاك”. لم يخلد الأباطرة السبعة الأولون، والإمبراطور الثامن ليس بخالد وهو سيموت”. والعشر ملوك التابعين إلى روما. فإذا مررنا بظروف مشابهة تصبح رسالة التعزية هي لأجلنا نحن اليوم الذي نمر بالضيقات نفسها.
  2. القراءة الزمنية: يجب أن يفسر تفسير تاريخي، فهو يتكلم على تاريخ الإنسان من إيام المسيح إلى الأبد، وكل الحوادث التاريخية التي مرت بالبشرية تجدها، بصورة رمزية في هذا السفر، فأنت تستطيع أن تجد هتلر والحرب العالمية الأولى والثانية وكافة الضيقات التي مرت بها البشرية إلى اليوم.
  3. القراءة الأخروية، أصحاب التفسير من الإصحاح 4، بعد أن يخاطب المؤمنين في الواقع، ينتقل إلى نهاية العالم. يتعلق بالمستقبل، بالأزمنة التي يأتي فيها المسيح ثانية وكل الأزمنة التي ترافق مجيء المسيح.
  4. القراءة المثالية، الرمزية واللاوقتية، الغير محصور بزمن معين، فهو يعالج كيف يتعامل الله مع الأوضاع المختلفة التي تمر بها الكنيسة والضيقات التي تتعرض لها. الرب لا يتكلم عن فترة معينة من الزمن، بل بكل زمان والكنيسة في كل الأحوال، فهي تغطي كل زمان وكل مكان تكون لها الكنيسة.

في الكتاب المقدس كان هناك أحداث تاريخية، مثل إبراهيم وسارة، حدثت تاريخيًا قبل أربعة آلاف سنة، ولكنها لم تكتب فقط لإبراهيم، لأجل تعليمنا نحن اليوم، الرب يقول أنه هذه الطريقة التي تعاملت معهم وسأستمر بنفس المنهاج. كذلك هذا السفر فقط كُتب لأجل الكنيسة الأولى لتلبي احتياجاتهم الروحية والأخلاقية والاجتماعية لكن ليس المقصود فقط الكنيسة الأولى حصريا، بل هي رسالة موجهة للكنيسة في كل زمان وحتى اليوم. هي ترينا كيف يتعامل الله مع الكنيسة ومع الظروف التي تمر بها. الرب هو هو أمس واليوم والغد، كم تعامل مع الكنيسة في ظروفها الصعبة في ذلك الزمان، يتعامل مع الكنيسة في كل زمان وإلى عصرنا الحالي اليوم.

لذا لا يجب فصل سفر الرؤيا عن باقي الكتاب، فعند شرحنا لأحداث السفر سنربط كل حدث بمجمل الكتاب المقدس ورسالة الله لنا من خلاله التي نعيشها اليوم. سنبين المقصود في زمن الكنيسة الأولى، ولكن الأهم رسالة الله من خلال هذه الأحداث للكنيسة في كل زمان، خاصة في زماننا الحاضر وحياتنا الواقعية. خطة الله في التعامل مع المؤمنين.

اعلان يسوع المسيح

سفر الرؤيا، هو سفر الاعلان، كشف الستار عن، هناك شيء مخفي تم الكشف عنه وتم ازاحة الستار عن. هذه الكلمة استعملت أكثر من مرة، خاصة بولس، للكشف عن حقيقية معينة متى كانت تتعلق بشخص الله. عندما يتكلم عن اعلان سر الله في شخص يسوع: “وَلِلقَادِرِ أَنْ يُثَبِّتَكُم عَلى إِنْجِيلي وَبِشَارَةِ يَسُوعَ الـمَسِيح، وَفْقًا لإِعْلانِ السِّرِّ الَّذي كَانَ مَكْتُومًا في الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّة. وقَدْ كُشِفَ الآنَ في الكُتُبِ النَّبَوِيَّة، بِأَمْرٍ مِنَ اللهِ الأَزَلِيّ، وصَارَ مَعْرُوفًا في جَميعِ الأُمَم، لِيُطِيعُوا الإِيْمَان” (رومية 16: 25- 26). كذلك: “وهوَ أَنِّي بِوَحْيٍ أُطْلِعْتُ على السِرّ، كَمَا كَتَبْتُ إِلَيكُم بإِيْجَازٍ مِنْ قَبْل، حِينَئِذٍ يُمْكِنُكُم، إِذَا قَرَأْتُمْ ذـلِكَ، أَنْ تُدْرِكُوا فَهْمِي لِسِرِّ الـمَسِيح” (أفسس 3: 3- 4). اعلان سر قديم منذ الأزل تم الاعلان عنه للرسل وللكنيسة. سيعلن مجد الله وستحقق عدل الله في النهاية.

استعملت أيضًا من قبل العبرانيين للدلالة على اعلان الله لذاته في مجرى التاريخ، في عصر الأول عصر العالم الحاضر الشرير، ثم العصر العتيد وهو عالم البر والسعادة. يفصلها فترة من الزمان عادة تكون صعبة، وكتبوا رؤى مثل رؤية اخنوخ ، وباروخ، وعزرا الرابع (وهي أسفار منحولة). يعلن سفر الرؤيا ان العالم الحاضر حتما سيزول وسيأتي عالم البر. الفرق بين الاعلان العبراني والرؤيا، أن الاول يأتي نتيجة مشاعر شخصية، فهو يكتب حلمه الشخص وحلم الشعب. لكن سفر الرؤيا اعلان من السماء. سفر الرؤيا ليس حلم يوحنا ولا الكنيسة. هو اعلان يسوع المسيح ليرى ما عبيده عما سيحدث عن قريب.

الله هو مصدر الاعلان وهو كاشف الأسرار، لكنه يعلن بواسطة يسوع، يسوع هو الاعلان بشخصه بتعاليمة بحياته بموته وقيامته. وكأن هذا السفر لا يعلن أحداث بل شخصًا. “إِنَّ اللهَ كَلَّمَ الآبَاءَ  قَدِيْمًا في الأَنْبِيَاء، مَرَّاتٍ كَثِيرَة، وبأَنْواعٍ شَتَّى، وفي آخِرِ هـذِهِ الأَيَّام، كَلَّمَنَا في الابْن” (عبرانيين 1: 1- 2). الله لم يره احد قط ولكن الابن الوحيد في حضن الاب هو أخبر. المسيح هو اعلان عن الله. “يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ.. فقال يسوع: ” اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ” (يوحنا 14: 8- 9). هذا الاعلان حصل عليه يوحنا بواسطة ملاك الذي يرافقه طوال سفر الرؤيا.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.