إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

كيف نتعلم فن الحب؟

0 498

كيف نتعلم فن الحب؟

  • أ‌- المعرفة النظرية

في مرحلة الطفولة يحتاج الطفل للحب. مما لا شك فيه، إلا في بعض الحالات النادرة والناجمة عن انحرافات نفسية، يّحب جميع الآباء والأمهات أطفالهم. لكن الطفل لا يقرأ المشاعر، هو يميز السلوكيات فقط. فإذا لم تترجم سلوكيات وتصرفات الآباء محبتهم للطفل لن يشعر الطفل بالحب أبدًا وسينمو وهو في حاجة ماسة إلى الحب لن تترتوي مستقبلا وستجعله غير قادر على التوافق مع نفسه. تُشكل السلوكيات قناعات الطفل فينشأ مؤمنا بأن والديه يحبانه أو يكرهانه، وتتولد لديه مشاعر الحب والكراهية والخوف من خلال تراكم السلوكيات المعبرة عنها. المشكلة الكثيرين يحبون أبناءهم لكن ما يصل إلى الطفل مختلفًا، استنادًا على السلوكيات معه، فيعتقد إن والديه يكرهان.

هناك أربع أشياء يجب أن ينتبه إليها الآباء وهي: 1) الوقت مثمر والمتميز؛2) الإصغاء والتفاعل؛ 3) التلامس مع الطفل؛ 4) سداد رغباته المادية من الأشياء والهدايا.

  • الوقت المثمر والمتميز:

هو الوقت الذي يكون فيه الطفل هو محور اهتمام والديه. هو وقت مُخصص فقط للطفل، دون أخوته، له وحده ينصبُ التركيز عليه، على مشاركته لعبه، أهتماماته، ما يحبه، التنزه معه. ساعة واحدة أسبوعية للطفل يكون فيها محور الاهتمام وحده، يقوم الوالدان بالشيء الذي يجعله سعيد، هذا يجعله أن يشعر بإنه محبوب.

  • الإصغاء والتفاعل:

في هذا الوقت يصغي والديه إليه، لمشكلاته، لحديثه وقصصه وأحلامه. وقت يعبر فيه عن ذاته وينفس عن مشكلاته وضيقاته وخوفه. الطفل الذي لا يعبر عن نفسه ويفرغ مشكلاته وقلقه وألمه الداخلي من خلال الكلام مع والديه فإن لن يتمتع بصحة نفسية في المستقبل مهما سعى إلى ذلك. فالتفريغ والتنفيس شيء في غاية الأهمية للطفل. شيء مؤلم إذا عاش الإنسان وليس لديه فرصة لهذا التفريغ النفسي والتنفيس عن مشاعره وألمه ومشكلاته مع آخر، يتحدث عن كل شيء وأي شيء. لن يحكي الطفل إذا لم يصغى والديه إليه، فإذا شعر إنه يتكلم ولن يصغي إليه أحد سيمتنع عن الكلام. من المهم إعطاء وقت للأطفال مميز يكون فيه الآباء على استعداد لسماعه والإصغاء لكلامهم والنظر إليهم باهتمام، حتى إذا كانت رواياتهم تبدو ساذجة للآباء والأمهات، لكنها مهمة للغاية في تفريغ وتنفيس عن مشاعرهم، وإذا لم تتوفر هذه الفرصة في الصغر ستحدث اضطرابات نفسية لهؤلاء الأشخاص مستقبلا.

  • التلامس مع الطفل:

تظهر أيضًا أهمية التلامس مع الطفل. الحضن مثلا له أهمية كبيرة فقيمة الشخص تظهر بالقدر الذي تتلامس به مع الشخص، فإذا كانت معرفة الشخص سطحية فإن سلامك له، حتى بعد غياب، يكون بسيط وباليد، في حين متى زادت قيمة الشخص فإن طريقة السلام تتحول إلى حضن ويزادد قوة بقيمة الشخص لديك. فالحضن هو تعبير عن الحب والطفل في أمس الحاجة لهذه الوسيلة من التعبير، خاصة في السنوات الأولى لعمر الإنسان. فالطفل في أسابيعه الأولى قادر على تمييز رائحة أمه، بالرغم من عدم تمييزها بالعين، وقادر على تمييز ضربات قلب أمه وسط مئات الأمهات. من هنا تظهر أهمية التلامس الذي معه يشعر الطفل إنه محبوب.

  • سداد رغباته المادية:

يأتي العطاء كآخر الأمور المهمة. تتنوع مظاهر العطاء بين الهدايا، وتحقيق طلبات الطفل المادية واحتياجاته التي يرغب فيها مما يُشعره بالحب. المشكلة عندما يناور الآباء مع أطفالهم لسداد احتياجاتهم، فيتولد لدي الطفل شعور بالمحبة المشروطة. فيخرج الطفل إلى الحياة ويكون أسلوبه هو المناورة للحصول على ما يريد، فيهاجم البعض ويتملق الأخر لكي يُحقق ما يرغبه. هناك مناورات سلبية التي يكون فيها خاضع بصورة دائمًا وتكون أفعاله الداخلية غير مدركة تهدف لتحقيق ما يريد عن طريق المناورة الناتجة من عدم شعور الطفل بأنه محبوب واستجابة والديه نتيجة محبته له، أكثر من مهاراته في المناورة التي اتاحت له الحصول على ما يرغب فيه.

هذه هي الاحتياجات الأساسية التي مَتى تم اشباعها يشعر الطفل إنه محبوب، وإذا لم تسدد لن يشعر أبدًا بإنه يُحَبَّ لما هو عليه، بالرغم من محاولات الآباء والأمهات، وصدق مشاعرهم تجاه الطفل. عند هذه النقطة في تطور الطفل يدخل عامل جديد في الصورة. شعور جديد بإنتاج الحب بسبب نشاط الفرد… لأول مرة في حياة الطفل تتحول فكرة الحب من كونه محبوبًا إلى كونه محبًا: تتحول إلى خلق الحب.

ينتقل الطفل من الحب الطفولي الذي فيه يعتمد اعتمادًا كليًا على الأم ومبدأه “إني أحب لأني محبوب“، إلى الحب النرجسي الذي فيه يتمركز حبه نحو الأب، فيحتاج إلى سلطة الأب وارشاده ورعايته. يقوم الحب النرجسي على مبدأ “إنني أحبك لأني أحتاج إليك“. وفي هذا التطور من التعلق الممركز حول الأم إلى التعلق الممركَز حول الأب والمركَّب الذي يتكوَّن منهما يكمن أساس الصحة العقلية، وتحقيق النضج.

ويحدث للطفل – الذي يمكن الآن أن يكون يافعًا – أن يتغلب على تمركزه حول ذاته، لا يعود الشخص الآخَر وسيلة أساسًا لإشباع حاجته. إن احتياجات الشخص الآخَر تكون مهمة بقدر أهمية احتياجاته هو – وفي الواقِع إنها تصبح أكثر أهمية. الإعطاء قد أصبح مصدرًا أكثر للإشباع والفرَح من التلقي. إنه وهو يحب يكون قد ترك خلية سجن الوحدة، ذلك السجن الذي أنشأته حالة النرجسية والتمركز الذاتي. ينتقل الفرد في هذه الحالة إلى الحب الناضج الذي مبدأه “إنني أحتاج إليك لأنني أحبك“. هنا يتعلم الطفل فن الحب وينمو في ممارسته ليصبح هدف حياته الأول.

وفي فشل هذا التطور يكمن السبب الرئيسي للعصاب. يمكن لأحد أسباب التطور العصابي أن يكمن في أن تكون أم الطفل مغرَمَة في الحب، أو مهيمنة عليه، وأبًا محبًا ولكنه ضعيف وغير مهتم. وفي هذه الحالَة يمكن أن يظل الطفل مثبَّتًا في مرحلة مبكرة من التعلُّق بالأم، ويتطوَّر إلى شخص يعتمِد على الأم ويشعر بالعجز وله حالات التوق المميزة للشخص المتلقي أي التلقي لكي يحصل على الحماية والرعاية والذي تنقصه الصفات الأبوية: النظام، الاستقلال، وقدرته على السيطرة على الحياة. وقد يحاوِل أن يجد “أمهات” في كل شخص. كذا إذا فشل الطفل في التطور لاجتياز مرحلة الحب النرجسي فيُصبح غير قادر على حب الآخرين وعاجز على تأكيد ذاته ومجاراة الحياة.

(يتبع)- الممارسة العملية لفن الحب

قد يعجبك ايضا
اترك رد