إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

الشعانين بدء مسيرة الخلاص

0 311

تأمل في أحد الشعانين 2024

نبدأ أخوتي اليوم الأسبوع الكبير أو العظيم الذي فيه تمم الرب رسالته على الأرض. يصعد يسوع إلى أورشليم وعلى أبوابها تستقبله الجموع بفرح وتهليل، لكن بعدها تنقلب عليه فيقدمونه لُيصلب ويموت ثم يقوم من بين الأموات في اليوم الثالث. يبدأ المسيح رحلته من قرية أريحا ومعه تلاميذه الاثني عشر وجمهور كبير. في اريحا ينضم إليه تلميذ جديد يمثلنا جميعًا، سمع عنه مثلما نسمع نحن عنه من وعاظ الكنائس أو وسائل التواصل الاجتماعي. بحث عنه الرجل كثيرًا وسأل عن عائلته ونسبه وآمن إنه المتمم للنبؤات. رأي بعينيه الدخول الاحتفالي للمسيح في مدينة أورشليم وسمع هُتاف الجموع بكلمات المزمور 118: “آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ”. لا تحدثنا الأناجيل عن التفاصيل إذا كان شارك الناس الهتاف والفرحة، ولكني أعتقد أنه هو الذي بدأ الهتاف، لأنه آمن بأن المسيح هو ابن داود، الملك الذي جاء لخلاص شعبه.

التلميذ هو آخر شخص شفاه يسوع قبل أن رحلة آلامه والتي أنتهت بالصلب والقيامة. هذا الشخص هو بارتيماوس الأعمى.

الاسم  نصفه آرامي (بار، ومعناها الابن) والنصف الثاني يوناني (تيماوس، المُشرف)، أي الابن المُشرف، الابن الذي يمكن أن يفتخر به والده. هو صورة لكل تلميذ يمكن أن يفتخر به معلمه.

لنلاحظ إن  حدث شفاء بارتيماوس يأتي مباشرة بعد مشكلة طلب يعقوب ويوحنا من يسوع أن يجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله في ملكوته. كان رد يسوع: “أَتَستَطيعانِ أَن تَشرَبا الكأسَ الَّتي سأَشرَبُها، أَو تَقبَلا المَعمودِيَّةَ الَّتي سَأَقبَلُها”!! ثم بدأ يسوع يتكلم عن التلميذ الحقيقي له الذي يقتدي به في الخدمة، هنا أعلن عن سبب تجسده بصورة واضحة: “لأَنَّ ابنَ الإِنسانِ لم يَأتِ لِيُخدَم، بل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفْسِه جَماعةَ النَّاس» (مر 10: 38؛ 45).

بارتيماوس هو نموذج للتلميذ الحقيقي المدعو لأن يفتح عينيه ليرى النور الحقيقي الآتي للعالم. مدعو أن يرى ويفهم ويقبل ما يحدث ليسوع في أورشليم ليكون شاهدًا في النهاية على قيامته. كل منّا مدعو مثل بارتيماوس أن يرافق يسوع في رحلته في هذه الأيام المقدسة والتي تبدأ اليوم بدخوله الاحتفالي لأورشليم وتمر بآلامه وموته على الصليب ثم  قيامته.  مسيرة من ثلاث خطوات أساسية لكي نعبر نحن أيضًا معه (البصخة = عبور) إلى أفراح القيامة:

  1. أن تفتح عينيك لرؤية النور

سال يسوع بارتيماوس ويسالك اليوم: «ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لكَ؟» كانت اجابة بارتيماوس «رابُوني، أَن أُبصِر». المسيح هو النور الحقيقي الآتي إلى العالم ولا يمكن أن نراه وعيونا مغلقة. أن تتبع يسوع في الطريق عليك أن تفتح عيونك أولاً. لا يمكن أن تتبع يسوع وعيونك مغلقة أو حتى مفتوحة دون أن تترك النور يسطع على كل شيء في حياتك لكي تراه. كيف أنفتحت عيون بارتيماوس الأعمي؟  الإجابة في قول يسوع للرجل: «اِذهَبْ ! إِيمانُكَ خلَّصَكَ».

الإيمان هو الذي فتح عيني الأعمى. يقول الإنجيل أن يسوع شفى عميانًا آخرين، لكن شفاءهم لم يكن فوريًا. الأول كان شفاءه صعب لدرجة أن الرب اضطر مرتين إلى وضع يديه على عينيه: فبدلاً من رؤية الناس بوضوح، رأى الأعمى “أشجارًا تمشي” (مر 8: 24). وحتى بالنسبة للمولود أعمى فإن شفاءه يسبقه أعمال رمزية، طلي عينيه بالطين، المشي والإغتسال في البركة، وأخيرًا بهبة البصر (يوحنا 9، 1- 41). بالنسبة إلى بارتيماوس كان إيمانه فقط هو الذي شفاءه.

آمن الرجل بأنه يمكن ليسوع أن يشفيه. سمع عنه من الناس إنه يقوم بعمل عظيم فالعمي يُبصرون والعرج يمشون والبرص يُطهرون والموتي يقومون. لكن لم يكتفي بما يقول الناس استفسر عنه أكثر، عن عائلته واكتشف إنه هو الذي تكلم عنه الأنبياء فكان أول من أعلن إنه ابن داوود فقال له: «رُحْماكَ، يا ابنَ داود، يا يَسوع !». انتشر الخبر بين الناس أن يسوع هذا هو النبي الآتي، هو ابن داوود والمكمل لكل النبؤات.

التلميذ الحقيقي لا يسمع فقط عن يسوع، بل يختبر هو بنفسه مَن هو يسوع. يعلمنا بارتيماوس أن نسعى بصفة شخصية لمعرفة يسوع. أن نجدد إيماننا به، أن نقول له ذات الكلمة التي قالها بارتيماوس والتي كررتها المجدلية من بعد القيامة: «رابُوني» أي سيدي، سيد حياتي، ملكي، وإلهي.

في أيام البصخة هذه اترك الله يحادث قلبك.. أسال نفسك مَن هو الله في يومك وحياتك المعتادة؟ هل يمكن أن تقول، كابارتيماوس «رابُوني»، وتعلنه السيد في حياتك؟

  • أن تكون لديك الرغبة القوية في الشفاء

قبل أن يصعد يسوع إلى أورشليم، مر بأريحا، التي تقع على عمق 250 متر تحت سطح البحر. نزل يسوع إلى الأعماق، ولم يبقى فيها، بل ليقود بارتيماوس الأعمى إلى الأعلى معه إلى أورشليم. صرخ الرجل ارحمني يا ابن داود فنزل إلى ذلك المكان ليخلصه. إذا رجوت الرب وصرخت إليه فسيأتي اليوم الذي يقول لك فيه:  «إِيمانُكَ خلَّصَكَ»..

وكما صرخ بارتيماوس بإلحاح ليسوع ليرحمه، كذلك في داخلنا أيضًا تطلعات عميقة إلى الحب والنور والحياة. وكما تم توبيخ بارتيماوس وإسكاته، كذلك يمكن أن تنشأ فينا أفكار تميل إلى قمع هذه التطلعات وتدفعنا إلى اليأس بأن الله لن يسمعنا. لنلاحظ أن يسوع لم يتوقف فورًا عندما رأى الرجل على الطريق، ولا حتى عندما سمع صرخاته في البداية، لكنه توقف بعد أن رأي قسوة الناس على الرجل ورأي ثباته وقوة صراخه.

اليوم يدخل هيكله ووسط هذه الاحتفالات والجموع التي تهتف وفي يديها أغصان النخيل والزيتون لا تظن إنه لن يسمعك. اصرخ له إنك تحتاج إلى شفاء إلى تعزية إلى غفران إلى سلام. سيحاول الجميع أن يسكتك، أن يمنعك، أن يحبطك قائلا لا وقت الآن. أعلم أن سيتوقف أمام طلبك، بل سينزل معاك إلى واقعك ويعطيك الشفاء.

  • قبول الصليب

رافق بارتيماوس المسيح في مسيرة كانت بدايتها حلوة المذاق فرأى جموع . هتفت الجموع: «هُوشَعْنا ! تَبارَكَ الآتي بِاسمِ الرَّبّ» لكنها بعدها بأيام صاحت”أصلبه.. أصلبه” إن الطريق الذي اتبعه يسوع هو الطريق الذي يؤدي إلى الصليب: طريق الرفض من قبل معاصريه اليهود، طريق الخيانة من قبل تلاميذه، طريق المعاناة والموت على أيدي السلطات اليهودية والرومانية. مَن أراد أن يتبع المسيح ويشاركه فرح قيامته لابد أن يقبل عثرة الصليبب، أن يقبل الخيانة والخزلان والخداع من الأحباء المقربين على مثال معلمه وبالبرغم من ذلك يتعلم أن يغفر لهم.

يترك بارتيماوس ردائه ويقفر تجاه يسوع عندما دعاه. نعلم أن الرداء هو كل شيء لإنسان فقير. بقى الرجل بقميصه فقط، وعند القبض على يسوع يقول الإنجيلي مرقس أنه كان هناك شاب يتبعه لابسا قميصًا، فامسكه الحراس فترك قميصه وهرب منهم عريانًا. مَن هو هذا الشاب؟ البعض يقول مرقس نفسه، لكن هو صورة التلميذ المثالي، الابن المشرف، الذي يفتخر به يسوع الذي تبعه إلى النهاية وبالرغم من كل شيء: “وَتَبِعَهُ شَابٌّ لاَبِساً إِزَاراً عَلَى عُرْيِهِ، فَأَمْسَكَهُ الشُّبَّانُ، فَتَرَكَ الإِزَارَ وَهَرَبَ مِنْهُمْ عُرْيَاناً (مر 14: 51- 52).

أسبوع مبارك

قد يعجبك ايضا
اترك رد