إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

كلام الله وكلام البشر

0 1٬210

إذا سألت ما هو أهم بالنسبة لك: السمع ولا البصر؟ بمعنى إذا رأيت كفيف وأصم مع مَن تتعاطف أكثر؟

كل منّا صادف كفيف يومًا يرغب في مساعدته في عبور الطريق، فساعده دون تأخير! لكن إذا صادفت أصم، لا يسمع يسألك بالإشارات عن شيء ما فهل تساعده بنفس السرعة؟ أحيانًا يكون حكمنا على الأصم قاسي لأن أصابته غير ظاهرة ونتعاطف مع العميان لأن أصابتهم ظاهرة!!

لكن إذا علمت أن الكفيف بيفقد نصف مساحة الإدراك. بإعتبار إننا نرى فقط ما يحدث أمامنا، لكن لا نرى ما يحدث خلفنا وإذا أردنا الرؤية نلتف لنرى! أما الأصم فهو يفقد كل مساحة الإدراك لأننا نسمع الأصوات الصادرة من كل الاتجاهات وبفقدانها يفقد الشخص مساحة الإدراك بالكامل. إذا سمع الكفيف صوت بوق السيارة فإنه سيتوقف حتى إذا كانت السيارة خلفه وليس أمامه، لكن الأصم لن يتوقف بل يعبر الطريق وهو غير مدرك الخطورة. يظن الناس إنه أبله، غير مبالي بالخطورة، لكن المسكين فقط كامل مساحة الإدراك فلا يستطيع التمييز.

الذي يستحق التعاطف أكثر هو الأصم وليس الأعمى!

لذا فالكلمة أكثر أهمية من الصورة على عكس ما نتوقع.

كلام البشر:

للكلمة تأثير كبير على حياة الإنسان، لأنها تمس مساحة كاملة من الإدراك. الكلمة التي نسمعها من كل الاتجاهات تؤثر بشدة فينا. المشكلة إننا نتكلم كثيرًا دون أن نفحص كلماتنا وتأثيرها على الآخرين، نتكلم لأجل الكلام وحده، كما فعل الفريسيين عندما رأوا المعمدان لا يأكل ولا يشرب قالوا إنه مجنون، وعندما شاهدوا المسيح يأكل ويشرب قالوا إنه أكول وشريب خمر: “جاءَ يوحنَّا المَعمَدان لا يأكُلُ خُبزاً ولا يَشرَبُ خَمراً، فقُلتُمْ: لقَد جُنَّ. وجاءَ ابنُ الإِنسانِ يأكُلُ ويَشرَب، فقُلتُم: هُوَذا رَجُلٌ أَكولٌ شِرِّيبٌ لِلْخَمْرِ صَديقٌ لِلجُباةِ والخاطئِين” (لوقا 7: 33- 34).

الكلام الغير مفحوص، الثرثرة دون فائدة، هي السقوط في حالة وجود زائف، هي تعبير عن حياة لا معنى لها. هي مهرب أو مخرج في الحياة الواقعية يسلكه الأفراد القابعون تحت ضغوطات معينة. الاندماج في احاديث لا قيمة لها يهدف لاحتفاظ الشخص بحالة المتكلم دائما والآخرين مستمعين له بصورة دائمة. من الناحية النفسية نتكلم بدافع الخوف من مواجهة أعباء الحياة والنتيجة هي عيش حياة لا معني لها، لأن تحقيق الذات وعيش المعنى هو أمر يتطلب مواجهة التحديات القوية التي تصنع الإنسان وتشكله وتصيّره وتصوغ مصيره.

إذا قلت كل ما في قلبك ستؤثر على مساحة كاملة من الإدراك لدي القريب، ستؤثر عليه بشدة، ليَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ (يعقوب 1: 19)، لذا وضع الرب للإنسان إذنين خارج الجسد، ولم يعطيه لسانين بل لسان واحدًا وجعله خلف بوابتين داخل الجسد لكي ما يسمع الإنسان أضعاف ما يتكلم. وجود الموبايلات في إيدينا جعلنا نتكلم ونكتب أضعاف ما نسمع. ولا أن تفكر بما تقول، أو مراجعة النفس قبل أن ننطق فتحدث كوراث كثيرة.

يقول سفر الأمثال 21:18 “اَلْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ فِي يَدِ اللِّسان، وَأَحِبَّاؤُهُ يَأْكُلُونَ ثَمَرَهُ”. يعلن لنا الله هنا حقيقة ‏صادمة تتعلق بقوة الكلام واللسان. وهذه الحقيقة ببساطة تبين لنا قدرة اللسان على جلب الموت والدمار ‏وكذلك قدرته على الحياة والبناء.

قال الرَّب يسوع في متى 36:12 “إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاس ‏سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ”. الكلمة البطّالة هي التي لا تنفع. قول الرَّب هنا يعني ببساطة أن كل إنسان مسئول عن كل كلمة ‏تخرج من شفتيه، فكل يوم نتحدث مئات وربما آلاف الكلمات، وبعض ‏الكلام يكون لطيفاً ومدروساً، والبعض يكون قاسياً وجارحاً دون التفكير بتأثيرها على الآخرين.‏ نسمي أحيانا الكلام بأنه عفوي، ما في قلبي على اللسان، في حين إن الله خلق العقل ليفحص ما في القلب قبل أن تنظق به.  كم من شاب أصيب بالإحباط بسبب كلمات سلبية: أنت فاشل. أنت لا تصلح لشيء، أنت متهور،  وغيرها ‏من كلمات القسوة. وكم من صبية تعقدت حياتها من سماع كلمات لاذعة مثل أنت لست جميلة، أنت غبية، ‏أنت سمينة، وغيرها من الكلمات. ‏

قال أيوب لأصدقائه في أيوب 2: 19 “حَتَّى مَتَى تُعَذِّبُونَ نَفْسِي وَتَسْحَقُونَنِي بِالْكَلاَمِ”. جاء أصدقاء أيوب ‏لتعزيته عند دمار ممتلكاته وموت أولاده، ولكنهم بدل التعزية، وجدو في آلامه فرصة للشماتة والتطاول ‏عليه ولومه. وكأن مصيبته لم تكن كافية. ‏ في رسالة أفسس 29:4، يحذرنا الله بلسان رسوله بولس قائلاً: “لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ ‏مَا كَانَ صَالِحًا لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ”. فالله يدعونا هنا أن نلاحظ إن كان ‏كلامنا  للبناء أم أنه للهدم. وبالتالي للحذر من أن لا تخرج كلمات ردية من أفواهنا.‏ ما أكثر الأشخاص الذين دمرت حياتهم لأن سيرتهم تشوّهت بسبب الاشاعات الباطلة أو الكلام الكاذب ‏عنهم أو الذي لا نفع له.

كلام الله:

يختلف كلام الله عن كلام البشر. تكشف لنا الرسالة إلى العبرانيين في أول كلماتها عن كلام الله: “اللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ”. كلمنا الله مرةً قديمًا بالأنبياء وبطرق كثيرة، مثل أن كتب باصبعة على حجر، أو من خلال العلامات والرموز وغيرها. ثم كلمنا في العهد الجديد في ابنه. يصف يوحنا الابن (المسيح) في بداية إنحيله، بأنه “الكلمة”.. “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ (لوغوس)، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ.

ما هو اللوغوس؟

اللوغوس هي كلمة يونانية استخدمها القدماء لدلالة على القانون أو المبدأ العام الذي ينظم كل الأشياء في الكون. فالكون متنوع للغاية وبه أشياء متضادة ومختلفة إلا إنها تُشكل معًا عالم واحد متناغم ومتسق بالرغم من الاختلاف. هناك اتساق وتناغم في حركة الكون فلا تصطدم الكواكب معًا. اخترع اليونانيون كلمة اللوغوس ليدلوا على القانون المنظم لهذا الانسجام في الكون والعقل، تصوروا إنه قانون منظم، لا شخص.

إجاب يوحنا على السؤال الجوهري في الحياة عند اليونانيين: ما هو الشيء الذي ينظم الفوضى الموجودة في الكون والطبيعة؟ أن الذي ينظم كل شيء، الذي يعطي التناغم والاتساق في الكون، ليس مجرد مبدأ أو قانونًا، ولكن هو شخص، خالق كل شيء، ضابط الكل، هو الله ذاته الذي أصبح بشرًا وحل فينا. ضابط الكل هو الله ذاته الذي أصبح بشرًا وحل فينا. لذا أجمل يوحنا رده على فلسفة اليونانيين بقوله: “كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ النَّاسِ… 14 وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً” (يوحنا 1: 1- 4؛14).

  1. ليس هناك نظام دون “كلمة الله”

“كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ” كلمة الله هو الابن “ضابط الكل” بدونه هناك عشوائية وتخبط. خالق ومنظم هذا الكون العجيب، كل شيء في تناغم ودقة لا متناهية، ليس هناك شيء عشوائي كما يتصور البعض. نجلس حاليًا في مقاعدنا ساكنين وهادئين، لكننا لا ندري أننا نتحرك بسرعة فائقة السرعة، فالأرض تتحرك الآن بسرعة تبلغ 1650 كلم والمسافة التي تقطعها الأرض حول الشمس في السنة تقدر بحوالي 950 مليون كيلومتر، وبذلك تكون سرعة حركتنا مع الشمس هي 108 آلاف كيلومتر في الساعة (فقط) ونحن لا نشعر أننا نتحرك من الأساس!؟ ليس هناك عشوائية فاللوغوس نظم كل شيء: وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ.

على المستوى الشخصي جميعنا يعيش في تلك العشوائية والتخبط الداخلي بين ما نفكر فيه وترتبط به مشاعرنا وإرادتنا. لا نعرف ماذا نعمل لكي نعيش في توازن وانسجام واتساق داخلي بين جسدي وروحي. إذا كنا مؤمنين بأفكار صحيحة، بمبادئ وتعاليم مسيحية طيبة وخيرة لكننا نجد إرادتنا تقودنا إلى شيء أخر تمامًا. هكذا عبر بولس عن المشكلة: “15وحقًّا لا أَدْري ما أَفعَل: فالَّذي أُريدُه لا أَفعَلُه، وأَمَّا الَّذي أَكرَهُه فإِيَّاه أَفعَل.”. ” 19لأَنَّ الخَيرَ الَّذي أُريدُه لا أَفعَلُه، والشَّرَّ الَّذي لا أُريدُه إِيَّاه أَفعَل.. … 24 ما أَشْقاني مِن إِنسان! فَمن يُنقِذُني مِن هَذا الجَسَدِ الَّذي مَصيرُه المَوت؟ 25أَشْكُرُ اللهَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا!” (رومية 7: 15- 24). يصرخ بولس قائلا: ” ما أَشْقاني مِن إِنسان! هنا لا يقول بولس ماذا ينقذني من جسد هذا الموت، من تلك الفوضى التي بداخلي، بل مَن يصرخ طالبًا معونة شخص وليس شيء يستعين به لوضع حد لصراعه الداخلي.

يصرخ بولس في نداء لشخص فيقول: “(مَنْ) يُنقِذُني مِن هَذا الجَسَدِ الَّذي مَصيرُه المَوت؟” شخص وليس تعليم أو عقيدة أو مبادئ تجعلني أعيش أفضل، بل شخص يمكن له تنظيم كل شيء داخلي، شخص يعرفني، لأنه خلقني واختارني قبل إنشاء العالم لأكون عنده قديس بلا عيب في المحبة. يعبر بولس عن عن احتياجه إلى اللوغوس فيخلصه من البعثرة الداخلية ويتوق إلى مَن سَيُعيد له الاتساق والانسجام والوحدة بين الروح والجسد. قبول الكلمة والإيمان بشخص يسوع المسيح يعطي شفاء للإنسان يعود به إلى وضعه الأصلي، فيعيش بسلام مع الجميع. عاش القديس فرنسيس عندما قبل يسوع في تناغم وانسجام مع الجميع. جميع البشر أخوته حتى الحيوانات والكائنات والطبيعة.

  • ليس هناك حياة دون “كلمة الله”

“فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ”. الحياة كلها تنبع من “الكلمة”. هو خالق كل شيء. ولكن التركيز هنا هو على الأرجح هو على الحياة الروحيّة. بمعنى آخر، هناك مشكلتان تواجهنا نحن البشر: نحن أموات روحيَّا وبالتالي نحن عميان روحياً دون قبول المسيح والإيمان به. المسيح هو العلاج لكلتا المشكلتين: فهو لديه الحياة التي نحتاجها، وهذه الحياة تصبح النور الذي نرى به.

فالإنسان دون الله هو ميت. “لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ.” (يوحنا ٥: ٢١). بكلمات أخرى، هو يفعل معنا روحياً ما فعله مع لعازر عندما وقف أمام قبر لعازر وقال للميت: “لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!”  (يوحنا ١١: ٤٣).

عندما أوصى الرب الإله آدم، قال له: “مِنْ جَمِيعِ شْجَرِ الْجَنَّةِ تَاكُلُ أكلاً، وأما شَجَرَةِ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرّ فَلا تَأكُلْ مِنها، لأَنَّكَ يوم تَأْكلُ مِنْهَا مَوتأً تَمُوت” (تكوين 2: 16- 17). لكن هل مات آدم فعلاً بعد أن أكلَ من الشجرة؟ هل تعلم كم سنة عاشها آدم بعد أن قال له الرب يوم تأكل من الشجرة موتًا تموت؟ هكذا يؤكد الوحي الإلهي في سفر التكوين الإصحاح الخامس: “كانَت أيَّامُ آدَمَ بَعدَ ما وَلَدَ شيثاً ثَمانيَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَ بَناتٍ. فكانَتْ كُلُّ أيَامِ آدَمَ الَّتِي عاشَها تِسْعَ مِئَةٍ و ثَلاثِينَ سنَةً و ماتَ.” (تكوين 5: 4- 5).

عاش آدم في جسده لسنين عديدة بعدما أكل من شجرة معرفة الخير و الشر، ولم يمت! عاش حياة طبيعة لكنه هل كان حي؟ الحقيقة إنه مات يوم أكل من الشجرة، فإذا كانت روحه مازال فيه ويتنفس ويعيش حياة إنسانية طبيعية، إلا إنه كان ميتًا بعد أن فقد صلته بالله، فقد علاقته به: فالله هو حياة روح الإنسان، وبدون الله الإنسان ميت. ميت لأنه أنفصل عن مصدره، عن خالقه، عن الأصل الذي خرج منه. أنت حيّ متى ملأ الله قلبك وأعطاك حياة جديدة وروحًا جديدة.

“وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ” وما علاقة تلك الحياة المُعطاة من المسيح بالنور؟ توجد علاقتين. الأولى إنها تمكّننا من الرؤية. عندما تُعطى الحياة للأموات، فهم يرون. أو، بتشبيه آخر، عندما تولد، ترى. فالعلاقة روحيّة.  قال يسوع لنيقوديموس “الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ.” (يوحنا ٣: ٣) إذأً، فالمسيح يُعطي أولاً الحياة ومن ثم تصبح هذه الحياة نوراً – القدرة على رؤية الواقع الروحي.

أن تمتلك القدرة على رؤية الواقع الروحي فإنك في النهاية ترى يسوع ذاته، لأنه النور الحقيقي الآتي للعالم. هذا ما تقوله الأية 14 “وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ…” وهذا ما صلى لإجله المسيح في إنجيل يوحنا ١۷: ٢٤ “أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي،…”.

  • “كلمة الله” فعالة

كلمة الله فعالة، لأن داخلها حياة. هكذا يصف كاتب الرسالة إلى العبرانيين مفاعيل الكلمة: “لِأَنَّ كَلِمَةَ ٱللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ ٱلنَّفْسِ وَٱلرُّوحِ وَٱلْمَفَاصِلِ وَٱلْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ ٱلْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ” (عبرانيين 4: 12).

الكلمة حيّة وفعّالة لإنّها تخرق بين المفاصل والمخاخ. المفاصل هي الجزء السميك، الصلب، الخارجي للعظام. والمخاخ (العصب الداخلي) هو جزء العظام الداخلي الليّن، الطريّ، والحيّ. كلمة الله تشبه سَيْفًا حادًّا بما فيه الكفاية لقطع العظام من الجزء الخارجي الصلب إلى الجزء الداخلي الليّن والحيّ. قد تضرب بعض السيوف الأقلّ حدّةً في العظم وترتدّ عنه دون اختراقه. والبعض الآخر قد يخترق مفصل العظم الصلب والسميك جزئيًّا. إنّما سيفٌ ثاقبٌ و قويٌّ ذو حدّين (حادٌّ على جانبي النصل) سيخترق المفصل إلى عمق المخاخ.

تشبه “النفس والروح” “مفصل العظام ومخاخها. “النفس” هي ما نحن عليه بطبيعتنا من بُعدٍ غير مرئيٍّ لحياتنا. “الروح” هي ما نحن عليه من خلال الولادة الجديدة الفوق الطبيعيّة. فما المعنى إذًا في القول أنّ “كلمة الله” تخرق إلى “مفرق النفس والروح”؟ المعنى هو أنّ كلمة الله هي التي تعلن لنا حقيقة ذواتنا. هل نحن روحيّون أو جسديّون؟ أنَحْن مولودون من الله و أحياء روحيًّا، أم أنّنا نخدع أنفسنا و أمواتٌ روحيًّا؟ هل “أفكار و نوايا قلوبنا” هي أفكارٌ و نوايا روحيّة أو فقط أفكارٌ و نوايا طبيعيّة؟ فقط “كلمة الله” تقدر أن “تميّز أفكار القلب و نيّاته ” كما يقول العبرانيين.

عمليًّا، نشعر أنّ أنفسنا تُخرَق عندما نقرأ أو نسمع “كلمة الله”. تأثير هذا الخرق هو الإعلان عمّا إذا كانت هناك روح أم لا. هل هناك مخاخٌ و حياةٌ في عظامنا؟ أم أّننا مجرّد “هيكلٍ عظميٍّ” من دون مخاخٍ حيٍّ؟ هل هناك “روحٌ”، أو “نفسٌ” فقط؟ تخرق كلمة الله عميقًا بما فيه الكفاية لتبيّن لنا حقيقة أفكارنا و دوافعنا و ذواتنا.

  • كلمة الله” تدعو

في حياة يسوع المسيح الأرضية دعى التلاميذ لكي يتبعوه: “هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ». ثم دعاهم ثانية بعد القيامة. بعد أن أتم يسوع خبرته على الأرض من الوعظ والتعليم والعجائب والأهم بعد موته على الصليب وقيامته. المكان نفسه والظروف نفسها لكن شخص الداعي هو الذي يختلف. في المرة الأولى كان الشخص الذي يدعوهم هو يسوع، ابن يوسف الذي من الناصرة حسب الظاهر، لكن الآن الشخص الذي يدعوهم هو أكثر من ذلك هو ابن الله الحي القائم من الأموات. تكرار الدعوة اشارة إلى رحمة المسيح ونعمته، فهو يخلق ظروف جديدة يجعل من الدعوة الثانية فعالة أكثر، يظهر بتوفير ظروف أفضل. الله لا يكف على أن يدعو الإنسان في كل يوم خلال مسيرة حياته.. واليوم يدعوك

أحيانا نكلف شخص بمهمة لكنه يفشل فيها، فكرر تكليفه بدون تغير الظروف والشخص فيفشل من جديد. لماذا نتوقع تغيير بالنتائج إذا لم تتغيير الظروف والأحوال. فالرب لم يجدد الدعوة فقط، لكن غير الظروف، الآن ليس هو يسوع الناصري هو ابن الله المقام من بين الأموات، قاهر الشيطان على خشبة الصليب، من أجل ذلك الدعوة لها مضمون وفاعلية أكثر بكثير من المرة الأولى. الرب يجدد الدعوة ويغيير الظروف والأحوال ليجعل الاستجابة ممكنة.

هل نستجيب لدعوة كلمة الله المستمرة

قد يعجبك ايضا
اترك رد