إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

رأس السنة 2014

0 972

“رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ مَسَحَني لِأُبَشِّرَ الفُقَراء وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم ولِلعُميانِ عَودَةَ البصَرِ إِلَيهِم وأُفَرِّجَ
عنِ الـمَظلومين وأُعلِنَ سَنَةَ رِضاً عِندَ الرَّبّ” لوقا ٤: ١٦-٢١:

لقد أتينا اليوم إلى هذا المكان لنبدأ هذه السنة الجديدة بكلمة من الله، فهي خير ما نستهل به هذا العام الجديد. وبهذا فإننا نحذو حذو المسيح الذي أبى أن يبدأ خدمته في هذا العالم إلا بقراءة من الكتاب المقدس. …

كان ذلك في مدينة الناصرة، إذ ذهب يسوع كعادته إلى المجمع يوم السبت وهناك طلب منه أن يقوم ويقرأ على الحاضرين كلمة من سفر الأنبياء. وفتح يسوع السفر وقرأ بضعة أعداد من سفر إشعياء النبي من الأصحاح الحادي والستين وهي الأعداد التي سمعناها في قراءة اليوم.

وكانت العادة في ذلك الزمان أن يفسر القارئ الكلمات التي قرأها على مسامع الحضور… وهكذا انتظر المصلون بصمت وشوق أن يفسر المسيح الآيات التي قرأها… بدأت شفتا المسيح تتحركان فنطقتا بأقصر وأبلغ عظة شهدتها البشرية، إذ قال: “اليوم تم هذا القول في مسامعكم”، قالها وغاص ثانية في بحر من الصمت العميق… ولكنه صمت فجر بقوته صمت الحاضرين وانتزع إعجابهم وحرك قلوبهم…

كانت هذه أول عظة للمسيح… وكأنه أراد أن يبين من خلالها طبيعة المهمة الموكولة إليه…

لقد جاء المسيح حاملا معه رسالة من السماء إلى الأرض…. جاء جالبا معه عطية من الله للإنسان…. جاء يبشر بسنة الرب المقبولة:-

سنة الرب المقبولة اصطلاح أخذ من العهد القديم، فلقد أمر الله الإسرائيليين بأن يحفظوا السنة السابعة كما يحفظون يوم السبت، اليوم السابع من الأسبوع… وكانت سنة السبت، سنة راحة إذ أوصى الله قائلا….”… لاويين ٢٥: ٣-٦… ”

وقد كانت لهذه السنة ثلاثة أهداف: هدف اجتماعي وآخر اقتصادي وثالث ديني…

أما الهدف الاجتماعي فكان الاهتمام بالفقير والمسكين….، إذ كانت السنة السابعة سنة راحة للملاكين والمزارعين. سنة لا يبذرون فيها ولا يزرعون ولا يحصدون، بل كانوا يتركون محاصيل الأرض الذاتية للفقير والمسكين والغريب ليقتات منها.

أما الهدف الأقتصادي فقد كان إراحة الأرض، تلك الأرض التي أعطت وأنتجت ستة سنين متوالية، كي تستعيد هذه الأرض قوتها وعافيتها فتجود في السنين التالية بثمر أكثر وأكبر.

أما الهدف الديني فكان إشعار الشعب كله أن الأرض هي ملك للرب، وأن مصدر رزقهم من عنده، كما أنهم هم أيضا له، ويجب أن يضعوا ثقتهم فيه وهو يعتني بهم.

ولم يكتف الله بسنة السبت هذه بل أمر أيضا بسنة اليوبيل وهي السنة التي تأتي بعد سبعة سبوت أي بعد ٤٩ سنة. وفي سنة الخمسين هذه أوصى الله أن يعود الأشخاص والعائلات والعشائر إلى حالتهم الأصلية… فيحرر العبيد التي عملوا التسع وأربعين سنة، وترد الرهائن والأراضي المرهونة إلى أصحابها الأصليين.

فعندما بشر المسيح في مجمع الناصرة بسنة الرب المقبولة، أدرك سامعوه أنه لا يقصد سنة السبت أو سنة اليوبيل، وعرفوا أن المسيح قد جاء يبشر ببداية جديدة للإنسان وللأرض وللخليقة…

وما أحوجنا جميعا إلى مثل هذه البداية الجديدة…. فكم من الأشخاص قد وصلوا بحياتهم إلى طريق مسدود، البعض يقف أمام الله فارغ اليدين، لا يعلم ما يقدم له، يجد نفسه عاجزا عن خدمته، يود أن يؤمن ولكنه لا يستطيع أن يؤمن، يريد أن يحب ولكنه يكتشف أنه لا يحب سوى نفسه، يتمسك بالرجاء ولكنه سرعان ما يفقده، فنشعر بأنه قد وصل مع الله إلى طريق مسدود، هناك أشخاص فقدوا صلتهم بالكنيسة، شعروا بأنهم وصلوا إلى نهاية أليمة… ولكن لمثل هذا الأنسان يقول المسيح: لا تيأس، فأنا أبشرك ببداية جديدة.

البعض اجتماعيا وصل إلى طريق مسدود: هناك مشكلات مع الآخرين، عدم محبة، عدم اتفاق، البعض يشعر إنه وحيد لا يسأل عنه أحد، لا يجد من يسمعه، هناك من يشعر بجرح من كلمة أو تصرف من قريب داخل العائلة أو خارج العائلة.

لكل هؤلاء يقول لك المسيح أن السنة الجديدة سنة رضا، أبدا من جديد، لا تخف. فإذا كانت هناك مشكلات مع الآخرين أسرع إلى المصالحة. إذا كان هناك أحد يشعر إنه وحيد لا يسأل عنه أحد، أسأل عنه، كلمه، قم بزيارته، أخدمه.. حتى لا يكون هناك خصام، ولا ألم بين أفراد الكنيسة الواحدة.

البعض اقتصاديا وصل إلى طريق مسدود: إذا كانت لديك أحلام بوظيفة جديدة، بوضع اقتصادي مختلف العام الماضي ولم يتحقق.. يقول لك المسيح اليوم لا تنهزم فها هي شمس الحرية تلوح في الأفق… حاول مرة أخرى، أيها اليائس، أيها الفقيد، أيها المسكين، أيها التعبان…أمامك فرصة أخرى، أمامك سنة جديدة أخرى… إجمع فيها قواك وضع ثقتك بي وحاول… كل إنسان فينا بحاجة إلى بداية جديدة، شعبنا بحاجة إلى بداية جديدة، عالمنا بحاجة إلى بداية جديدة.

البعض دينيا وروحيا وصل إلى طريق مسدود: هناك من يشعر بأن خلال العام المنتهي سيطر عليه أبليس، على أفكاره، على تصرفاته، أهمل الصلاة والصوم والاعتراف والمناولة. هناك من يشعر إن إيمانه ضعيف، بل يضعف مع الوقت. هناك من يشك في بعض الأمور ولا يفهمها، هناك من ابتعد عن الكنيسة.

لكل هؤلاء يقول المسيح لا تيأس.. لا تيأس أيها الضعيف المهزوز روحيا، يا قليل الإيمان لا تيأس أمامك فرصة جديدة، سنة رضا، سنة جديدة تقوي فيها إيمانك.. كما طلب التلاميذ من المسيح قائلين: “زدنا إيمانا”.. كما طلبوا منه :”علمنا أن نصلي”.. هناك فرصة جديدة للجميع .. فحالتنا قد تكون كحالة بطرس الذي ظل في سفينته يصطاد الليل كله ولم يمسك شيئا، ففقد الأمل ووقع في اليأس، وأراد أن يرجع إلى البر… فجاء المسيح وقال له حاول مرة أخرى… فأجابه بطرس: يا سيد قد تعبنا الليل كله ولم نمسك شيئا، قد تعبنا لسنين عديدة ولم نفلح، ولم نصل إلى مرادنا…. ولكن فجأة تدب الشجاعة في بطرس يقول: ولكن على كلمتك ألقي الشبكة….

أجل …. إن كنا قد وصلنا بقوانا إلى طريق مسدود، فدعونا نستجمعها ونقول: على كلمتك ألقي الشبكة… بناء على بشارتك سأحاول مرة أخرى… سأستغل هذه السنة وسأومن بأنها بداية جديدة، بداية جديدة مع الرب، ومعك أيتها العائلة ومعك أيتها الرعية.

عام ٢٠١٤ سنة رضا عند الرب.. ثق

وكل عام وأنتم بخير
الأب/ مراد مجلع الفرنسيسكاني
الجيزة في ٢٥ ديسمبر ٢٠١٣

قد يعجبك ايضا
اترك رد