ليكن لي حسب قولك
من الممكن أن تكون اختيارات الإنسان إيجابية لصالحه أو سلبية تضره. حياة الإنسان هي محصلة اختياراته، فأنا اختار شريك الحياة، عملي، طريقة تربية أبنائي، وغيرها من الاختيارات. اختيار أن أنفذ مشيئة الله في حياتي أمر صعبا في كثير من الأحيان. فالتلاميذ مثلا بعض العنصرة، أختاروا أن يهزموا الخوف فخرجوا ويبشروا بالمسيح القائم إلى أقاصي الأرض وكنتيجة لهذا الاختيار جميعهم تقريبا قدموا حياتهم لتنفيذ مشيئة الله وإرادته. الأمر يتطلب الثقة في عناية الله وقصده.
منذ ١٣ عاما تقريبا … كان (ريك) إنسانا يائسا بجدارة!! لا يكمل في أي وظيفة أكثر من أشهر قليلة !!.. لا يملك أصدقاء. لا يحبه أحد ولا يحب أحدا !! كانت زوجته هي صديقته الوحيدة. ولولا طبيعة عملها التي تتطلب تواجدها خارج المنزل ساعات طويلة لربما خسرها مبكرا !! كان ينفق ماله على السهر واللهو !!يدخن ٣ علب سجائر في اليوم، ويشرب الخمر!! وأدمن المخدرات!! انعكس سلوكه وإهماله على هيئته وصحته!! كان يبدو أكبر من عمره بعشرات السنين!! من كان يعرف ريك، حينذاك، سيجزم أنه يمضي إلى الموت بخطى واثقة!! فرئتاه ملوثتان وقلبه ينبض ببطء شديد!!
لكن رزق (ريك) حينذاك بطفلة صغيرة جميلة سماها، (مادي). لقد غيرت هذه الطفلة حياته رأسا على عقب. جعلت لحياته هدفا ومعنى. قيمة ومبنى. اكتشف الأطباء بعد مرور شهرين على ولادتها إصابتها بشلل دماغي. كانت الصدمة أكبر من أن يحتملها الأبوان. انهارا معا. فلم يعد اليائس الوحيد في منزله فإن زوجته صارت في حال يرثى لها. دخلا في دوامة من الحزن والإحباط لأسابيع.
لكن فجأة استيقظ (ريك) من غيبوبة الألم. شعر بحاجة ابنته إليه. كبرت البنت وكبر أمل (ريك) وزوجته في أن يمنحاها سعادة تعوض حرمانها من الصحة التي يتمتع بها معظم الأطفال. لاحظ (ريك) أن ابنته كلما حملها على كتفه وخرج بها إلى الشارع ابتسمت وتوقفت عن البكاء. فأصبح يحملها على كتفه يوميا حتى يكافئ نفسه بابتسامة يقطفها من وجه ابنته. أمسى (ريك) يسير بها طويلا في الشارع إلى ساعات دون أن يشعر بتعب أو ضجر. كانت سعادتها التي تطفو على ملامحها البريئة هي بمثابة قارورات المياه التي يوزعها المتطوعون على المتسابقين المرهقين.
استوقفه جاره، وهو يحمل ابنته، أمام باب شقته، واقترح عليه المشاركة في سباق الماراثون وهو يحمل (مادي) ما دام أنه اعتاد على حملها لساعات على كتفه دون انزعاج. نقل (ريك) اقتراح جاره إلى زوجته التي باركت الفكرة. تدرب (ريك) على حمل طفلته لكن بسرعات أكبر حتى يستطيع المنافسة في الماراثون. لم تمض ٤ أشهر من تدرب (ريك) على الركض حاملا ابنته حتى فتح باب التسجيل في ماراثون لندن. شارك (ريك) في السباق. سجل رقما متواضعا، لكن حضوره خطف الأنظار من كل الأبطال. رافقته طوال السباق عدسات المصورين والقنوات التلفزيونية. رصدت خطواته وابتسامة ابنته لساعات.. راقبت إصراره وبسالته بزهو. في اليوم التالي تصدر (ريك) عناوين السباق وكان ضيفا على العديد من المحطات التلفزيونية.
تحول (ريك) من إنسان تعيس محبط مدمن يبغضه القريب والبعيد إلى إنسان عظيم تزهو به أسرته الصغيرة ووطنه. هذا الاهتمام الكبير الذي حظي به (ريك) جعله يشارك في سباقات الثلاثي (ترياثلون)، وهو أشبه بالماراثون، يبدأ بالسباحة ثم ركوب الدراجات، وينتهي بالجري. ورافقت (مادي) والدها في هذا السباق الثلاثي تارة على كتفه وأخرى على ظهره. كان مشهد (ريك) مؤثرا وهو يحقق مركزا متقدما ويفوز على مئات المتسابقين وهو يحمل ابنته (١٣ عاما) وهم لا يحملون شيئا. يعتبر (ريك) ابنته قلبه، وهي تعتبره قدميها، فشكلا ثنائيا ملهما لا ينساه التاريخ. استطاع (ريك) أن يحول مأساته إلى قصة نجاح يتناقلها الناس. فعلينا أن ندرك أن بعض المصاعب التي تعترضنا لا يجب أن تمنعنا من النجاح بل تلهمنا إياه، وتدفعنا إليه. أطلقت الصحافة البريطانية عليه لقب “أبو القرن” إثر ما قدمه لابنته ومجتمعه، لكن رفض اللقب مرجعا الفضل في ما حققه لابتسامة ابنته التي يصفها بأنها “الأجمل في العالم”.
قد تكون إرادة الله صعبة، مؤلمة، غير مفهومة.. لكن قبولها بتواضع يغير مجرى حياة الإنسان. لنتأمل موقف العذراء مريم حينما بشرها الملاك بالحبل الإلهي. هي مخطوبة لرجل اسمه يوسف. كانت الخطبة في الشريعة اليهودية عهداً أبدياً لا ينفصم، وما الزفاف إلا حفل تنتقل فيه الفتاة من بيت أبيها لبيت رجلها، ووفقاً لهذه الشريعة كانت الفتاة المخطوبة بمثابة زوجة لخطيبها، ولو مات خاطبها أثناء فترة الخطبة وقبل الزفاف تُعتبر الخطيبة أرملة خاضعة لشريعة الزواج من أخي الزوج (تثنية ٢٥: ٥-١٠)؛ ولم يكن ممكناً للفتاة أو عائلتها أن يفُضَّا علاقة الخطوبة هذه إلا بكتاب أو وثيقة طلاق، كما أن هذه العادات أو الشريعة ما كانت لتسمح بوجود علاقة جنسية بين الخطيب وخطيبته قبل إعلان حفل الزفاف وإلا اُعتبرا في حُكم الزناة. لذلك عندما علم يوسف بأمر الحمل، يقول لنا الكتاب، إنه لم يشأ أن يُشهر بها، لأنه كان إنسان بار، أراد فقط تخليتها سراً. فكشف الله ذاته عن طبيعة الحمل قائلا له: “يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حُبل به فيه هو من الروح القد ي” (متى ١: ٢٠). قبلت مريم أن تنفذ مشيئة الله وإرادته بالرغم علمها من نظرة الناس لها، ستكلمون عنها بإنها خاطئة.. خالفت الشريعة. تصورا فتاه لم تتزوج بعد، لكنها حُبلى! ماذا تقول لخطيبها؟ كيف يتقبل الأمر مهما كانت شهامته؟ إن الشريعة اليهودية أنذاك تعتبر هذا الأمر زنا، وعقوبة الزنا هي الرجم. كيف تفسر للناس بأنها حملت من الروح القدس؟ هل سيصدق الناس؟
قبول مشيئة الله يكون صعبا، مؤلما في كثير من الأحيان.
ماذا قالت مريم بعد أن شرح لها الملاك “أن الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله” (لوقا ١: ٢٥). قالت: “ليكن”. كثيرا ما نسأل عن سبب اختيار العذراء لهذه الكلمة.. كان أسهل أن تقول نعم. لكن كلمة نعم تظهر الأمر كما لو إنها نذُّ لله، مساوية له. قالت ليكن.. بتواضع غريب.. لتكن إرادة الله.. وضعت إرادتها كاملةً في مجرى التدبير الإلهي الذي هو اليوم للفرح وللسعادة، فقد اختارها من بين كل النساء لتكون أم المخلص.. لكن غدا للعذاب والألم.. سيجوز سيف في نفسك.. تأملوا ألامها منذ البشارة حين واجهت يوسف وهي لم تعرف كيف يتقبل الأمر.. وحين أراد تخليتها سراً وما في ذلك من تشهير بها.. وحين واجهت مجتمعها وهي حبلي قبل أن يتم الزفاف كعادة اليهود.. والخوف الذي شعرت به عند مطاردة هيرودس لوليدها.. كم الألم الذي شعرت به عند رفض اليهود لرسالة ابنها لهم، ومحاولة قتله وطرحه من أعلى الجبل.. كيف واجهت حتى أقربائها اللذين أتهموه باتهامات باطلة بأنه بقوة بعلزبول يخرج الشياطين. ويصل الأمر إلى الذروة وقت الصلب حين تعيش الألام والضرب والجلد والمسامير ثم تعليق ابنها على خشبة وهي واقفة تبكي لا تستطيع أن تصنع له شيئاً. قبلت إرادة الله كليا.. وضعت إرادتها كاملةً تحت تصرف الله، في وقت الفرح وقت الألم.. قالت “لتكن” إرادتك.
قلبت مريم بكلمة “ليكن” صفحة العهد القديم، واعطت اشارة البدء للعهد الجديد. كانت تلك الكلمة هي أوّل فِعل إيمانٍ بيسوع المسيح المخلّص (سوف يقول الآباء إنّ مريم، يوم البشارة، “حبِلت بالمسيح بالإيمان في قلبها، قبل أن تحبل به في جسمها”). لن تصبح مريم، بتلك الكلمة، أمّاً ليسوع كسائر الأمهات اللذين ينجبن أطفالاً، بل ستحرص لكي تجعل ابنها يحيا فينا ونحيا فيه منتقلين، مثلها، إلى العهد الجديد. وعندما سيقول المسيح من أعلى الصليب: “هذا ابنكِ. هذه أمّكَ”، لن يكون ذلك منه كلاماً فارغاً، بل يكون إعلاناً رسمياً لدور مريم في الأمومة الروحية وفي منح الحياة الإلهيّة. يقول بول أفدوكيموف: “لمّا أعطت المسيح من جسدها، صار بينهما قرابة عصب. وإنّنا، بذلك الجسد الذي قدّمته للمسيح، أصبحنا شُركاء الكلمة في طبيعته الإلهيّة.”
ليكن لي حسب قولك
إن الله لا يدعونا لحياة سهلة، ومريحة بل لحياة أفضل بكل ما تحمل هذه الحياة من تحديات وصعوبات، لكنه هو ذاته يضمن لنا النصرة والغلبة فيها، ويهيئ لنا طريقاً في المواقف الصعبة. لا يطلب الله منا مؤهلات خاصة، لكنه يطلب القلب الوديع والمتواضع، الإيمان الواثق في قدرته. يطلب الثقة فقط.. فهل تثق في الله، هل تقول مع مريم “ليكن لي حسب قولك”؟ هل تثق بمن قال عنهُ الرب: ” أم أي إنسان منكم إذا سأله ابنهُ خبزًا يُعطيه حجرًا، وإن سألهُ سمكة يُعطيه حية، فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تُعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري أبوكم الذي في السموات يهب خيرات للذين يسألونه” (متى ٧ : ٩ – ١١).
كلمات ربما قرأتها مرارًا كثيرة، وأصبحت بالنسبة لكَ مجرَّد عبارات تقرأها وترددها، لكن الروح القدس يقول لنا، أنَّ كلمة الله حيَّة وفعَّالة، وأمضى من كل سيف ذو حدِّين، ولو أعطيتها الفرصة اليوم فهيَ سوف تخترق إلى مفرق النفس والروح، لكي تُحرر نفسك من كل ما كانَ يمنعها من تصديق الله، من قبول إرادته، والثقة بهِ، لكي ترى آياته ومعجزاته تتحقق في حياتك من جديد.. اسمعهُ معي يُردِّد تلكَ الكلمة مرارًا عديدة:
” وإذا مفلوج يقدمونه إليه مطروحًا على فراش، فلمَّا رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج: ثق يا بني، مغفورة لكَ خطاياك ” (متى ٩ : ٢).
“وفـي الليلـة التالية وقف بهِ الرب وقال: ثق يا بولس، لأنَّكَ كما شهدت بما لي في أورشليم، هكذا ينبغي أن تشهد في رومية أيضًا ” (أعمال ٢٣ : ١١).
” لأنَّ الجميع رأوه واضطربوا، فللوقت كلَّمهم وقال لهم: ثقوا. أنا هوَ، لا تخافوا ” (مرقس ٦ : ٥٠). ” قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام، في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا. أنا قد غلبت العالم ” (يوحنا ١٦ : ٣٣). ثق يا أيها المفلوج.. ثق يا بولس.. ثقوا أيها التلاميذ..
وماذا كانت النتائج؟
المفلوج شفي.. بولس شَهِدَ للرب في كل المسكونة وكان محميًا.. الريح هدأت ونجا التلاميذ من الغرق.. أمَّا الآن فماذا عنكَ أنت؟ تجاهل كل ما يُعاكس أو يُناقض وعود الله، وثق بهِ فقط..
هل يقول لكَ الأطباء لا مجال للشفاء من هذا المرض؟ هل تقول لكَ الظروف لا مجال للتخلُّص من هذه المشكلة؟ هل تقول الأبواب مقفلة ووضع البلد صعب؟ الحل واحد، ويتمحور كلهُ حول كلمتين صغيرتين في هذا الصباح: ثق به !!!
قرأت عن رجل شيخ فيلسوف كان يقيم هو و ابنه وحيد له فوق جبل عالى , و كان يملك جوادا ,علما بان الحصان لا غنى عنه لمن يقطنون الجبال العالية , و فى ذات يوم شرد حصانه و تاه فجاء إليه جيرانه لكى يعزوه و يقولون له ” اصبر على هذه الكارثة ” و كان الفيلسوف يؤمن بإرادة الله , فقال لهم فى دهشة : و ما أدراكم إنها كارثة؟ فلم يجد الجيران ما يقولونه و عادوا الى أدراجهم و بعد فترة عاد الجواد الهارب و لكن لم يكن وحده فقد كان معه مائة من الخيل البرية الشاردة قادها معه الى مكان الشيخ . أسرع الجيران يهنؤونه بهذا الخبر الحسن , فأذ بالشيخ يقول لهم : و ما أدراكم انه خير ؟ فصمم الجيران ألا يتحدثوا إليه بعد اليوم.
وفى أحدالأيام كان ابنه الوحيد يدرب أحد الخيول البرية فجمح به فكسر رجله فتحامل الجيران وذهبوا إليه ليعزوه فى هذه المصيبة . فإذا بالشيخ يقول لهم فى حدة و ما أدراكم إنها مصيبة ؟ و بعد فترة قامت الحرب فجمعوا الشباب للحرب , فماتوا فى المعركة ماعدا ابن الشيخ المصاب الذى كسرت رجله, فقد نجى من الموت و لم يكن كسر رجله مصيبة.