إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

الحياة الرهبانية الباسيلية

1 1٬294

يُعد القديس باسيليوس هو أحد أبرز الشخصيات في تاريخ الكنيسة قاطبة، لُقب بالكبير لتأثيره البالغ في التاريخ الكنسي والرهباني في القرون الخمس الأولى. فقد وُلِدَ باسيليوس بكبادوكية على أرجح الآراء ـ سنة ٣٢٩م، وهو ينتسب إلى أسرة مسيحية ضمت جدته لأبيه ماكرينا، تلميذة القديس غريغوريوس الأنطاكي، وقد قاست وزوجها اضطهاد مكسيمينوس الثاني، وظلا يهيمان على وجهيهما هربًا في الغابات والجبال لمدة سبع سنوات فقدا فيها معظم أملاكهما كما يخبرنا بذلك القديس غريغوريوس النيصي في مقالته العشرين، وبقى من بنيهما إثنان هما غريغوريوس وباسيليوس، صار الأول أسقفًا على إحدى إيبارشيات كبادوكية. والثاني أبو القديس باسيليوس، ويدعي أيضًا باسيليوس.

تزوج باسيليوس الأب بامرأة فاضلة تدعى “إماليا”، كان أبوها استشهد من جراء ضطهاد مكسميونس الثاني. أثمر هذا الزواج عن عشرة أطفال، كانت أكبرهم، ابنة تدعى ماكرينا على اسم جدتها التي ستعلب دورًا مهمًا في حياة أخيها الأصغر باسيليوس، وفقا لسيرتها التي دونها شقيقها غريغوريوس أسقف نيص.أسرة ضمت ثلاث أسقافة وهم: باسيليوس (موضوع دراستنا) على قيصرية، وغريغوريوس على نيص، وبطرس على سبسطية.

ورث باسيليوس حب العلم على ما يبدو من أبيه. وكان بيته أول مدرسة له، بدأ باسيليوس الصغير يتردّد على المدرسة الموجودة في المدينة، ثم التحق بمدرسة أخرى في مدينة القسطنطينية، وهناك أكمل درس الفلسفة، وتعمق في علم التاريخ واللغة اليونانية وآدابها وفلسفتها. استطاع أن يبني في القسطنطينية صداقات عدة، ولكن تبقى صداقته للاهوتي الكبير القديس غريغوريوس النزينزي أعمقها وغدت صداقتهما فصلاً رائعًا في تاريخ الآباء. ثم أرتحل باسيليوس إلى أثينا سنة ٣٥١م طبقًا لما كان متبعًا آنذاك بالنسبة إلى الذين يريدون أن يتموا دراساتهم العليا. كانت أثينا مركز الآداب والمعرفة في العالم القديم. أمضى باسيليوس قرابة خمسة أعوام في المدينة العتيقة أثينا، ولدينا محصول وفير من المعلومات عن حياته هناك ما كتبه صديقه غريغوريوس النزينزي الذي كان قد سبقه إليها، يقول غريغوريوس إن شهرة باسيليوس كانت قد سبقته إلى أثينا، وأنه كان بارعًا في كل فروع من فروع العلم كما لو كان متخصصًا فيه وحده. كانت أحب المواد إليه الفصاحة والبيان والفلسفة والفلك والهندسة والطب.

بعد كد وجهد مريرين في العلم والمعرفة أنهى القديس علومه وقرر العودةَ إلى البيت، ولما عاد خاب أمله إذ وجد تصدعاً في المنزل لم يكن يتصوره، فجدّته كانت قد توفيت ووالده باسيليوس أيضاً، وبقيت أمه المسكينة تتحمل أعباء أخوته ومسؤولية أملاك واسعة. فحزم باسيليوس أمره وعزم على لملمة الأمور وإراحة أمه التي بدا على وجهها التعب و الإرهاق، وساعدته في ذلك أخته الشجاعة ماكرينا، أهتم باسيليوس بأسرته أشد الاهتمام وكان بمنزلة الأخ والأب في الأسرة، وبقي بعيداً عن الفلسفة التي أحبها وعن العلم الذي جمعه حتى كبر إخوتُه وأخواته وتزوجوا ما عدا غريغوريوس الذي ترهّب وبطرس الذي دخل في سلك الكهنوت.

بعد أن تفرغ لنفسه واطمئن على إخوته، عاد إلى العلم والبحث، فأسرع الأساتذة في المدينة إلى ضمّه إلى صفوفهم، ورتبوا له تعليم البلاغة والفصاحة، فأبدع فيها وأحسن. ولكن في الوقت نفسه أدركه الغرور ونال منه، وأخذ يستعلي ويستكبر بسبب علمه وثقافته، وتطلع إلى المراكز العالية التي يشغلها أمثاله. كما يخبرنا بذلك أخوة القديس غريغوريوس أسقف نيص، إلا أن أخته ماكرينا، وهي امرأة قوية وذكية، ساعدته كثيراً على العودة إلى حياته الطبيعية وإلى المثل والقيم التي نمى عليها، فقد كانت تراقبه عن كثب وتنصحه دائماً حتى يبتعد عن الاسترسال في التهوّر والغرور والتجبّر، وظلت تذكره بالتربية التي تلقاها في بيت والده، ونجحت أخيرًا في عودته إلى صوابه. ويسجل ما حدث معه بهذه الكلمات: “بعد أن أمضيت زمناً طويلاً في الأباطيل وصرفت عهد شبابي في الكدّ والجدّ في تحصيل العلوم وبلوغ حكمة تنكرها الحكمة الإلهية، صحوت يوماً كما يصحو النائم من رقاد عميق، ولمحت النور المشرق من تعليم الإنجيل. فعرفت بطلان الحكمة التي تعلمتها وأدركت فراغها وزوالها وأسفت أسفاً شديداً على ما مرّ من عمري حتى الآن. وعرفتُ أن لا سبيل إلى بلوغ الكمال إلا بأن يبيع المرء ماله ويعطي للفقراء نصيبهم ويتخلّى عن مطامع الحياة جميعها حتى لا يبقى للنفس ما يعكر صفوها من كل ما في الدنيا من أشياء…). وعند هذا الارتداد اقتبل القديس باسيليوس سرّ المعمودية، كما كانت العادة في ذلك الزمن.

اختار بقعة في البنطس تسمى إيبورا على نهر الإيرس، لما تمتاز به من جمال طبيعي خلاب وهدوء. كان يعشق الطبيعة، وله تأملات كثيرة في السماء، والنجوم، والطيور وأجناسها، والأسماك، والحيوان، والنبات وغيرها. كان يصفها وصف عالم عاكف على دراستها. وكان يرى حكمة الله وراء جميعها، يقول “إذا كنت في حدود الليل تتأمل الجمال الأخاذ الذي للنجوم. فإنك ترى الفنان الذي صممها وزين السماء بهذه الورود. وإذا كنت في الصباح المبكر، تتعلم عن عجائب النهار، وخلال الأشياء المنظورة ـ تصل إلى غير المنظور”. في بدء النهار ينهض للصلاة وتسبيح الخالق بالترتيل والأغاني الروحية. ومع شروق الشمس يبدأ العمل مصحوبًا بالصلاة. إن سكون الوحدة هو بدء تنقية النفس، والعقل إن لم يضطرب لأي شيء، ولم يتشتت عن طريق الحواس في أمور العالم، يرتد إلى ذاته، ويرتفع إلى التفكير في الله…” هناك في الوحدة وجد في الأسفار المقدسة ـ كما في مخزن الأدوية ـ العلاج الحقيقي لعلته. بدأ في خلوته في البنطس نظامًا نسكيًا شديدًا، يبدو أنه تسبب في ضعف صحته ضعفًا شديدًا، الأمر الذي شكا منه مرارًا كثيرًا في رسائله.

وسرعان ما عُرف باسيليوس في حياته الجديدة وذاعت شهرته، فأصبح نواة تجمع حوله نساك البنطس وكبادوكية. ولم يكن هو أول من أدخل الحياة الرهبانية إلى البنطس فقد سبقه إلى ذلك يوستانيوس الأنطاكي الذي من سبسطية، الذي سجل باسيليوس إعجابه بشخصيته النسكية، الذي كانت لديه قدرة عجيبة على إثارة محبة الكثيرين للحياة الرهبانية، إلا أنه لم يكن لديه موهبة القيادة الصحيحة والكافية في هذه الحياة. وعلى الأكثر، لأن ليوستانيوس لم يكن له مواقف إيمانية ثابتة، فقد كان في شبابه تابعًا لأريوس. تسبب تارجح يوستانيوس بين الإيمان القويم والأريوسية في ضعف مجموعاته الرهبانية الكثيرة التي كانت في أرمينيا الصغرى وبنطس وكبادوكية وأماكن أخرى فظهرت عليها ضعف روحي، وإنحرافات كثيرة سواء بإرادتهم أو من غير إرادتهم.

الحياة الرهبانية الباسيلية
ان الحياة الرهبانية كانت حلمًا قديمًا عند باسيليوس. فعندما كان في أثينا تحدث عن مشروع نسكي مع صديقه غريغوريس النزينزي، وقد تعاهدا على الزهد بالخيرات الزمنية لأنها عابرة. وتكشف الرسائل المتبادلة بينهما، فكرة القديسين عن الحياة الرهبانية، فالنزينزي كان يقول بحياة رهبانية غير منفصلة تمامًا عن العالم تهدف إلى خدمة الفقراء والمحتاجين، لكن تكاثر الصعاب في الحياة منعت غريغوريوس النزينزي من تحقيق حلمه. أما باسيليوس الذي شدد على الانفصال على العالم تمامًا. تأثر باسيليوس بنسك الرهبان بالإسكندرية وصعيد مصر وفلسطين وسوريا وبلاد ما بين النهرين، وبمقدرتهم على الصوم والسهر واحتمال المشقات. اختار باسيليوس غابة منعزلةً محاطةً بوادين ضيقين عميقين، تقع صومعته على قمة الجبل المشرف على الوادي. يصف هو المكان قائلاً: “ما يبهجني أكثر من كل ذلك هو السكون الذي يختم على المكان، لا يقطعه إلا بعض الصيادين الذين يأتون من وقت لآخر لصيد الماعز البري والأيائل التي تكثر في البرية. كيف استبدل هذا المكان بآخر؟!”.

في تلك العزلة النائية تعمق باسيليوس في درس مبادئ الحياة الرهبانية وفي البحث عن أصولها، فتوصل إلى أن الحياة النسكية والانقطاع التام عن العالم للعيش في الزهد والخلوة والتقشف، يساعد النفس كثيرًا على الاتحاد بالله. إلا أن الحياة النسكية المنفردة تعرّض الإنسان للكبرياء والغرور، لأن الفضيلة عند العاملين بها لا تخضع للتجربة وللمقابلة لأن الناسك لا يتعرض فيها للاحتكاك مع الآخرين والدخول في عراك حياة الجماعة، ويقلل من الخبرات والتجارب له. كما إن هذا النمط من الحياة تبعد الناسك عن العيش مع الآخرين الذين قد يفيدونه بأمثلتهم الفاضلة ونصائحهم الرشيدة . أما الحياة الرهبانية الرسولية والجماعية فهي أكثر حركة ونشاطاً وأكثر منفعة للآخرين. لكنها لا تخلو من الانشغال الباطل والانفعالات. فالأديرة الكبيرة العامرة بالرهبان، خصوصًا في الأديرة المصرية كانت كثيرة الضجيج، فالضوضاء كانت ترتفع من آلات الصناعات الكثيرة ومعها صخب الجماعات، فكانت تعكر صفو الوحدة مع الله وتمنع عن الصلاة الهادئة، وتسبب التشتت. ولهذا صمم باسيليوس على استنباط طريقة تجمع بين فوائد كلا النظامين، بين حياة تأملية واختلاء وبين حياة عاملة ناشطة، بين حياة النسك والحياة الجماعية.

عزم القديس باسيليوس على مزج الحياتين معاً، والاستفادة من خصائصهما الإيجابية وخلق حياة نسكية رهبانية جديدة تكون أكثر نضوجاً وفاعلية، ولا ننسى أن الهدف الأساسي أو الفكرة الأساسية التي كانت تدور في فكر القديس هي خلاص البشر وتمجيد الله. ورأى أن في دمج وتطوير الحياة النسكية المتوحدة والحياة الرهبانية الرسولية خير وسيلة للوصول إلى خلاص النفوس وتمجيد الله.

أسس باسيليوس في حياته أديرة صغيرة الحجم، قليلة السكان، أتاحت لرئيس الدير أن يراقب حياة مرؤوسيه عن كثب، فيوبخ أو ينصح، يثير الحماس أو يخفف منه، لأنه على اطلاع على حالة كل راهب من رهبانه. وفي هذه الأديرة الصغيرة يكون العمل بسيط فلا ينحرف عن غايته، ولا يبتعد عن هدفه فيصبح سبيلاً للتجارة والكسب. وقد نظم باسيليوس العمل، فحتّم أن تتخلله الصلوات خمس مرات في النهار، وأن يستهدف حاجة الدير والرهبان محذرًا من أن لا تمارس إلا المهن التي تتوافق مع غاية الحياة الرهبانية الأساسية.

قوانين القديس باسيليوس
كتب القديس باسيليوس القوانين الطويلة وهي مختصر لخمسة وخمسين حديثاً عن الحياة الرهبانية، والقوانين المختصرة تحوي على ٣١٣ سؤالاً وجواباً، وفيها يشرح قديسنا كل معاني و مشاكل الحياة الرهبانية. عدت القوانين بمثابة سند روحي للرهبان، وكمرشد لحياة الشركة ولتوضيح الهدف والوسائل والمبادئ والمصاعب والإطار الذي لابد أن تتحرك فيه الرهبنة. العمل النُسكي كان بمثابة قيادة وعظية ونُسكية مع إستخدام شواهد كتابية كثيرة.

القوانين المطوّلة: تتضمن هذه القوانين المطوّلة على مقدمة طويلة وعلى خمسة وخمسين سؤالا وجوابا، تتمحور حول تنظيم الحياة الرهبانية وأصول المعاملة في تعامل الإخوة الرهبان مع بعضهم البعض.

عناوين الأسئلة التي تتمحور حول الشؤون الروحية:
السؤال الأول: في نظام الوصايا وترتيبها؛ السؤال السادس:في لزوم العزلة والإنفراد؛ السؤال الثالث عشر:في أن ممارسة الصمت مفيدة للمبتدئين؛ السؤال السادس عشر:في الإمساك أي روح التضحية؛ السؤال الخامس والعشرون: في لزوم وجود رئيس لكل جمعية؛ السؤال السادس والعشرون:في كشف الأفكار للرئيس

السؤال الثامن والعشرون:في طريقة تصرف الجمهور غير المطيع؛ السؤال السابع والثلاثون:في عدم إهمال الأعمال بحجة الصلوات؛ السؤال السادس والأربعون:في انه لا يسوغ أن نكتم زلات أخينا عنه؛ السؤال الثاني والخمسون: في الاستعداد لقبول التأديب

عناوين الأسئلة التي تتمحور حول الشؤون التنظيمية
السؤال الرابع عشر: في الذين ينقضون نذورهم؛ السؤال الخامس عشر: في أي سن يباح للمبتدئين أن ينذروا؛ السؤال التاسع عشر: في قانون الإمساك؛ السؤال العشرون:في الطعام الذي يقدّم للضيوف؛ السؤال الحادي والعشرون:في الجلوس إلى المائدة؛ السؤال الثاني والعشرون: في اللباس الذي يليق بالراهب؛ السؤال الرابع والعشرون: في لزوم وجود رئيس لكل جمعية؛ السؤال الثالث والثلاثون:في طريقة مقابلة الراهبات؛ السؤال الرابع والثلاثون:في الوكلاء؛ السؤال السادس والثلاثون: في الذين يخرجون من الجمعية؛ السؤال الرابع والأربعون في الذين يسوغ أن يؤذن لهم السفر ؛ السؤال الخامس والأربعون: في نائب الرئيس السابع والأربعون: في الذين لا يذعنون لأحكام الرئيس؛ السؤال الرابع والخمسون: في تفاوض رؤساء الاديار معا.

عناوين الأسئلة التي تتمحور حول الشؤون السلوكية أو الأخلاقية
السؤال التاسع:في عدم ترك المقتنى لذوي القرابة؛ السؤال الحادي عشر:في العبيد الأرقاء؛ السؤال السابع عشر:في وجوب الإمساك عن الضحك؛ السؤال الثامن عشر في لزوم التناول من كل ما يقدّم لنا؛ السؤال التاسع والعشرون: في من يعمل بتشامخ أو تذمر ؛ السؤال الثاني والثلاثون:في طريقة التصرف نع الأقارب الجسديين؛ السؤال التاسع والثلاثون:في بيع الحاصلات والمصنوعات الرهبانية؛ السؤال الأربعون:في الأسواق التي تقام في الاحتفالات والأعياد؛ السؤال الثاني والأربعون في الغاية التي يجب أن نقصدها حين نعمل أعمالنا؛ السؤال الثالث والأربعون:في صفات وواجبات الرؤساء؛ السؤال الثامن والأربعون: في انه لا يسوغ أن نفحص عن تدابير الرئيس؛ السؤال الخمسون: في طريقة التوبيخ والتأديب؛ السؤال الحادي والخمسون في طريقة علاج زلات المذنبين؛ السؤال الثاني والخمسون: في الاستعداد لقبول التأديب؛ السؤال الثالث والخمسون:في تهذيب معلمي الصنائع لتلاميذهم؛ السؤال الخامس والخمسون في استعمال العلاجات الطبية.

عناوين الأسئلة التي يتمحور حول الشؤون الرهبان
السؤال السابع:في فضل العيشة المشتركة على عيشة التوحد؛السؤال الثامن: في التجرد؛ السؤال العاشر:في قبول الطلبة والمبتدئين؛ السؤال الثاني عشر:في قبول المتزوج؛ السؤال الثالث والعشرون:في لبس الزنار السؤال؛ الثلاثون:في روح الخدمة في نفس الرئيس؛ السؤال الحادي والثلاثون:في قبول خدمة التي يؤديها الرئيس؛ السؤال الخامس والثلاثون: في عدم اقامة عدة أديار في بلدة واحدة؛ السؤال الثامن والثلاثون:في الصنائع الموافقة للحلة الرهبان؛ السؤال الحادي والأربعون:في السلطة والطاعة في الأعمال والصنائع؛ السؤال التاسع والأربعون: في المباحثات التي تحدث بين الإخوة

القوانين المختصرة للقديس باسيليوس الكبير تتضمن مما يلي:
رسالة قانونية أولى موجهة إلى امفيلوخيوس، أسقف ايكونيا من أعمال فريجية، كتبت في العام ٣٧٤ قد أدرجت هذه الرسالة في مقدمة وستة عشر قانونا ( ١ – ١٦ ) .

رسالة قانونية ثانية موجهة إلى امفيلوخيوس تتضمن هذه الرسالة ثلاثة عشر قانونا (١٧ – ٥. )، كتبت في العام ٣٧٥ .

رسالة قانونية ثالثة موجهة إلى امفيلوخيوس. كما ذكرنا أعلاه أن القديس باسيليوس الكبير أرسل رسالتين إلى امفيلوخيوس أسقف ليكونيا وقد شكلت هاتان الرسالتان القوانين الخمسين السابقة .

بعد ذلك أرسل امفيلوخيوس رسالة إلى القديس باسيليوس تحمل أسئلة متنوعة بحاجة إلى أجوبة، فجاءت أجوبتها في رسالة ثالثة يشكل مضمونها ٣٥ قانونا . أولها القانون ( ٥١) .

الروح العملية هي واضحة في النصوص. إهتمامه الأول هي أن يَقنع بأن الإنسان ككائن إجتماعي (مبادئ متسعة فقرة٣ ). يجب أن يحيا حياة الشركة فالرهبان المتفرقين لابد أن يصيروا في شركة كأخوة معًا. يجب أن يوجد مشرف روحي مسئول عن الأخوة، وعلى الأخوة أن يطيعوه ولأول مرة، الاعتراف يصير قانون هام للحياة الروحية. (انظر المبادئ المتسعة فقرة٢٦، والمبادئ المختصرة فقرة٢٢٩). الحياة اليومية للرهبان تخصص بتوزان للصلاة وللعمل وللدراسة. كان يَصّر على دراسة الكتاب وعلى البُعد التربوي للرهبان ولأجل هذا الغرض لديهم في الأديرة معلمين. (مبادئ مختصرة فقرة٢٩٢). ما كان يشغل باسيليوس هو تحرَّر الإنسان من الشهوات ومن تأثير الشيطان لكي يصل إلى الهدف النهائي للإنسان، أي إلى “مجد” الله.

تبع نظام القديس باسيليوس فيما بعد رهبان بالآلاف، حتى بلغت شهرة قوانينه إلى الغرب، واستوحى منها القديس بنديكتوس مؤسس الحياة الرهبانية في الغرب.

رؤية القديس باسيليوس الرهبانية
استفاد باسيليوس كثيرًا من دراسته للفسلفة في تخطيطه للحياة الرهبانية. أن الإنسان، الذي خُلق على صورة الله ومثاله يلتزم بالسعي إلى الله التزامًا عامًا ثابتًا لان الله هو الخير الذي يفوق كل خير، وكل الخيرات هي زائلة وباطلة. للوصول إلى هذا الهدف على الإنسان استثمار كل ما حباه الله من ملكات ومقومات ومؤهلات حتى يصل إلى الهدف المنشود، خاصة العقل الذي يبين له الأصول والمؤشرات الضرورية لكي لا يقع في الضلال، ولا يتيه في الغرور. ثم الإرادة التي تمكن الإنسان من شد عزيمته وشحذ همته وحمله على مغالبة العقبات التي تعترض مسرته، خاصة الخطيئة وهموم الحياة والآلام، التي لا تفارق الإنسان منذ مولده حتى موته. وأخيرًا عليه أن يلجأ إلى الضمير الذي يدل الإنسان على الخير ليعمل به، وعلى الشر ليحذر منه. أن الله لم يترك الإنسان وحيدًا في المسيرة، فقد وهبه كثيرًا من الامكانيات والمقومات ووثق به وبقدرته على السير قُدُمًا إليه.

لا بد للإنسان، حسب باسيليوس، من معرفة عميقة للنفس والاطلاع على مواطن الضعف فيها واستكشاف المواهب التي بثها الله في الإنسان. فهذه المعرفة هي رأس الحكمة، وهي الأساس الذي يقوم عليه كل بناء الحياة الروحية والرهبانية. ثم بعد هذا النزول إلى الأعماق يبدأ الإنسان باستئصال بذور الشر وجذور الخطيئة فيه، واصلاح ما فيه من خطأ وضعف. وفي النهاية يصل الإنسان مرحلة يلتزم فيها بممارسة العمل الصالح، ليكون إيجابيًا في نهج العمل.

بعد هذه المرحلة التي سلكها الإنسان للوصول إلى الكمال يصل إلى مفترق طريقين. فهو أما أن يتابع المسيرة في العالم الحافل بالخير والشر معا فيقوم بكل واجباته المسيحية، ويلتزم بالمُثل العليا التي طلبها الإنجيل من كل إنسان يريد أن يوثق علاقته بالله، أما أن يذهب بعيدا فيسلك طريقا آخر للكمال. طريق صعب لأنه يستلزم من الإنسان بذلاً يصل إلى التضحية بطاقات هائلة، حسنة وخيرة، زرعها الله في نفس الإنسان ليبلغ به إلى السعادة. عليه التضحية بطاقة الزواج واختيار البتولية، طاقة العائلة والسعادة البيتية واختيار شظف العيش بشجاعة وفرح.

لمساعدة السالكين في طريق الرهبنة، أتاحت قوانين باسيليوس التردد على مرشد حكيم، يسهر على حياة الطالب، وينصحه في الصعاب ويراقبه لئلا يقع في الهوس والغرور ويحث خطواته للسير بثبات، ودون ملل او فتور. وشددت القوانين على الصمت والالتزام بالخلوة والهدوء. ليس الصمت الخارجي فقط، بل الداخلي أيضًا، فمن الضروري لملمة النفس لحواسها وأمورها، وطرح الهموم الدينوية، والبعد عن الارتباك والانشغال والتمحور حول الذات. والوحدة “هي دواء للأهواء والشهوات لأنها تهدئها وتقربنا لله وخاصة عندما تكون مقرونة بالصلوات والترانيم”. وهذه يجب أن ترافقنا دائمًا لأنها “تثبت النفس في الفرح وتخرجها من الأحزان” {رسالة٢}.

شددت القوانين أيضًا على التجرد عن كل شيء واخماد رغبة التملك، ونسيان الذات واهمال كل شيء يعيق العلاقة مع الله. ويأتي العمل كوسيلة للاماتة، فيركز باسيليوس على الابتعاد عن كل عمل يشغل البال كثيرًا، ويستلزم جهدًا كبيرًا للحصول على المواد الأولية وتصريف المحصول. يعطي العمل لكل راهب وفقا لامكانياته ومؤهلاته، وليس ما يطلبه هو.

والصلاة المقبولة هي التي تطبع في النفس فكرة واضحة عن الله، وهذا هو معنى تسبيح الله، أي أن نجعل، بالذكرى، الله قائمًا فينا. وهكذا عندما لا تقطع الهموم الدنيوية هذه الذكرى نصبح هيكلاً لله. فمن يحب الله يبقى بالقرب منه ويقتل في نفسه كل رغبة تقوده إلى الرذيلة ويلتزم حياة الفضيلة {رسالة٢}.

هكذا لكي نسلك طريق القداسة، لا يكفي حسب القديس باسيليوس أن نبتعد عن الرذائل بل أن نلتزم بالمحبة في معاملتنا مع الناس: نفتقد المرضى والمسجونين، نروي العطشان، نكسو العريان ونُطعِم الجائع… وهذه الأفعال جميعها أساسها الكتاب المقدس الذي يروي لنا سيرة القديسين ويدعونا للإقتداء بها. فمن يوسف نتعلم العِفة ومن أيوب الصبر والشجاعة.. وكما يتوجب على الرسام الماهر أن ينظر مرارًا إلى نموذجه ويحدق فيه، كذلك يقول لنا باسيليوس، علينا نحن أيضًا أن نثبت النظر في قديسينا {رسالة٢}.

باسيليوس رائد الحياة الرهبانية في الغرب
انتشر نهج القديس باسيليوس في كبادوكية، وانحاء سوريا وفلسطين وحتى في مصر بفضل روفينوس الذي تلك الأديرة وترجم كتابات باسيليوس، خاصة القوانين المطولة والمختصرة في كتاب واحد ضمت ٣٠٠ سؤال وجواب. تلك الترجمة التي عرفها القديس بندكتوس ورهبان الغرب واعتمدها لسنّ قوانينه. واستعان بها رؤساء أديرة فرنسا في القرن الخامس والسادس لاصلاح بعض جوانب الحياة الرهبانية في ذلك الحين. ان البابوات أنفسهم: ليباريوس، داماس والقديس لاون ثبتوا وباركوا قوانين القديس باسيليوس وشجعوا على العمل بنهجها.

باسيليوس وباخوميوس
يتشابه كلا النظامين من حيث التركيز على الحياة الجماعية على مثال الجماعة المسيحية الأولى بأورشليم، ورفضهم للحياة النسكية التوحدية. تعد الأخوية التي أسسها القديس باسيليوس بمثابة الخبرة الجماعية الثانية، بعد الكونيونيا الباخومية، التي أثرت بشدة فى تاريخ الحياة المكرسة . تختلف الأخوية الباسيلية عما أسسة القديس باخوميوس فى نواحى شتى. فمكان الأديرة ليس بعد فى الصحراء كما هو الحال فى أديرة القديس باخوميوس وأنما داخل المدن ذاتها .كما أن الدير لا يحيط به سور عالٍ يعزله عن العالم الخارجى وليس كبيراً ولا يشيه القرية الصغيرة كما هو الحال فى الأديرة الباخومية. تمتاز أديرة باسيليوس بأنها صغيرة من حيث المساحة تضم مجموعة قليلة من الرهبان وليس هناك رئيس مباشر بل هناك حارس لأخوته الرهبان .فالنظام الجيراركي الذي وضعة باخوميوس ألغاه باسيليوس قاصدًا بذلك أن تكون العلاقات التى تربط الرهبان أكثر بساطة وتلقائية فهى علاقات بين إخوة تجمعهم المحبة المتبادلة أكثر من وجوب الخضوع لنظام موحد، كما هو الحال فى الأديرة الباخومية، وكنتيجة لهذا لم يضع باسيليوس قانونًا محدداً لجماعته ينظم به نحركات رهبانه داخل الأديرة كما فعل باخوميوس، بل فضل أن تكون القاعدة الأساسية هى المحبة البناءة ولهذا سميت جماعة “بالاخوية الباسيلية”.

قد يعجبك ايضا
تعليق 1
  1. جون يقول

    موضوع رائع

اترك رد