إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

العظة على الجبل 1

0 1٬096

مسئولية المسيحي اليوم!!
مت ٥/١٣- ١٦: أَنتُم مِلحُ الأَرض، فإِذا فَسَدَ المِلْح، فأيُّ شَيءٍ يُمَلِّحُه؟ إِنَّه لا يَصلُحُ بَعدَ ذلك إِلاَّ لأَنْ يُطرَحَ في خارِجِ الدَّار فَيَدوسَه النَّاس. «أَنتُم نورُ العالَم. لا تَخْفى مَدينَةٌ قائِمَةٌ عَلى جَبَل، ولا يُوقَدُ سِراجٌ وَيُوضَعُ تَحْتَ المِكيال، بل عَلى المَنارَة، فَيُضِيءُ لِجَميعِ الَّذينَ في البَيْت. هكذا فَلْيُضِئْ نُورُكُم لِلنَّاس، لِيَرَوْا أَعمالَكُمُ الصَّالحة، فيُمَجِّدوا أَباكُمُ الَّذي في السَّمَوات

بعد موت الاميرة ديانا بخمسة أيام، وصلنا خبر وفاة الام تريزا،التي خدمت الفقراء، المحتاجين، الايتام والمرضى لمدة ٤٥ عامًا. وعند وفاتها كانت قد تأسست ٦١٠ ارساليات في ١٢٣ دولة حملت اسمها ورسالتها نبعت من محبتها للرب يسوع المسيح.

تأسفت يومها أن المجد الذي حصلت عليه الاميرة ديانا من العالم كان أضعاف الذي حصلت عليه الام تريزا يوم وفاتها. ولكن الام تريزا أختارت النصيب الصالح واختارت ان تعطي المجد للرب، وتجعل الرب يقود حياتها، فبدأتها بتمجيد الله واختيارها قيادة الرب لحياتها وحتى يومنا هذا كل من عرفها يتذكر رائحة المسيح الذكية التي ظهرت في حياتها. مَن من هاتين السيدتين كان أكثر تأثيراً في محيطه، هل الأميرة أم الأم الفقيرة؟

إن كانت التطويبات تضع أمامنا الصفات الجوهرية لأتباع المسيح، فإن الملح والنور يصوران التأثير الصالح التطويبات في العالم. وفي قولنا إن المؤمن يستطيع أن يؤثر تأثيراً جيداً في العالم تواجهنا بعض الأسئلة:

ترى، ما هو التأثير الصالح المستمر الذي يستطيع أن يمارسه هؤلاء المطوبون في هذا العالم القاسي العاتي؟ ما هو التأثير الصالح المستمر الذي يستطيع أن يصنعه الفقراء، والودعاء، والحزانى، والرحماء، والذين يحاولون أن يصنعوا سلاماً؟ كيف يصمدون أمام فيضان الشر العاتي؟ وما الذى يستطيع أن يحققه أصحاب العواطف المتجهة بكليتها إلى البر، وكل سلاحهم هو نقاء القلب؟ أليس مثل هؤلاء أضعف من أن يحققوا شيئاً ،وهم أقلية في هذا العالم؟

من الواضح أن فكر المسيح لم يتطرق إلى مثل هذه الشكوك بل على العكس، فهو يقول أن العالم سيضطهد الكنيسة (الأعداد١٠-١٢). وبالرغم من ذلك فإن دعوة الكنيسة هى أن تخدم هذا العالم الذى يضطهده (الاعداد ١٣-١٦). ليس أمامنا إلا أن نقدم الحب والصدق مقابل الكراهية والكذب. فهل يعقل أن يقول المسيح أن مجموعة صغيرة من فلاحى فلسطين، سيمتد تأثيرهم ليكون ملحاً لكل الأرض، ونوراً لكل العالم؟

أستخدم يسوع تشبيهين من الحياة اليومية ليدل على هذا التأثير، شيئان يستخدمهما كل بيت حتى ولو كان فقيراً وهما (الملح) و(النور). لا شك أن المسيح أإثناء طفولته كان يرى أمه تستخدم الملح في الطعام وتضئ السراج في الليل ، فالملح والنور ضروريان لكل بيت. الحاجة للنور واضحة أما الملح فله إستخدامات كثيرة فهو يعطى الطعام مذاقاً ويحفظه من الفساد. قبل ظهور الثلاجات كانوا يستخدمون الملح ليحفظ اللحم والأسماك من الفساد.

وواضح إذاً من هذين التشبيهين المعروفين أن الرب يفرق بين العالم والكنيسة، فهم مجتمعان منفصلان ومختلفان، ففي جانب يقف العالم وفي الجانب الأخر تقف الكنيسة كنوراً للعالم وملحاً له. ويفيد هذان التشبيهان معنى آخر فالعالم مكان مظلم. قد يكون فيه ضوء خافت لكنه بلا نور ذاتى ومن هنا فهو يحتاج إلى مصدر خارجى للنور ليضئ له ويتحدث العالم دائماً عن الإستناره لكنه يفتخر بأمور هى في واقعها ظلام والعالم أيضاً في حالة انحلال وفساد مستمر وبلا طعم فيجب أن يضيف المؤمنون إليه ملحاً، لكى يستساغ طعمه “فمن المستحيل أن تجعل العالم مقبولاً أمامن الله ولا يقدر أحد أن يوقف حاله الانحلال والاضمحلال هذه إلا بالملح الذى يأتي من خارج العالم، فيعمل فيه مفعوله والكنيسة من الجانب الأخر موجودة في العالم لغرضين: فهى” كملح ” توقف أو على الأقل تعيق عملية الإنحلال الإجتماعى ، و”كنور” تستطيع أن تزيل الظلام.

وعندما نتأمل هذين التشبيهين بعمق، نجدهما يسيران في خط متواز مع بعضهما، ففيهما يؤكد المسيح أولاً “أنتم ملح الأرض. أنتم نور العالم” ثم يضيف تعقيباً على الشروط التى لا يعمل الملح والنور إلا بها: فالملح ينبغى أن يحتفظ بملوحته والنور يجب ألا يوضع تحت المكيال. فالملح لا يصلح لشئ إن فقد ملحه والنور لا يفيد شيئاً إن أخفيناه.

الملح والأرض
“أنتم ملح الأرض”.. بدون الملح يفسد السمك أو اللحم، بدون الكنيسة يفسد العالم، الكنيسة تعوق هذا الإنحلال. ليس المقصود إنحلال أخلاقي، بل هو سيطرة روح الشر على العالم. غير أن تأثير الملح تأثير مشروط بشرط، هو أن يحتفظ بملوحته. ونحن اليوم نتعجب من هذه العبارة، لأننا نعلم أن الملح لايمكن أن يفقد ملوحته فقد تعلمنا أن ملح الطعام “كلوريد الصوديوم” مادة كميائية شديدة الثبات، تقاوم تأثيرات كل العوامل الخارجية ، إلا أنه من الممكن أن يتلوث ببعض النفايات ، فيصبح غير صالح وأحياناً ضاراً، لأن الملح الذى يفقد ملوحته لا يمكن إستخدامه.

“ليكن لكم في أنفسكم ملح” (مر٥٠:٩) هكذا يقول الكتاب. وملوحة المؤمن هي صفاته المذكورة في التطويبات وهى التلمذة المسيحية الملتزمة التى تظهر خلال الأعمال والأقوال (٣٤:١٤،٣٥)ولكى يكون المسيحى مؤثراً عليه أن يحتفظ بمسيحيته أن يكون مثل “المسيح ” كما أن الملح لكى يكون مؤثراً عليه أن يحتفظ بملوحته وإذا تشبه المؤمنين بغير المؤمنين وتلوثوا بقاذورات العالم ،فإنهم سيفقدون تأثيرهم فتأثير المؤمن في مجتمعه يتوقف على إختلافه عن العالم لا على التشبه به. وعظمة الكنيسة في إختلافها عن العالم وإحداث تأثير إيجابي به.

نور العالم
قدم المسيح التشبيه الثانى بنفس التأكيد”أنتم نور العالم” وقال بعد ذلك “أنا هو نور العالم”(يو١٢:٨،٥:٩) فالمؤمن نور ،لأن المسيح نور ينيره. فنورنا مستمد من نوره ونحن نضئ بنور المسيح في العالم مثل النجوم في الليل (في ١٥:٢) . وصف المسيح هذا النور إنه أعمالنا الحسنة في قوله لكى يروا “أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذى في السموات”. والأعمال الحسنة “يراها” الناس، هي أعمال ملموسة تعبر عن اهتمامنا بالآخرين، خاصة أعمال الشفقة ومساعدة الفقراء. ويقول الرب إنه عندمل يراها الناس يمجدون الله، لأن المؤمنين يجسدون أخبار المحبة السارة التى ينادون بها. وبدون هذا التجسيد، يفقد إنجيلنا مصداقيته، ولا يتمجد الله. وكما قيل عن “الملح”، هكذا عن” النور”، فنور العالم يتبعه شرط :”ليضئ نوركم هكذا قدام الناس”. وكما أنه من الممكن أن يفقد الملح ملوحته، هكذا يمكن أن يصبح النور الذي فينا ظلاماً (مت٢٣:٦). فعلينا أن نسمح لنور المسيح فينا أن يشع ويضئ للخارج، فيراه الناس.

نحن لسنا مثل مدينة قابعة في السفح، لا يرى الناس نورها، لكننا مثل مدينة قائمة على جبل، يرى الناس نورها عن بعد. ثم علينا أيضاً أن نكون مثل “السراج الموقد”، كما كان يوحنا المعمدان “السراج الموقد المنير” (يو٣٥:٥)، الذى كان يرفع عاليا على المنارة في مكان بارز، فيضئ لجميع الذين في البيت.ولا يخفون السراج تحت مكيال أو سرير، فيكون بلا نفع.

وعلينا، كتلاميذ للمسيح، أن لا نخفي الحق الذى نعرفه، أو الحق الذى نحياه، أو حقيقة وضعنا، ويجب ألا نتظاهر بخلاف حقيقتنا. لكن ليكن لدينا استعداد لنظهر مسيحيتنا للجميع. يجب أن نحيا الحياة المسيحية الحقيقية الواضحة للجميع والموصوفة في التطويبات، فلا نخجل من المسيح، حيث أن الناس سوف يرون أعمالنا الحسنة، ويمجدون الله، فيدركون أنه بنعمة الله نحن ما نحن، ونورنا هو نوره، وأعمالنا الحسنة هى عمله فينا وبنا. وعندها سيمجدون النور، لا المنارة التى تحمله! سيمجدون أبانا السماوي، لا الأولاد الذين اقتناهم والذين يتشبهون به.

قد يعجبك ايضا
اترك رد