الأحد الخامس من الصوم: المولود أعمي
كتب يوحنا أنجيله ليعلن إن يسوع هو ابن الله وإنه الإيمان به هناك حياة أبدية. وعبر صراحة عن هدفه في نهاية رسالته الأولى: “كَتَبْتُ هَذَا إِلَيْكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلِكَيْ تُؤْمِنُوا بِاسْمِ ابْنِ اللهِ” (1 يوحنا 5: 13). فيذكر في اصحاحه التاسع أحد الأدلة القاطعة عن من هويسوع المسيح؟ هو بحق المسيا، الشخص المرسل من الله لخلاص العالم. فيذكر معجزة شفاء المولود أعمي.
كانت هذه المعجزة محجوزة للمسيا. فكل المعجزات الأخرى شاركه أنبيائه قبله ورسله من بعده فيها، حتى اقامة الموتى. إيليا أقام ابن أرملة صرفت صيدا، وأليشع أقام اثنين، وبطرس من بعده، استخدمه الله لأن يقيم من الأموات طبيثة. كذلك ذات الأمر بالنسبة لشفاء المرضى فقد صنع الكثير من الأنبياء والرسل معجزات الشفاء. لكن كانت هناك معجزة محجوزة للمسيا أن يفتح عين العميان. كانت النبؤة عن المسيا بأنه سيفتح عين العميان.
ما هو سببب تخصيص هذه المعجزة للمسيا؟ لأن هذه المعجزة ليس إلا خلق من جديد، فالأعمى مولود لا تعنى إنه لا يُبصر، بل إنه وُلِد دون عينين، وُلِد بعيبٌ خلقي. لذلك استعمل الرب الطين، المادة التي منها خلق الإنسان. لقد خلق يسوع له عينان. من هذا الذي يَخلق؟ الله وحده الخالق. لا يمكن لإنسان أن يَخلق، لذا حجز الوحي الإلهي هذا الفعل للمسيا المنتظر، أن يفتح أعين العميان. لذا تستمد هذه المعجزة أهمية كبرى في إنجيل يوحنا، لأنها تكشف عن حقيقة يسوع، كابن الله، المسيا المنتظر، الذي بالإيمان به وحده ينال الإنسان الحياة الأبدية.
هذه المعجزة تكشف لنا أيضًا حقيقة الإنسان في ذاته، فهو أعمى لا يستطيع أن يكشتف طرق الله. لقد مر الأعمى بمحطات كثيرة، وبسرعة، إلى أن أبصر طريق الله.
المحطة الأولى: كان أعمى، معوز يستعطى الصدقة من الداخلين إلى الهيكل، يشعر بنقص القيمة، فهو مهمل من والديه الذي يُظهر حديثهم مع اليهود عدم اهتمامهم به، واستعدادهم للتخلى عنه. لقد أعتاد أن يعتبره الناس لعنة، ثمرة خطيئة: “أَهذا أَم والِداه، حَتَّى وُلِدَ أعْمى؟”. كلنا في حاجة إلى عبارات التقدير، وليس كلمات التقريع واللوم. فالعنف اللفظي أشد ضرواة من العنف الجسدي فهو غير ظاهر، لكن آثاره تبقى في ذاكرة الشخص. لقد أخطأ هذا الرجل، أو أبواه مما تسبب في إعاقته بهذا الشكل.
لقد اعاد الرب البصر للأعمى، جعله يرى جمال الحياة، أعطى له قيمة وأهمية فأصبح حديث المدينة في تلك الأيام. شعر بقيمته واهميته فقط مع الرب يسوع.
المحطة الثانية: لقاء الأعمى مع يسوع، تظهر قوة الله في الظروف الصعبة التي يمر بها الإنسان، في وقت الضعف يُظهر الله مجده وقوته. تفل يسوع على الأرض وخلق أعين جديدة لذلك الذي كان أعمى. قال له أن يذهب إلى بركة سلوام، وفسر يوحنا الكلمة بأنه تعنى المرسل. لا توجد طريقة تفتح أعين العميان قادرة على الخلق من جديد إلا من خلال هذا المُرسل من الله، ابن الله، وبه وحده خلاص العالم. وبه أُعطى لنا الحياة الأبدية: لِلَّذي قَدَّسَه الآبُ وأَرسَلَه إِلى العالَم (يوحنا 10: 36).
لقد أعترف الرجل بأنه أعمى، ترك المسيح يُطلي عينه بالطين، وهذا هو شرط الحصول على الخلاص. فلا خلاص لنا إلا إذا أعترفنا بأننا عميان، لدينا مظاهر نقص، هكذا قال بولس: جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا (1 تيموثاوس 1: 3). ثم أمن وصدق كلمة الرب الغريبة بأن يذهب إلى البركة ليغسل عينيه. لم يسأل لماذا البركة هذه بالذات، هناك أنهار كثيرة في أورشليم وعيون ماء، فلماذا لا أغسل عيني من أقرب نبع مياه؟
أبصر الرجل فلم يعرفه الناس. تعطي العينين منظرًا مختلفًا للشخص، فاختلف الناس حوله. التقى الرجل بالمسيح فتغير وجهه فلم يعرفه الناس. هل يري فينا الناس أشخاص مختلفون عندما نتقابل مع المسيح، أم نبقي كما نحن دون تغير. إن أول دليل على الإيمان الحقيقي إن الحياة تتغير، ونشهد أمام جميع الناس بإيماننا. ليرى الناس أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات.