إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

الأميرتين: ديانا والأم تريزا

0 786

في نهاية أغسطس عام 1997 توفت الأميرة ديانا في حادث أليم في قلب باريس. حصد الخبر اهتمام نشرات الأخبار التي تابعت الحدث وردود الأفعال لشهور طويلة. وفي ذات الأسبوع، وتحديدًا يوم الخامس من سبتمبر، انتقلت أميرة الفقراء، الأم تريزا، إلى السماء. لكن لم تحظى راعية الفقراء بالاهتمام الاعلامي كالأميرة ديانا، بالرغم من الشهرة التي كانت تتمتع بها الأم تريزا، بسبب ما قدمته للإنسانية وحصولها على جائزة نوبل للسلام. جاءت أخبارها على استحياء بعد أخبار أميرة بريطانيا العظمى.

عكس اهتمام وسائل الاعلام العالمية بالحدثين اختلاف لغة العالم عن لغة الملكوت. يمجد العالم السلطة والمال والشهرة، في حين كانت وصية المسيح لتلاميذه: “مَنْ أرادَ أنْ يكونَ عَظيمًا فيكُم، فلْيكُنْ لكُم خادِمًا” (مرقس 10: 34). فالطريق الذي يقود إلى العظمة الحقيقية، هو الطريق الذي سلكه يسوع إلى الصليب، مسيرة الحب في خدمة البشر، مسيرة تختلف عما ينادي به العالم.

يأتي احتفالنا اليوم بإعلان الأم تريزا، أميرة الفقراء، قديسة على مذبح الرب، ليؤكد لنا أن العظمة الحقيقية هي أن يضع الإنسان نفسه في خدمة أخوته. يقول الكتاب خادمًا، ويقصد الخدمة تمامًا كعبد. الخدمة ليست مجرد مساعدة بسيطة يقوم بها عند الحاجة، بل التزام دائم لأجل أن ينمو في المحبة. التزام دائم بخدمة الإنسان، الغريب والفقير والجائع والمريض، على مثال ما فعله السامري الصالح. التزامٌ جاد ببث الفرح والرجاء، تدفعه الرغبة في التعرف إلى المعلم الإلهي في أفقر الفقراء وخدمته.

خدمت الأم تريزا الله في صورة الإنسان الفقير، المهمل، المريض. أعادت للإنسان قيمته الحقيقية، التي لا تُقاس بمنفعته أو مواهبه أو من خلال صحته أو مرضه، أو عمره أو معتقده أو عرقه. فالكرامة الحقيقة للإنسان تأتي من إنه مخلوق على صورة الله ومثاله، لا يمكن لأي قدر من الحرمان أو المعاناة انتزاع هذه الكرامة، فنحن متساوون أمام الله في الكرامة.

تتشكل عظمة الإنسان الحقيقية متى عاش وفقًا لدعوته التي خُلق لها. لقد خلق الله الإنسان على صورته ومثاله مُنفتح على محبة آخر. لم يكن جيدًا أن يكون آدم وحده، فخلق الله آخر “مُعينًا نظيرًا”. “معين” أي سند وحماية وفي خدمة آخر. قضت الأم تريزا حياتها في خدمة الأخر، وكانت لكلمات يسوع (مت 25: 40) تأثيرًا كبيرًا عليها: “”كنت جائعاً فأطعمتموني”. ليس الجوع هنا إلى الطعام فقط، بل الى المحبة، الى كلمة الله، الى الحنان و الإهتمام والتقدير … هو أعظم من الجوع إلى الخبز!!

“كنت عرياناً فكسوتموني” ليس الإنسان في حاجة فقط إلى قطعة من قماش!! فالعري هو ضياع تلك الكرامة الإنسانية الجميلة التي يجب أن يتمتع بها أولاد الله: تلك الكرامة التي خُلقت لتُحب! العري هو ضياع لتلك الكرامة البشرية بسبب التجاهل والكبرياء والغرور والشعور بالتمييز عن الآخرين!

“كنت غريباً فآويتموني”: ليس الإنسان في حاجة فقط الى بيت من حجارة. لأنه غريب أيضًا حين يكون مُتشردا أو غير مرغوبًا به أو غير محبوب و على هامش المجتمع. نرى شبابًا كثيرين مصابين بذاك المرض: الشعور بأنهم غير مرغوب فيهم، غير محبوبين، فهل نحن مستعدين أن نكون وجه الحب و اللطف و المراعاة؟! هل نحن مستعدين أن نشاركهم أحزانهم و نخفف عنهم وحدتهم الرهيبة ؟

لا نرفض دعوة الله لنا بأن نُحب الآخرين، أن نكون لهم عونًا، كما هم مدعون أيضًا لمحبتنا وأن يكونوا سندًا وعونًا لنا. هذه هي دعوة الإنسان الأساسية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد