إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

الأحد الثالث من الصوم: المرأة السامرية

0 1٬133

المرأة السامرية

تأتي هذه الآية من المزمور 104 قبل إنجيل المرأة السامرية ليوم الأحد الثالث من الصوم الأربعيني: “لِتَفْرَحْ قُلُوبُ الَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ الرَّبَّ. اُطْلُبُوا الرَّبَّ وَقُدْرَتَهُ. الْتَمِسُوا وَجْهَهُ دَائِماً”. فالإنسان يصل إلى الفرح الحقيقي عند إلتماسه الربَّ في حياته وطلب رؤية وجه إلهه، كملكٌ وحيد على قلبه وحياته.

مُنذ ولادتنا وكلُّ منا يتتطلع إلى أن يكون سيعيدًا في حياته، أن يفرح فرحٌ حقيقي. نتصور في البداية إن الفرح يتأتي من تحقيق النجاح، فنجتهد طوال سنوات الدارسة رغبة في حصاد الفرح المُنتظر بالحصول على المؤهل الدراسي المناسب، لكن تنتهي سنوات الدراسة فما نحصل عليه هو شعور بالراحة وليس الفرح. الراحة من انتهاء عناء السهر والكد، رغبةً في التفوق. ثم تبدأ رحلة البحث عن العمل، ونظن مرة أخرى أن الفرح الحقيقي هو في الحصول على وظيفةٍ مناسبة نحصل من خلالها على التقدير المناسب لذواتنا ومواهبنا. لكن يظل الفرح الحقيقي غائبًا. نعتقد أخيرًا إن في علاقات الحب مع آخر تكمن السعادة الحقة. نسعى إلى الزواج والارتباط بشريك الحياة، وننتظر أن يكون هذا هو نهاية المطاف، وبلغَ السعادة الحقيقية ونصل إلى فرح القلب الكامل. لكن خيرات الحياة لا تؤكد هذا، فبالرغم من الزواج ونعمة الأبناء هناك شيئًا ما زال ناقصًا، هناك فرحٌ غائب عن القلب.

يقول القديس أغسطينوس إن قلب الإنسان لن يرتاح إلا في الله. الفرح الحقيقي لملتمسي الرب، كما يرنم صاحب المزمور. يروى لنا إنجيل الأحد الثالث قصة الإنسانية التي تبحثُ عن السعادة الحقيقة، في صورة المرأة السامرية، لكنها لا تجدها. ها هي المرأة السامرية تبحث عن السعادة الحقة في دروبٍ كثيرة دون جدوى. تزوجت خمس مراتٍ بحثًا عن الحب، فتركها الجميع بقلب مكسورٍ وشعور قاتل بالعزلة. أصبحت تخاف الناس وتهرب من التلميحات والمحادثات والاشارات لخيبة أملها في الحب والزواج. يطل الخوف الذي تعيشه المرأة في ردها العنيف على يسوع عندما طلب منها أن يشرب: “« كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي لِتَشْرَبَ، وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ؟» لأَنَّ الْيَهُودَ لاَ يُعَامِلُونَ السَّامِرِيِّينَ”.

بعد أن كشف لها يسوع إنه هو ذاته ينبوع الماء الحي: «مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ»، يطلب منها أن تذهب وتدعو زوجها: «اذْهَبِي وَادْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى هَهُنَا». تأتي كلمة زوج في العبرية “בַּעַל باعل”، التي ترجع إلى الإله الوثني “بعل”. نقرأ في سفر الملوك الثاني إن ملك أشور أتي بخمس أمم وثنية لتحتل السامرة، فصنعت كل أمةً آلِهتها ووضعوها في مرتفعات السامرة، وقدموا لها الذبائح وسجدوا لها وعبدوها. الأزواج الخمس، هي اشارة إلى الآلهة الوثنية الخمس التي عبدها أهل السامرة بعد احتلالها. أما الزوج السادس فهو اشارة إلى العبادة الناقصة التي يتبعها أهل السامرة في زمن المسيح، فقد كانوا يؤمنون فقط بأسفار موسى الخمس، ويتجاهلون ما كتبه الأنبياء.

المسيح هو الزوج السابع الذي تقترن به البشرية، بعد فترات سيطرة عليها آلهة كاذبة. الزوج السابع، العريس الحقيقي، كما تنبأ أشعيا: “لأَنَّ الرَّبَّ يُسَرُّ بِكِ وَأَرْضُكِ تَصِيرُ ذَاتِ بَعْلٍ. لأَنَّهُ كَمَا يَتَزَوَّجُ الشَّابُّ عَذْرَاءَ يَتَزَوَّجُكِ بَنُوكِ. وَكَفَرَحِ الْعَرِيسِ بِالْعَرُوسِ يَفْرَحُ بِكِ إِلَهُكِ” (أشعيا 62: 5). هو الزوج السابع، الزوج الحقيقي للنفس البشرية، كما تنبأ هوشع: ” وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَقُولُ الرَّبُّ أَنَّكِ تَدْعِينَنِي «رَجُلِي» وَلاَ تَدْعِينَنِي بَعْدُ «بَعْلِي». وَأَنْزِعُ أَسْمَاءَ الْبَعْلِيمِ مِنْ فَمِهَا فَلاَ تُذْكَرُ أَيْضاً بِأَسْمَائِهَا… وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي إِلَى الأَبَدِ. وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ وَالإِحْسَانِ وَالْمَرَاحِمِ. َخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالأَمَانَةِ فَتَعْرِفِينَ الرَّبَّ” (هوشع 2: 16-2- 20). فهو العريس الذي يأتي (مرقس 2: 19)، ليحمل الحياة الجديدة للمرأة التي تبحث عنه طوال الحياة، ولم تجده. للنفس البشرية التي تبحث عن السعادة الحقيقية لدى آلهة أخرى، كالمال، والجنس، والسلطة، والنجاح، وتقدير الآخرين، والمقتنيات المختلفة. السعادة تكمن في من يبحث عن الربِّ ويلتمسه أن يرى وجه الحقيقي، في العريس الحقيقي للنفس البشرية.

ما هو إلهك اليوم؟ ما هو الشيء الذي تطلبه بكل جوارحك وترغب فيه بشدة؟ ليس إله واحد، من المكن أن تكون هناك مجموعة من الآلهة. من الممكن أن يكون لك خمس أزواج، بعول «بَعْلِي». والبَعل السادس الذي نتعلق به اليوم، ونرى إن منه نستمد الحياة هو إله آخر لا يعطى الحياة. فالذي يُعطي الحياة هو يسوع المسيح، العريس الحقيقي.

قال العريس للمرأة السامرية، للنفس البشرية: “أنا عطشان”، ليدل لا على العطش الجسدي، بل على رسالته الذي من أجلها تجسد في العالم؛ عطشه أن يصنع مشيئة الذي أرسله ويُتم عمله (يوحنا 4: 34). هذا العطش لأن يجذب الإنسان إلى الإله الحقيقي، بعيدًا عن الآلهة المزيفة يرافقه طوال رسالته، حتى الموت على الصليب. ففي ساعة موته يصرخ مرة أخيرة: “«أَنَا عَطْشَانُ». وعندها يقول الكتاب: “«قَدْ أُكْمِلَ». وَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ” (يوحنا 19: 30). لقد أكمل المهمة التي جاء من أجلها، أن يكشف الحقيقة للبشرية.

لا ليس في الآلهة الغريبة السعادة الحقيقية، ليس في الأزواج الست، بل في الإله الحقيقي، العريس، الذي متى طلبه الإنسان وإلتمس وجهه يجد الفرح الحقيقي والسعادة الحق.

الآلهة لا تعطي الحياة.. بل تسلبها منك. لا تصنع لك آلهة مكان الله في حياتك، ولا تسجد لها ولا تعبدها.

 

 

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد