إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

أنا غَنِيًّ

950

ما هي مشكلة الغنى؟ لماذا صرح الرب يسوع بأن: “يَعسُرُ عَلى ٱلغَنِيِّ أَن يَدخُلَ مَلكوتَ ٱلسَّمَوات” (متى 19: 23)؟ هل السعى لتأمين الحياة وضمان مستوى معقول من العيش للأبناء أمرٌ خطأ؟

الغنى ورفاهية العيش ليس شرًا، لكن المشكلة في أن المال يجعل همّ الإنسان الأساسي في الحياة هو الحصول عليه، إلى درجة استعباد الآخرين أو ظلمهم، بل يستحقهم في سبيل أن يمتلك الشيء الذي يرغب فيه.

رجل أعمال، كَون ثروته من السمسرة في الأراضي والعقارات، يمتلك العديد من الأبراج السكنية في أنحاء القاهرة الكبرى المختلفة. أحد هذه الأبراج في حي الظاهر، والذي يجاور منزل قديم من دورين تبلغ مساحته 70 متر فقط.  أراد شراء ذلك المنزل بكل الطرق الممكنة، إلا أن صاحبه رفض بيعه، فالمنزل يمثل كل ذكريات الطفولة بالنسبة له ولعائلته. حزن الرجل وأكتئب بسبب رفض صاحب المنزل الصغير. تدخلت زوجته في الأمر وقالت له أطمئن ولا تحزن ستملك المنزل. حاكت مؤامرة، بمساعدة آخرين ودبرت جريمة ألصقتها بصاحب المنزل المسكين، فحُكمَ عليه بالإعدام، ونظرًا لعدم وجود ورثة استولى الغني على المنزل.

القصة التي قراءتها الآن عزيزي ستجدها في سفر الملوك الأول، الإصحاح 21، ولكن في واقعك اليومي. آحاب، ملك السامرة، يطمع في كرم نابوت اليزرعيلي المجاور لقصره، وعندما يرفض، يغتم ويحزن وهو الذي يعيش في قصر أبوابه من العاج الثمين. تتحايل زوجته (الملكة إيزابل) فتدبر مكيدة للاستيلاء على الكرم بعد أن تدعي إن نابوت جدف على الله والملك ويساعدها الشيوخ. فيتم رجم نابوت ويستولى آحاب على الكرم.

لم يكتفي آحاب بما لديه، فالتملك قناعة عقلية تتملك الإنسان تمامًا وتجعله يشعر إن هويته تتوقف على ما يملكه وما يستطيع أن يملكه. لذا نرى آحاب يحزن ويكتئب، ليس لأن الكرم أفضل من الكروم التي يملكها، لكن لأنه شعر إن هويته مهددة تتوقف على أن يحصل على هذا الكرم بالذات. وفي هذه خطورة الغنى. فالإنسان الذي يسيطر عليه إله المال يجعله يضحى بكل شيء في سبيله، حتى بعائلته وأطفاله.

الاهتمام الزائد بالمال والهوس بالحصول عليه مهما كانت الطرق التي تدفع البعض إلى استعباد الآخرين وظلمهم والفتك بهم هو الشر. فالمال ليس شر، بل خير، لكن الانشغال به هو المشكلة. “لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ” (1 تيموثاوس 6: 10).الرغبة في التملك تحول الإنسان عبدً لها، لذا حذر الرب من السقوط في عبادة المال.

يجعل المال الإنسان يستغنى عن الله  ويعتقد أن ممتلكاته هي وليد جهده فقط: “تَقولُ: أنا غَنِيًّ وأنا اَغتَنَيتُ فما أحتاجُ إلى شيءٍ… ولكِنَّكَ لا تَعرِفُ كَمْ أنتَ بائِسٌ مِسكينِ فَقيرٌ، عُريان وأعمى (رؤ 3: 14- 17). يتصور إن الممتلكات التي يستحوذ عليها هي ملكه الخاص، التي صنعها بإرادته وجهده في الحياة، ولا ينظر إلى الله بأنه مصدر الخيرات كلها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.