إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

لا تسرق (2): إشكالية العمل

0 1٬283

بدأنا في لقائنا السابق الوصية السابعة. ولا أريد أن أعود إلى إشكالية اللقاء الذي كان غريبًا على البعض. “لا تسرق” تعنى في نظر البعض أن لا تسلب ممتلكات الغير. لا تتسب في أذى يتعلق بالحقوق المالية لشخص آخر، فلا تأخذ شيئًا ليس من حقك، أو تستخدمه بشكل سيء، كمن يتعدى على ممتلكات الدولة مثلا، أو عدم دفع الضرائب والفواتير المستحقة.

لكن عرضنا تعليم الكنيسة الكاثوليكية الذي كان سببًا لعثرة البعض لغرابته:

ثم أعيد الدراما في الوقت الآخر وأعيش كل شيء بنفسي ، أسأل أسئلة وأجوبة. : لنقرأ ثانية العدد 2408

“تمنع الوصية السابعة من السرقة أي اغتصاب مال الآخرين خلاف للإرادة المالك المعقولة. وليس هناك سرقة إذا أمكن افتراضُ الرّضى أو إذا كان الرفض مخالفًا للعقل ولكون الخيرات معُدة للجميع. تلك هي حال الضرورة الملُحة والواضحة حيث الوسيلة الوحيدة لتأمين حاجاتٍ فوريّة وأساسية (غذاء، ملجأ، كساء..) هي في التصرّف بأموال الغير واستعمالها”.

نكتشف إنه إذا “سرق” أحد الأشخاص الأكل وهو في حالة الاشراف على الموت، من مالك سبق أن طلب منه مرات كثيرة إنه جائع ولا يجد الطعام الكافي ورفض المالك بإصرار، فهو ليس لصًا في مفهوم الكنيسة الكاثوليكية. لماذا؟ لأن الكنيسة تؤمن بأن الخيرات هي مُعدة للجميع، وكل مالك هو مؤتمن على خيرات الله، المالك الحقيقي لكل الخيرات.  فالله خالق الأرض، بكلّ ما تحتوي عليه، من أجلٍ كل البشر وكلّ الأجيال. لذلك، فالبشر بأسرهم لهم الحق الأصلي بأن يتمتعوا بخيرات الأرض التي لا يحوز أن يُحرم أحدٌ منها. وواجب الجماعة أن تضمن كلّ واحد منها، على الأقل، الحدّ الأدني من الإمكانيات لاستخدام هذه الخيرات، فيتاحَ له أن يعيش عيشًا كريمًا.

الملكية الخاصة هي حق لكل فرد، لكن هكذا تعلم الكنيسة في البند 2404:

“إنّ ملكّية خيّر ما تجعل من يحوزه مُدبرًا من قبل العناية الإلهية لاستثماره وإيصال حسناته إلى الغير، وأولا إلى الأقارب”.

ويذكر البند 2446 بتعليم القديس يوحنا الذهبي الفم: “إنّ الامتناع عن جعل الفقراء يشاركون في خيراتنا الخاصة، هو سرقةٌ لهم واستلابٌ لحياتهم. والخيرات التي نحوزها ليست لنا وإنما هي لهم

الخلاصة: إن كل ملكية لا تستخدمها وفقًا للعناية الإلهية، وفقًا لمشيئة الله فأنت تسرقها!

الطريقة الوحيدة الصحيحة هي أن تستخدم الخيرات المملوكة لك لأجل الحب. فكل استخدام للخيرات بعيدًا عن الحب هو بمثابة سرقة.

“لا تسرق” إذن تعنى أن تُعبر عن محبتك للآخرين عن طريق الخيرات المملوكة لك. السرقة هي أن تستخدم ممتلكاتك لصالح ذاتك فقط… أن تتمركز حول ذاتك فقط. فالاستخدام الوحيد والصحيحة للخيرات هي أداة، كالجسد في الوصية السادسة، تُستخدم لتحب القريب. كنت تظّن أن السرقة متعلقة بممتلكات الخير فالوصية تنهي على المساس بها! لكن المشكلة هي علاقتك أنت مع ممتلكاتك الشخصية!!

معنى الوصية السابعة: أن تُحب من خلال ملكيتك للخيرات.

سنتكلم اليوم عن بعدٍ أخر للوصية السابعة، وهو العمل!

سأبدء بسؤالك: لما يجب عليك العمل (بالنسبة للطلبة: لماذا عليك أن تدرس)؟ (لنبعد عن الإجابات المحفوظة والأكليشهات، ولنتكلم عن الخبرات الشخصية في حياتك الخاصة: لماذا سعيت للعمل؟)

(تبادل حوار)

خلاصة الإجابات: نعمل في النهاية لأجل المال، لأجل القيمة وتحقيق الذات.

البعض يقول: “أعمل شيء مفيد، ولكن يجب أن يكون مجزيًا”. لكن إذا لم يدفعوا لك عاجلاً أم آجلاً فلن تفعل ذلك، حتى لو كانت الوظيفة جيدة ومفيدة.

سؤال آخر: أود أن أن أسألكم: هل أنتم راضيين عن أعمالكم؟ سعداء في أعمالكم؟ كم منكم لديه في الأساس حالة، من معاناة  إن لم يكن أزمة كاملة، مع الدراسة والعمل … كم عددكم؟

هل هذا يعني أن أولئك الذين لم يرفعوا أيديهم سعداء باعمالكم؟ ليس لديكم أي مشكلة مع العمل والدراسة؟ ليس هناك مشكلة فعلا؟

نحن نتحدث عن ما تفعله لأطول فترة من حياتك. لا ينفع أن نقول: “هي ماشية بالطول والعرض”، “هي ماشية كدة وكدة”. لذلك تصورنا إني ملاك أرسله الله لك اليوم لكي أعرض عليك تغيير تجربة عملك، إذا كنت غير سعيد بها، هل تقبل؟ كم عدد الناس التي ترغب في تغيير عملها إلى شيء أفضل؟ وكم عدد الناس الراضون عن أعمالهم ولا يريدون تغييرها؟

العمل في حد ذاته شيء جميل. إذا كنت لا تصدق ذلك، أسال شخص عاطل عن العمل ويبحث عن وظيفة!  بالرغم من كل شيء فالعمل كرامة، إنه شيء يجعلك نبيلاً، إنه يقويك ويجعلك غنيًا وليس فقط ماديًا.

ماذا يقول الكتاب المقدس عن العمل؟

في الفصول الأول للكتاب المقدس يتحدث الوحي الإلهي عن العلاقة بين الإنسان والعمل. في الإصحاح الثاني من سفر التكوين، نقرأ:

تكوين 2: 15: “وأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ الإنسانَ وجَعَلَه في جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَفلَحَها ويَحرُسَها”.

في حين في 3: 17-19: ” وقالَ لاَدم: «لأَنَّكَ سَمِعتَ لِصَوتِ أمرَأَتِكَ فأَكًلتَ مِنَ الشَّجَرةِ الَّتي أَمَرتُكَ أَلاَّ تَأكُلَ مِنها فمَلْعونةٌ الأَرضُ بِسَبَبِكَ بِمَشقَّةٍ تأكُلُ مِنها طولَ الأُمِ حَياتِكَ 18 وشَوكًا وحَسَكًا تُنبِتُ لَكَ، وتأكُلُ عُشبَ الحُقول. 19 بِعَرَقِ جَبينِكَ تأكُلُ خُبزًا حتَّى تَعودَ إِلى الأَرض، فمِنها أُخِذتَ لأَنَّكَ تُرابٌ وإِلى التُّرابِ تعود».

يتكلم الوحي الإلهي في البداية عن كون العمل نعمة، ثم بعد السقوط يُصبح لعنة. العمل شيء جميل ورائع ونعمة من الله للإنسان، لكن مع سقوط الإنسان تحول إلى عبء ولعنة. كل شيء خلقه الله هو مقدس وجميل لكن الإنسان شوهه برغباته وأخطائه.

بدءً من الوصية الخامسة أشرنا إلى أن كل شيء في الحياة أساسه الحب. في الوصية السادسة نعبر عن محبتنا للآخرين من خلال الجسد، والآن في هذه الوصية نُعبر عن محبتنا لهم من خلال إدارة ممتلكاتنا الخاصة. إن العلاقة الحقيقية الوحيدة التي يمكن أن يكون مع بعضها البعض هو الحب، والعلاقة الوحيدة التي تجعلك تعيش ملء الحياة والمعنى العميق لها هي الحب.

لذا عندما يتعلق الأمر بالعمل ، فلماذا يعاني الكثير منكم، وكثير من الناس بشكل عام، من مشاكل؟ لأن أمر الجيد والجميل الذي خلقه الله يُصبح لدى البعض شيء ثقيل للغاية، شيء مؤلم، شيء يبعث القلق والاكتئاب والحزن. يكفي أن تنظر إلى تجهم وجوه الناس وتوترهم في المترو صباحًا لتعرف إن العمل لم يعد شيء جميل وجيد يُقبل عليه الإنسان.

لماذا؟ أعتقد أننا قمنا بتشويه المعنى الحقيقي للعمل، وأن كل ما نقوم به من خلال العمل قد أصبح عملاً غير أصيل، وهو فعل لا يتناغم بشكل تام مع ما هو المعنى العميق للعمل، وما هو مكتوب أيضًا في أعماق قلبنا.

دعونا نرى القليل: ما هي الطبيعة الجوهرية للعمل؟

العمل هو خدمة. إنهم يدفعون لك مالً لأنك تؤدى خدمة للشركة التي تعمل بها. عُهد إليك بخدمةٍ معينة، فأنت مؤتمن عليها تحققها من خلال عملك.

كلمة “الخدمة” تعني أن تؤدى عملك بروح خدمة، وليس بروح عبودية وقمع.  عملك يمكن أن يكون خدمة أو قمع.

ولماذا يجب أن يكون لديك روح الخدمة؟  حسناً، إذا قبلتها أم لا، فأنا لا أعرف شيئاً واحداً، لكن هناك شيء واحد مؤكد: أنت وأنا وُلِدنا للخدمة، لكي نكون مفيدين لشخص ما، وقد خُلقنا لاعطاء الحياة لآخرين.  عندما يريد رجل أن يصف نفسه بأنه فاشل، يقول: “أشعر إني غير مفيد لأي شخص”. إذا رغبت في إهانة شخصٌ ما يمكنك أن تقول له: “أنت غير مفيد ولن يخسر أحد إذا أختفيت من الدنيا”. إحباط رجل مسن هو أن إنه يشعر إن لا أحد يحتاج إليه. أنت موجود ولحياتك قيمة متى خدمت أحد، متى كنت مهم ونافع لأحد، متى كنت سبب لسعادة أحد، وأن خدمتك لأحد مهمة وذات قيمة.

أنا وأنت وُلدنا، كما قال السيد المسيح: ” لأَنَّ ابنَ الإِنسانِ لم يَأتِ لِيُخدَم، بل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفْسِه جَماعةَ النَّاس” (مرقس 10: 45). أو كما قالت مريم: ” «أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ» (لوقا 1: 38). هذه هي هوية الإنسان: الخدمة وفيها عظمة الإنسان وفرادته.

مَن أنت بالنسبة للآخرين؟ الآخرين ماذا يقولون عنك: طاغية أو شماس (دياكون)؟ مغرور أو شخص يمكن أن يخدم؟ عندما تعمل، من لديك: أشخاص متعاونون أو أشخاص يركزون على الذات؟

سبق أن قلنا إن الجسد هو وسيلتك الوحيدة للتعبير عن الحب لآخر. كذلك وسيلتك الوحيدة للتعبير عن حبك للآخرين يكون من خلال إدارتك للممتلكات، وأهم طريقة في إدارة الممتلكات هي العمل: فلا قيمة للعمل، والشيء الذي يجعله متكاملاً هو أن يُعبر عن محبتك للآخرين. كذلك دراستك، عدا ذلك يُصبح العمل والدراسة هي شيء فارغ، عدم القيمة لا جدوى منه. فالله عهد إليك من خلال العمل رسالة عميقة للغاية، أن تكون مثمر لآخرين.

أي كان عملك: عاملاً، مهندسًا، موظفًا، طبيبًا، مديرًا، ساعيًا، مدرسًا. هناك طريقة مختلفة يمكن أن تعمل بها إذا آمنت إنك تقدم خدمة للآخرين من خلال عملك. فالطبيب مثلا يمكن أن يتعامل مع المرض، أو مع المريض كإنسان يعاني عليه أن يخدمه لكي يشعر بإطمئنان وبأنه بين يدي حانية تهتم به (مثال: دكتور الجلطة في الساق واهتمامه لحين انتهاء فترة العلاج).

كل عمل يمكن للإنسان أن يؤديه بروح خدمة الآخرين كما عَبر الوحي الألهي في تكوين 2 ويمكن أن يكون سبب شقاء وعبودية وألم متى انتظر منه الإنسان فقط الراتب في نهاية الشهر. سأدور في دائرة مغلقة من العمل لتوفير الطعام والمصروفات المختلفة وصرفها ثم العمل من جديد للحصول على ما يكفي العيش. الغالبية العظمى منا يدعوهم الله للحب في حياتهم العادية، في الروتين اليومي، واحد أهم “الروتين اليومي للحياة”  عملك الذي تقوم به يوميًا، هناك الله يدعو لك ان تحب شخص ما. نحن في حاجة إلى أشخاص يعيشون عملهم كمكان لتحقيق إرادة الله، أن تصل من خلالك محبة الله للآخرين.

وصية “لا تسرق” تكشف السر الحقيقي عن عدم رضاك في العمل: أنت لا تحب. فالعمل هو لأجل التعبير عن الحب بصورة يومية، ولا يوجد معنى آخر للعمل.

العمل هو دائما عرض للخدمات ، كل منا يخدم الآخر بطريقة تبادلية. ماذا تعني خدمة الآخر؟َ

أنت تتعاقد على القيام بخدمة، لكنك لا تريد أن تخدم… لذا أنت غير سعيد في عملك؟ أنت تريد أن تخدم نفسك فقط!

من الممكن أن تقول إني سعيد في عملي، لكن لنرى ماذا يقول الآخرين. لماذا لا تؤمن بأن عملك هو مهم للغاية لآخرين، حتى لو لم تراهم، إن دراستك مهمة جدًا لآخرين. عليك أن تصدق إن إذا أحب شخص ما، وعبر عن محبته للآخرين من خلال عمله فإنه سينير العالم كله.

إذا أحببت، أي كان عملك أو دراستك، بإمكانك تخلص العالم كله: هل تتعتقد إن هناك هدف إلى العمل خلقه الله إلا هذا: محبة وتعاطف ومودة، علاقات طيبة مع الآخرين، أن تنظر إلى ظروفهم وحياتهم.

ولكن هناك بالطبع وظائف يسهل تطبيق هذا المبدأ عليها:

على سبيل المثال، يقع الأطباء في خطأ علاج الأمراض وليس المرضى. يتعاملون مع علم الأمراض وليس مع الناس. كذلك الطلبة فكل ما يدرسونه سيساهم في خلاص آخرين يوما ما. علينا بتغيير قناعاتنا الفكرية التي تقوم عليها تنشئة أبنائنا. نحن في حاجة إلى مهندسين يدركون الفرق بين عملهم بمحبة لخلاص الآخرين أو لقتلهم. مدرسين تربوين قادرين على الحب، لحرفيين، لصيادلة، لموظفين، لتجار، لعمال، لأطباء، لسائقين الخ. البابا يوحنا بولس الثاني تكلم عن “حضارة المحبة” التي تقوم على فهم لماذا أراد الله أن يعمل الإنسان.

لكن القيمة الجوهرية للعمل كما أراده الله قد شوهتها الخطيئة. شوهتها الأنانية والتمركز حول الذات، ومجمل ما أفكر فيه ويشغلني: كم يبلغ المرتب في نهاية الشهر؟

لكن الله أعطى الإنسان العمل كنعمة، لأن من خلاله يُصبح صورة الله ومثاله على الأرض. الله خالق كل شيء والإنسان مدعو مثله للعمل، وأي شيء يقوم به هو في غاية الأهمية للآخرين لترابط كل شيء تحت السماء.

كل ما تقوم به هو في غاية الأهمية.

صباح الغد يمكنك العودة إلى العمل أو يمكنك العودة إلى المدرسة … وأقول لك لماذا من السيئ أن تدرس؟ لماذا يصعب عليك العمل؟ لماذا هو سيء؟: “البعض يقوم بالعمل لأنه لا يجد غيره، أو لأن الظروف هي التي دفعته لهذا العمل!” لكنك تقوم بعملية مرعبة لحياتك: فهي تقلل من قيمة حاضرك وحياتك.

بصرف النظر عن أي شيء: حياتك مقدسة وأنت مدعو لتحقيق ملكوت الله على الأرض، ووجودك ليس عبثًا بل هناك إرادة إلهية شاء أن تكون حاضرًا في هذا الزمان. يومك هو طريقك للقداسة وعملك هو وسيلتك لبلوغها. فبالرغم من كل شيء، هناك أُناس في طريقك يحتاجون إلى الخلاص قد وضعهم الله في طريقك. الله يثق بك ويأتمنك عليهم.

هل أنت قادر على الحب؟ ليس فقط في وسط عائلتك بعد أن تعود من قضاء نصف اليوم مع عائلتك. أنت مدعو لأن تحب جميع الناس من حولك. أنت تلميذ للمسيح وابن الله الذي جوهره الدائم هو “المحبة”. هل تصدق إلى العمل الخاص بك هو لخلاص العالم كله من حولك؟

أليس هذه طريقة رائعة في التفكير: إن تذهب على عملك وأنت تعرف وتؤمن أن عملك مهم لآخرين! أن تخرج في الصباح لعملك وأنت سعيد: وهذا المقصود بـ “لا تسرق”.

لأن العمل لأجل نفسك فقط هو سرقة… سرقة.

أنظر إلى الصليب ماذا تجد؟ شخص معلق عليه، مُسمر القدمين والرجلين على الخشبة! ماذا يقدم؟ لا شيء تقريبًا سوى إنه آمن إن كل عمل يصنعه في الحياة يصنع فيه إرادة أبيه السماوي ومُعبرًا عن حبه للآخرين. لا تنسى إن هناك لصين سُمرا على خشبة معه ومات الثلاثة معاً وبنفس الطريقة، لكن واحد فقط هو نور العالم: ذاك الذي عاش قدم ذاته في حياته للآخرين. ذاك الذي فكر إنه من الغباء أن يضيع الإنسان حياته دون هدف، دون تحقيق إرادة الله في كل وقت من مسيرته الأرضية. لم يقلل من قيمة حاضره ويومه. ذاك الذي أعطى معنى لعمله، أي كان العمل، هو أن يحقق من خلاله إرادة الله. ذاك الذي وضع ذاته لتنفيذ مخطط الله، وبين يديه أسلم روحه. ذاك الذي خلص العالم كله.

الحقيقة التي يجب أن أقولها: الوصية السابعة قادرة على تغيير نظرتك للحياة بأكملها: إذا قبلت بتواضع إنك مخلوق لأجل أن تخدم الآخرين.

 متى 25: 14-  30:  مثل الوزنات

14ويُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ رَجُلاً أَرَادَ السَّفَر، فَدَعَا عَبِيدَهُ، وسَلَّمَهُم أَمْوَالَهُ. 15فَأَعْطَى وَاحِدًا خَمْسَ وَزَنَات، وآخَرَ وَزْنَتَين، وآخَرَ وَزْنَةً وَاحِدَة، كُلاًّ عَلى قَدْرِ طَاقَتِهِ، وسَافَر. … 24ثُمَّ دَنَا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَةَ الوَاحِدَةَ وقَال: يَا سَيِّد، عَرَفْتُكَ رَجُلاً قَاسِيًا، تَحْصُدُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَزْرَع، وتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَبْذُر. 25فَخِفْتُ وذَهَبْتُ وأَخْفَيْتُ وَزْنتَكَ في الأَرض، فَهَا هُوَ مَا لَكَ! 26فَأَجَابَ سَيِّدُهُ وقَالَ لَهُ: “يَا عَبْدًا شِرِّيرًا كَسْلان، عَرَفْتَ أَنِّي أَحْصُدُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَزْرَع، وأَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَبْذُر، 27فَكَانَ عَلَيْكَ أَنْ تَضَعَ فِضَّتِي عَلى طَاوِلَةِ الصَّيَارِفَة، حَتَّى إِذَا عُدْتُ، اسْتَرْجَعْتُ مَا لِي مَعَ فَائِدَتِهِ.

يقول الرب: أيها العبد الشرير والكسلان. ماذا يعنى كسول؟ شخص لا يرغب في عمل شيء، محبط، لا يحب حياته، ليس لديه شيء إيجابي يقدمه، ليس هناك قيمة من أي عمل في الحياة، كل شيء ثقيل محبط. عليك الانتظار لوقت أفضل، عندما أغير وظيفتي وعملي، ولكن العمر سيضيع ويظهر الشعر الأبيض. غدًا سأعيش أفضل، سأجد المعنى من حياتي وقيمتي في الدنيا. تمر السنوات دون أن تحقق أي شيء. ستكون الحياة ثقيلة غير ممتعة لا تستحق العيش.

لكن الحياة جميلة. ما هي الفرصة الوحيدة للخروج من هذا الشلل؟ نعتقد أن هناك شيئًا جيدًا في هذا العمل من خلال إعطاء لكمة في وجه هذا من يقول لك إن حياتك لا تستحق، لمن يقول لك إنك غير مفيد لأحد.

“لا تسرق” تعني أن تعطي بكل بساطة المحتاجين من الخيرات التي أؤتمن عليها، كما أشرنا في اللقاء السابق، بل ما هو أكثر عمقًا:  أن لا تجعل نفسك غريب عن مخطط الله. أن تكتشف قدرتتك على تغيير العالم من حولك، من خلال عملك ووظيفتك الخاصة. لقد عهد الله منذ البداية للإنسان أن يفلح الأرض ويحرسها وعليك أن تتجاوب مع إرادة الله تلك.

العمل مكتوب في قلب الإنسان، العمل هو كلمة في اللغة العبرية يطلق عليها “أفودها” التي تعنى “خدمة مقدسة”، لذلك العمل يعني القيام بشيء مقدس ، العمل إنه يعني التعاون في خلق الله ، لأن الله ، عندما خلق العالم ، لم يخلقه بصورة نهائية ولكن الإنسان مدعو لاستكماله وتعمير الأرض.

هذا هو المبدأ الأساسي.

ماذا علي أن أفعل لأشهد على المسيحية في عملي. “هل يجب علي التحدث عن يسوع؟ لا: عليك أن تعمل كما يجب، أن تحب عملك وتؤديه بصورة جيدة بحيث يكون مفيد للآخرين، أن تحب الأشخاص الذين تقابلهم في محيط عملك.

العمل هو دعوة للقداسة ولحب الآخرين، والحب يعني إعطاء حياتك ووقتك، بدافع داخلي مبنى على هذه القناعة الإيمانية لأن بدونها ستتوقف أمام الصعوبات وتشعر بالإحباط والسأم من تكرار العمل. بدون هذا الدافع سيكون عملك فقط لأجل ذاتك، لأجل الراتب الذي تحصل عليه في نهاية الشهر. العمل يعني الحب، لأن المرء قد قابل يسوع المسيح، ولديه ذات الدافع بأن يموت للآخرين. أنت في هذا الجهد، في هذا الروتين، في كل العمل هناك روتين، حتى في أكثر الأعمال إثارة.

لكي تعمل يجب أن تتعلم الالتزام والانضباط، وكيف يمكنك قبول الانضباط إذا كنت لا تنظر إلى الصليب. في الصليب نكتشف معنى وقيمة العمل، لأن العمل هو التعبير عن الحب للآخرين، وقتك لهم، أن تصغي إليهم، أن ترأف بهم، أن تحافظ على حياتهم، أن تسعى لخلاصهم. هذه مسئولية مَن يُحب، أما الشخص الذي لا يهتم، ففي داخله لا يوجد سوى الأنانية وتمركزه حول ذاته، فهو يسرق، ويهلك، ويبتعد عن خطة الله. ولهذا فعمله مرهق وصعب وثقيل للغاية لأنه لا يدخل في خطة الله في أن يخلص جميع الناس. يشعر بالوحدة ويصبح كل شيء مشكلة كبيرة، كالأم التي تقوم بكل العمل في البيت، من نظافة إلى مطبخ وغسيل، إن لم تؤديه بحب للعائلتها سيصبح عمل صعبٌ جدًا ومرهق وبدون معنى وستعاني من وحدة نفسية شديدة.

فقط في يسوع المسيح يمكن للمرء أن يجد معنى، لأنه يمر الوقت، لأنك يقوم بهذه المهمة انك تعطي حياتك أنت تموت من أجل هذا. وما هو معنى حياتي إذا كان لابد من أن أكون أمينًا لمخطط الله في الخلق، وواجه حقيقة أنه يمكنني القيام بأشياء لا أستطيع القيام بها. أنت بالفعل تفعل شيء عظيم لأن الله وضعك هناك. نحن بحاجة إلى أشخاص قادرين على العمل كمسيحيين، لتعليمنا الحب من خلال القيام بأشياء تافهة، على ما يبدو. ليس هناك شيء تافه، كما أخبرناك، بل إنه عمل روتيني يبدو وكأنه مريض. قم بهذه المهمة الآن، لكن حسنًا. إذا لم يكن الآن، فمتى؟

هل تعيش الآن، إن لم يكن الآن متى، إن لم يكن هنا، فأين؟ إذا لم يكن هناك إنسان يعيش بالصورة الصحيحة، فكن أنت هذا الإنسان. كل واحد منا يدعى لاسترداد عبثية العمل، لأنه في حد ذاته كما هو، هناك فقط الشوك والعرق والغبار. لكننا نملك ضوءًا بأن نعطي ذواتنا من خلال أعمالنا المعتادة. إذا كنت ستفعل ذلك فشيء رائع أن نعاني من أجل شيء عظيم، القيام بإرادة الله.  إذا كانت هناك أشواك وألم سنتحملها لأنها هي الحياة.  ما هي الحياة التي تفكر بها؟ لا توجد حياة أخرى غير هذه. يسوع المسيح عندما دخل العالم لم يأخذ كل شيء، يفعل حياة أخرى، ماري بوبينز، الأقزام السبعة ثم الجنية الزرقاء. طريقة رائعة، أليس في بلاد العجائب، بيتر بان، حياتك ليست حكاية خرافية، إنه شيء ملموس للغاية، إنه الشيء الذي لدينا بالفعل وهو الذي نعيشه.

قد يعجبك ايضا
اترك رد