إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

غفران أسيزي

0 1٬555

ما معنى غفران أسيزي؟ أليس يحصل الإنسان على الغفران عن خطاياه عند اعترافه في أي مكان وأي وقت. إذن ما هو معنى أن يخصص يوم 2 أغسطس لأجل نوال نعمة الغفران الكامل فقط إذا صلي واعترف وتناول في كنيسة سيدة الملائكة بأسيزي، البورسينكولا، أو أي كنيسة فرنسيسكانية في العالم حاليًا؟

لنتأمل أولاً في معنى الغفران بصورة عامة ثم غفران أسيزي بصورة خاصة.

قصة تحدث في كل بيت تقريبا، ولد صغير بيلعب في البيت وحده، مش معاه حد. هو شقي كان في يوم بيلعب بالكبريت ثم يطفيها تاني، فيه ملل زهق مفيش حد بيلعب معاه، بيلعب بالكبريت ويطفيه الكبريت وقع على السجادة الغالية اللي بيلعب عليها حب يطفيئها بسرعة علشان ما تبقاش حريقة، لكن ما قدرش، تحرقت جزء من السجادة الغالية والثمينة. عايش في بيت جده، باباه مش موجود، خاف جدًا بص على الحيطة اللي قدامه لقي صورة يسوع، بصله كده وقاله هأروح النار طبعا علشان حرقت السجادة. الطفل ده، أكيد البعض عرف قصته هو جان بول سارتر، فيلسوف الوجودية وترك الكنيسة وأصبح ملحدًا.

بنعلم أولادنا خطأ، بنعلمهم أنهم يخافوا من ربنا، بنعلمهم أنهم يخشوا الله علشان يتجنبوا العقاب. بنقولهم أن الله عادل وهيعاقب الإنسان في حالة خطيئته، بنار أبدية، نار جهنم. يسأل الشباب هو علشان خطيئة واحدة أو اكتر، خطيئة وقتية، يعني في الزمن، عايش 40 أو 50 أو 80 سنة أخطأت أمام الله في 80 سنة اللي أنا عايشهم، هل أعاقب بنار أبدية، بجحيم أبدي.  أما إذا تاب الإنسان وندم على خطيئته فإن الله، لكونه رحيم “الرَّبُّ رؤوفٌ رَحيم طَويلُ الأَناة كَثيرُ الرَّحمَة” (مز 103)، سيغفر له.

نفكر دائما من منطق الثواب والعقاب. إذا أخطئت تستوجب العقاب، أما إذا تبت عن خطيئتك تستحق المغفرة. وهذه صورة مشوهة جدًا عن المسيحية. هكذا يلخص لنا بولس الرسول السر المسيحي كله: “أمَّا اللهُ فقَد دَلَّ على مَحبتِّهِ لَنا بِأَنَّ المسيحَ قد ماتَ مِن أَجْلِنا إِذ كُنَّا خاطِئين” (رومية 5: 8). لم يمت المسيح بعد أن توبتنا عن خطيئتنا، بل مات عنا ونحن خطأة.

تتضمن قصة الابن الضال مفاجأة غير متوقعة أعلنها يسوع. عندما هرب الابن وبدد كل أموال أبيه بعد أن حصل على نصيبه من الميراث. في الثقافة البدوية عندما يبدد الابن كل شيء بعد أن يحصل على نصيبه من الميراث فإن الاب سيعاقب الابن العائد إليه، سيبادر الابن بالسجود أمامه طالبا الغفران. إلا أن يسوع يفأجئ المستمع لقصته بطريقة مختلفة تمامًا عما يتوقه. يركض الآب وهو الرجل الكبير السن فاتحًا ذراعيه ليحتضن الابن، هذه هي نعمة الله المعلنة في الأناجيل. في كل الديانات الخلاص هو شيء مكتسب فأعمالك الحسنة يجب أن تزيد على أعمالك السيئة، برك يجب أن يتفوق على أثمك، فقط في الاناجيل الخلاص هو عطية النعمة التي لا تستحقها.

هذا هو المعنى الحقيقي للغفران فعند رجوع الابن إلى نفسه وقوله أقوم وأمضى إلى أبي. فقامَ ومَضى إِلى أَبيه. وكانَ لم يَزَلْ بَعيداً إِذ رآه أَبوه، فتَحَرَّكَت أَحْشاؤُه وأَسرَعَ فأَلْقى بِنَفسِه على عُنُقِه وقَبَّلَه طَويلاً. هنا يأخذ الغفران معنى مختلف تمامًا، ليس  ثواب يعطي للإنسان لأجل أنه تاب عن معصيته، لكن هو اكتشاف محبة الله لنا، اكتشاف حب الله لشخصي. ما تقرأه كمغفرة، في الحقيقة في نظر الله الآب ليس سوى محبة. أنت لا تعود عن خطيئتك ليغفر لك أبوك السماوي ويسامحك فقط، بل أنت أبن محبوب من الله، يحبك في وقت وفي كل حالة.

ما تراه أنت غفران لخطاياك هو في الحقيقة محبة الله لك كابن، أنت محبوب من الله الذي لا يتردد في إعطاء الابن حتى تعود البشرية إلى الشركة الكاملة معه: “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ” (يو 3: 16). بهذه الطريقة يمكننا أن نقول أن “الكنيسة هي جماعة من المذنبين المهتدين ، الذين يعيشون نعمة الغفران ، وينقلونها بدورهم إلى الآخرين” (جوزيف راتزينغر).

المغفرة التي نشعر بالحاجة إليها تتجلى اليوم من خلال غفران البورسيونكولا الذي حصل عليه فرنسيس مباشرة من البابا لإرسالنا جميعًا إلى الفردوس. فرنسيس، الذي اختبر رحمة الرب في حياته، كما يعترف هو نفسه في وصيته، يريد أن يتمتع كل شخص بهذه التجربة نفسها. السمة المميزة لهذا الغفران هو المجانية.

في زمن فرنسيس كان الحل من الخطايا لم يكن يرتبط فقط بالاقرار بالذنوب فقط لكن يتطلب تغييرًا حقيقيًا في الحياة، وإزالة داخلية للشر. فالفعل السري يُترجم في توبة واضحة وعلنية وتغيير حقيقي للحياة. الشكل الرئيس المتبع للتكفير عن الذنوب كان نظام الحج إلى سانتياغو، إلى روما وخاصة إلى القدس. لذا من كان يستطيع التكفير عن الذنوب سوى الأغنياء الذين يتمكنون من السفر والحج وتقديم الهدايا. لكن فرنسيس طلب شيئ مختلفًا تماما عندما تراءى له المسيح والعذراء مريم في كنيسة سيدة الملائكة، وهي كنيسة صغيرة وفقيرة جدًا، طلب أن يمنحه المسيح غفران كاملا، مثلما كان يحصل عليه كل حاج إلى الأراضي المقدسة لمن يصلي بهذه الكنيسة. اتاح فرنسيس الفرصة للفقراء الغير قادرين على نوال نعمة الخلاص أن لا يتكبدوا المشقات والأموال الكثيرة لأجل الحج، بل يكفي أن يصلوا في كنيسة فقيرة تمامًا.

من لا يدري أن الله يحبه ، فكيف له أن يحتفل ويحتفل بالمغفرة؟ لا يمكنه أن يشعر بما تعنيه الخطيئة. إن القديسين، مثل فرنسيس، هم الذين يشعرون أيضًا بأنهم محبوبون حقًا، ويشعرون أيضًا بالمغفرة ويشعرون بالحاجة الملحة للتخلي عن أي موقف للخطيئة، مهما كانت صغيرة. عندما صرخ فرنسيس على جبل لا فيرنا: الحب ليس محبوبًا، الحب غير محبوب، يفعل ذلك لأنه اختبر حب الله العظيم للبشرية والمسافة التي لا يمكن التغلب عليها بين حب الله وحب الإنسان. وعندما يذكر في وصيته أنني كنت مخطئًا، فإنه لا يقول ذلك من باب التواضع، لكنه يصف بذلك شعورًا حقيقيًا، لادراكه محبة الله اللامحدودة له. من ناحية أخرى، فإن الشعور بالمغفرة يضعنا أمام الحاجة إلى الغفران بلا حدود: “سبعة وسبعون مرة” (متى 18 ، 22). هذا هو السبب في أن الرب في النسخة التي يقدمها لنا لوقا عن الأب يعلّمنا أن نصلي بهذه الطريقة: “اغفر لنا كما غفرنا بالفعل”. من يشعر بالعفو يصبح بالضرورة رسول مغفرة ومصالحة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد