إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

الرَّبّ أَعطاني إِخْوَة” (1)

0 1٬218

يوصي القديس فرنسيس تلاميذه بقوله: “وبعد أن أعطاني الربُّ إخوة، لم يدُلَّني أحدٌ إلى ما يتوجبُ عليَّ عملهُ، لكن العَلي نفسه أوجي إليَّ بأنَّ عليَّ العيش وفقًا لنهج الإنجيل المقدس” (وصية ق. فرنسيس: 14). تُظهر وصية فرنسيس ثلاث أبعاد أساسية للعلاقات الأخوية بين أفراد الجماعة الواحدة:

الرب- الله (العلاقة مع الله)

أعطاني (العلاقة مع الذات)

إخوة (العلاقة مع الآخرين)

لا يمكن تطوير علاقاتي مع الآخرين دون النظر إلى الأبعاد الأخرى الخاصة بحياتي الروحية وسلامي النفسي. والمثير للانتباه استخدام القديس فرنسيس لمصطلح “أخوة” معطيًا هوية محددة لكلمة”الآخرين” العامة.

معني “أخوة”

تشتق كلمة أخ أو أخت في اللغة اليوناينة (a-delphos/a-delphē) من كلمة delphus التي تعني الرحم. فالإخوة والأخوات متحدين ومرتبطين لأنهم ولدوا من “رحم” واحد. فهم متحدين في الكرامة، متحدين في الشرف، متحدين في الحقوق، مع الإقرار بالاختلافات الطبيعية.

فالأساس الأول الذي تقوم عليه الحياة الجماعية هو الوعي بالانتماء المشترك: جميعنا ولدنا من ذات الرحم، من ذات الأم. نحن جميعنا، على الأقل وفقًا للكتاب المقدس، من نفس الأصل الواحد.

إذا كنا مختلفين جدًا، هل يمكننا أن نقول أننا واحد؟ نعم نستطيع. الرحم الذي يجعلنا جميعًا يمكن أن يكون رحم والدينا، لكنه أيضًا رحم أمنا الأرض، والكوكب الذي يغذينا. نحن واحد لأننا نتقاسم رحمًا مشترك للثقافة الواحدة التي تحدد أولويات اهتماماتنا اليوم. نشترك في تاريخ واحد، مع كل الحروب العالمية والنزاعات التي أوصلتنا إلى ما نعيشه اليوم. وفي العام الأخير تشاركنا في تهديد مشترك للأزمة الصحية الناتجة من جائحة كورونا.

بعض الصفات الأساسية للأخوة:

  1. بدايةَ، لا تنشأ الأخوة على مستوى أفقي من العلاقات. فالتعاطف أو التقارب لا يكفي لبناء الأخوة: الخط العمودي ضروري، الذي يُشير إلى أب وأم مشتركين. يمكننا القول إن الإنسان يكون أخ لآخرين فقط متى كان هناك أصل مشترك، أب واحد. بلغة أخرى فالجماعة لا تكون جماعة ما لم يكون هناك أب مشترك لها. لذلك، لكي يكون هناك أخوة، فإن خبرة التواصل مع البعد العمودي (الله) ضرورية، فالخبرات الإنسانية الأفقية التي تشكل العلاقات بين الجماعة لا تكفي لتكوين جماعة بالمعنى الحرفي للكلمة.
  2. وهناك ملاحظة ثانية: كون الأخرين أخوة لا يتوقف على اختياري، بل على قبولي لهم. من الممكن اختيار الأصدقاء، لكن الأخوة ليس أمامي سواء: أن أقبلهم أو أرفضهم. فالعلاقة داخل الجماعات الرهبانية لا تتوقف على الاختيار، بل على القبول.
  3. ومن الممكن تعميق هذه الملاحظة بملاحظة ثالثة: لكي تتشكل جماعة من الأخوة يجب عليَّ أن أعترف بالأخرين كأخوة. فخبرة الحياة الجماعية لا تتعلق بإرادتي أو بمجهوداتي الذاتية أو بذكائي، ولكنها دائما هبة وعطية، بل هي دعوة خاصة جدًا تدعوني بصفة شخصية لكي أقبلها أو أرفضها. الحياة الجماعية هي خبرة دعوة تتطلب استجابة قبول أو رفض.

نصوص التأمل:

القراءة الأولى (مرقس 3: 13- 19):

13وصَعِدَ الجَبَلَ ودَعا الَّذينَ أَرادَهم هو فأَقبلوا إِلَيه. 14فأَقامَ مِنهُمُ اثنَي عَشَرَ لِكَي يَصحَبوه، فيُرسِلُهم يُبَشِّرون، 15ولَهم سُلْطانٌ يَطرُدونَ بِه الشَّياطين. 16فأَقامَ الاثَنيْ عَشَر: سِمْعان ولَقَّبَه بُطرُس، 17ويَعقوبُ ابْنُ زَبَدى ويوحَنَّا أَخو يَعقوب، ولقَّبَهما بَوانَرْجِس، أَيِ: ابنَيِ الرَّعْد، 18وأَندَرَاوس وفيلِبُّس وبَرتُلُماوُس، ومتَّى وتوما، ويَعقوبُ بْنُ حَلْفى وتَدَّاوُس وسِمْعانُ الغَيور، 19ويَهوذا الإِسْخَرْيوطيّ ذاكَ الَّذي أَسلَمَه.

القراءة الثانية (وصية القديس فرنسيس: 14- 16أ):

وَبَعْدَ أَنْ أَعطاني الرَّبُّ إِخْوَةً، لَمْ يَدُلَّني أَحَدٌ إِلى ما يَتَوَجَّبُ عَلَيَّ عَمَلُهُ، لَكِنَّ العَلِيَّ نَفْسَهُ أَوْحى إِلَيَّ بِأَنَّ عَلَيَّ العَيْشَ وَفْقاً لِنَهْجِ الإِنجيلِ المُقَدَّس. (15) وَأَنا جَعَلْتُ (ذَلِكَ) يُكْتَبُ بِكَلِمـاتٍ وَجيزَةٍ وَبَسيطَة، وثَـبَّتَهُ ليَ السَّـيِّدُ البابا. (16) وَأُولَئِكَ الَّذيْنَ كانوا يَأْتونَ للحُصولِ عَلى الحَياةِ، كانوا يُعْطونَ الفُقَراءَ كُلَّ ما يَمْلِكون…

نقاط مساعدة للتأمل:

الأبعاد الثلاثة التي أبرزها القديس فرنسيس (الله، أنا، الآخر):

  • دعوة يسوع للذين أرادهم: فالخبرة الشخصية مع الله هي أساس الدعوة للحياة المكرسة والإنجيلية.
  • الدعوة شخصية دائما، لكن المجال الذي تنمو فيه وتتحقق هي دائمًا في وسط جماعة وفي واقعها المعاش. فالدعوة التي تعاش بعيدًا عن الجماعة هي وهم، ففي وسط الجماعة وفي الشركة معها فقط تنمو الدعوة الشخصية وتأخذ شكلها العملي. فكل دعوة هو انتماء لجماعة ونداء للنمو وسطها واتحاد بين أعضائها. عندما يدعو المسيح، يدعو شخصًا ليعيش في اتحادٍ معه ومع الآخرين، ولا توجد دعوة لإتباعه بمعزل عن الجماعة.
  • دعوة يسوع هي للبشارة: يدعو يسوع تلاميذه لاحلال الملكوت في الواقع الذي يعيشون فيه. تصبح الجماعة هي الشاهدة على وجود الملكوت وإنه قابل للتحقيق. جميع أوجه الرسالة تنطلق إذَا من الجماعة، ودون جماعة لا وجود للرسالة. 

أسئلة للتأمل الشخصي

سجل تكملة هذه العبارات في أجندتك الشخصية:

  • في جماعتي أشعر….
  • ما يعجبني في جماعتي الرهبانية ….
  • أرغب في تغيير ما يلي….
  • ما يعجبني في كل أخ على حدة….
  • من الممكن أن اساهم ب…. في تحسين الحياة الجماعية

المقاسمة الأخوية

من الأفضل أن يتشارك أفراد الجماعة الرهبانية في الآراء والتأملات حتى الوصول إلى اختيار طرق وفاعليات عملية لتحسين الحياة الجماعية، حتى الاجتماع القادم، وتجديد دعوتنا الخاصة بالعيش في حياة جماعية.

الصلاة الختامية (مزمور 33: 1- 12):

أُبارِكُ الرّبَّ في كُلِّ حينٍ، *

وعلى الدَّوامِ يُهلِّلُ لَه فَمي.

تُهلِّلُ نفْسي للرّبِّ، *

فيَسمعُ المَساكينُ ويَفرحونَ.

عَظِّمُوا الرّبَّ مَعي، *

ولْنَرْفَعِ اَسمَهُ وحدَهُ.

طَلَبْتُ الرّبَّ فاَستجابَ لي، *

ومِنْ كُلِّ مخاوفي نَجّاني.

اُنظُروا إليهِ واَسْتَنيروا *

ولا يَعْلُ وجوهَكُم خجلٌ.

المِسكينُ يدعو فيَسمَعُ الرّبُّ *

ويُخلِّصُهُ مِنْ جميعِ ضيقاتِهِ.

ملاكُ الرّبِّ حَولَ أتقيائِهِ، *

يَحنو عليهِم ويُخلِّصُهُم.

ذوقُوا تَرَوا ما أطيبَ الرّبَّ. *

طوبى لِمنْ يَحتَمي بهِ.

خافوا الرّبَّ يا قِدِّيسيهِ، *

فخائِفوهُ لا يُعْوِزُهُم شيءٌ.

الأَغنِياءُ يَحتاجونَ ويَجوعونَ، *

ومنْ يَطلبُ الرّبَّ لا يُعْوِزُهُ خيرٌ.

قد يعجبك ايضا
اترك رد