إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

(1) هوية الحياة المكرسة

0 527

المقدمة:

يبدو جليّا في البداية إن العهد الجديد لم يسنَ قانونَا للحياة المُكَرسة، والحياة المُكَرسة المسيحية لم تتكوّن قبل القرن الرابع، وبالتالي هل يمكن أن ننسب إلى الإنجيل تعاليم رهبانية؟ وما هي هوية هذا النمط من الحياة؟ وهل يمكن لنا أن نتكلم عن لاهوت خاص بالحياة المُكَرسة؟

إن العهد الجديد كُتِبَ لكي يعكس إختبار حياة الرسل مع السيد، وتعاليم المسيح ورسله للجماعات المسيحية من خلال الجماعة التي تستلم هذه الشهادة وتنقلها بواسطة التقليد المقدّس الى كلّ معمّد في كل زمان ومكان.  إن الحياة المُكَرسة تنتمي بتكوينها الى جماعة المعمّدين، حاملي الكهنوت العام، الذين سمعوا هذه البشرى وأرادوا تطبيقها شخصياً، وبجذريتها في حياتهم، وبطريقة مميّزة، من خلال إعتناق المشورات الإنجيلية الموّجهة الى كلّ مؤمن. من هذا المنطلق نستطيع التكلّم عن هوية خاصة للحياة المُكَرسة تجد جذورها في العهد الجديد. وعن تلك القواعد والأسس اللاهوتية التي يقوم عليها هذا النمط من الحياة، أي المرجعية اللاهوتية للحياة المُكَرسة.

خلال القرن الرابع والخامس، قصد العديد من الشباب العزلة، سعيًا إلى مطلقية الله، ورغبة في الحفاظ على جذرية القيم الإنجيلية، فسكنوا قفار مصر وفلسطين، رغبة في اصلاح أنفسهم أكثر من اصلاح العالم. حَّثوا العالم على الاهتداء من خلال هداية أنفسهم وطبقوا تعاليم الإنجيل، اكثر من العمل المباشر والتفكير في إصلاح العالم. يكتب هوسبج (H.W. Haussig)  في كتابه: تاريخ الحضارة البيزنطية، في موضوع اصول المُكَرسة: “للجماعات المُكَرسة الشرقية والغربية، أساس مشترك: لقد تكونت، في اصلها، كاحتجاج جماعي على النظام الاجتماعي القائم. فهذا النظام الذي صدقته الكنيسة بتحالفها مع الامبراطورية، كان في نظرهم، متناقضًا مع الإنجيل الكامل. وعلى هذه الفكرة عاش وعمل فريق متطرف من المسيحية، فحاول، في قفار فلسطين وسوريا ومصر القاحلة أن يطبق متطلبات الإنجيل”.

لم يرغب أولئك الرواد في تأسيس نمط حياة مختلف عن الكهنوت العام أو الانفصال عن جماعة المعمّدين، إلا إن ظروف تاريخية وسياسية كثيرة ساهمت في إبراز هذا النمط من الحياة في تاريخ الكنيسة. سنتناول في هذا البحث القواعد والأسس اللاهوتية التي قامت عليها الحياة المُكَرسة، ومصادرها الإنجيلية وعلاقتها ببنية الكنيسة وتصنيفاتها والمشورات الإنجيلية ورسالتها في العالم

1-المقدمة

قد يعجبك ايضا
اترك رد