إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

رجلٌ لم يرى غروب الشمس

0 1٬325

فيلم تسجيل قصير مدته ثمان دقائق، تتسلط فيه الكاميرا على سقف الحجرة لمدة سبع دقائق تجعل المشاهد يشعر بالملل والضجر من ثبات الصورة دون تغيير. ثبات صورة دفع الكثيرين ترك قاعة عرض الفيلم، أو غلق شاشة العرض بجهاز الكمبيوتر. في الدقيقة الأخيرة تتحرك الكاميرا ببطء لنرى أمامنا طفل صغير مصاب بالشلل الرباعي وهو يحملق في سقف حجرته. من الصعب على الأصحاء أن يتفهموا ألم إنسان مقعد، محروم من الحركة، كذا من الصعب على المبصرين أن يتفهموا حياة إنسانٌ مولودٌ أعمي كما نقرأ عنه في إنجيل القديس يوحنا.

بالرغم من مرور سنوات طويلة إلا إني أتذكر جيدًا لقاء لمذيعة تلفزيون استضافت المبدع سيد مكاوي، سألته المذيعة: “آيه أكتر برنامج بتحب تشوفه من برامج التلفزيون؟”. سؤال ساذج، إلا أنه مُعبر تمامًا عن جهل الإنسان المبصر بمعاناة الإنسان الأعمي. أجابها الفنان الكبير، وعلى وجهه ابتسامة سخرية: “بأحب أشوف عالم البحار”. كانت إجابة الفنان الكبير تهكمية لاذعة عبرت عن ألمه بحالته، فاختار برنامجًا يعتمد على مشاهدة الألوان المختلفة للأسماك وهي تسبح بنعومة في المياه.

هل تستطيع أن تصف لون زهرة لإنسان لم يرى الزهور أبدًا؟ هل تستطيع أن تصف لحظات غروب الشمس ودرجات لون السماء المتدرجة بين الأحمر والأصفر؟ الأحمر هي كلمة سهلة بالنسبة لك، لكن هل تدرك صعوبتها بالنسبة لإنسان لم يرى الألوان أبدًا؟ هذا هو حال المولود أعمي الذي يروى لنا قصته يوحنا في إصحاحه التاسع!!

لا نستطيع أن نصف حياة الأعمى، حرمان كامل من النور فلا يرى جمال الكون والطبيعة ولا الأشياء. محنة تبعثُ على اليأس، اضطر أن يجلس على الهيكل ليستعطى، يمر الناس به دون أن ينتبهوا لوجوده، إلا القليل منهم . لكن لم تقتصر حالة الأعمى البائسة على إعاقته، بل زادتها قسوة الناس وتعليقاتهم السلبية. اعتبروا أنّ عماه إما أنه نتيجة خطيئة ارتكبها أو بسبب خطايا والديه”أَهذا أَم والِداه، حَتَّى وُلِدَ أعْمى؟”. تبرأ منه الجميع حتى والديه. كان يُقتل كل يوم بسكين اللوم والتقريع. مر يسوع بجواره لكنه انتبه إليه، أراد أن يعيد له الحياة، يُعيد له الثقة المفقودة، أن يحرره من الشعور بأن هناك خطيئة ما في حياة والديه.

 “وبَينَما هو سائِرٌ رأَى رَجُلاً أَعْمى مُنذُ مَولِدِه“. رأه يسوع، شعر به وبمدى ألمه ومعاناته منذُ مولده. هكذا يمر دومًا وفي كل لحظة بجوارنا، يشعر بنا، منتبه لمعاناتنا والظروف المحيطة بنا. برهن يسوع بأنه نور العالم فأعطى المولود أعمي فرصة أن يرى الناس والطبيعة والكون فأعاد خلق عينيه من جديد، وبذات الطريقة التي خُلق بها الإنسان في البدء، من الطين. أصبح بإمكان الرجل أن يرى غروب الشمس ودرجات الألوان وألوان الزهور التي طالما تمنى أن يراها كالآخرين.

لم يخلق يسوع عينين فقط للرجل، بل أعاد تنظيم شخصيته. فتلك الشخصية الخائفة المنكسرة نتيجة شعور عميق بالذنب، فقد كان يعتقد إن إعاقته كانت بسبب خطأ ما ارتكبه هو أو أبواه. نجد الرجل يقف أمام الفريسيين غير خائف يُعلن أن يسوع هو الذي شفاه، ولا يخشى خطورة الطرد من المجمع. أصبح غير محتاج إلى عطف الآخرين، أصبح يملك القوة “نور المسيح” التي بها يشق طريقه مهما كانت الصعوبات أمامه.

عزيزي القارئ يمر يسوع يومًا وفي كل لحظة بحياتك، هو ملم بمشكلاتك والصعوبات التي تمر بها. ينتظر أن يعطيك القوة اللازمة للتغلب على ضعفك، يرغب في أن يعطيك النور اللازم لتنتصر على الظلام، القوة اللازمة لتقف أمام أي شخص يحمل لك الآذى. شرط أن تتركه يطلي عينيك، موطن ضعفك وألمك، بالطين. أن تتركه يتلمس هذا الموضع ليخلق فيها قوة جديدة لحياتك.

قد يعجبك ايضا
اترك رد