إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

ختام الشهر المريمي 2023

0 7٬954

هناك ثلاث مشاهد مترابطة في الكتاب المقدس، بالرغم من أنها لا تبدو كذلك أبدًا. تشبه المشاهد حلقات مسلسل تنتهي الحلقة بموقف مهم ومحوري ويجعلك تتشوق لرؤية الحلقة التي تليها حتى تصل إليك أنت شخصيًا وتجد نفسك لا تتفرج على المسلسل وتشاهد حلقاته فقط، بل أنت البطل الرئيسي للقصة.

الحلقة الأولى: في أول صفحات الكتاب المقدس. الجنة.. خلق الله الإنسان على صورته ومثاله ودعاه لأن يعيش في شركة كاملة معه وفي انسجام مع الكون كله. أحب الله الإنسان ووضع كل شيء في الجنة ضمن سلطانه: “َتَسَلَّطوا على أَسْماكِ البَحرِ وطُيورِ السَّماءِ وَكُلِّ حَيَوانٍ يَدِبُّ على الأَرض”. دعاه أن يشاركه كل شيء في الملكوت، لكن يبقي الله، لأنه الخالق، هو الوحيد الذي يعرف الخير الأسمى، فهو كل الخير. تتصاعد الأحداث فجأة عندما تظهر الحية وتغوى حواء بأن الله يخبئ أمرًا ما قائلة: «أَحَقّاً قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟» «اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وتَصيرانِ كآلِهَةٍ تَعرِفانِ الخَيرَ والشَّرّ». فقد الإنسان شراكته مع الله.

أختار الإنسان أن يبعد عن خطط الله، كالابن الأصغر، الذي أخذ كل شيء وهرب من الشركة مع الله.  نادى الله على الإنسان قائلا: “«أَيْنَ أَنْتَ؟»، بحث الله عن الإنسان الذي خلقه على صورته، الإنسان البرئ الذي يشاركه حياته الأبدية، بحث عن التلميذ الذي أحبه. لكن آدم خاف وخحل من عصيان وصية الله: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ»، ظل صوت يتردد في قلوب البشر: آدَمَ: «أَيْنَ أَنْتَ؟… ولم يستطع إنسان أن يُجيب، “إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ” (رومية 3: 24). آدَمَ: «أَيْنَ أَنْتَ؟… أين الإنسان الذي أردته، الإنسان الذي يعيش في شركة معي؟ الإنسان الذي يكون الله هو في مركز الحياة وليس أي شيء آخر. تنتهى الحلقة الأولى وصوت الله يتردد: آدم.. أين أنت؟

الحلقة الثانية: في أول صفحات إنجيل القديس لوقا.. تسمع فتاة صغيرة لنداء الله الدائم والمستمر: “أيها الإنسان: أين أنت؟” فتتجاوب مع نداء الله. وحدها مريم سمعت النداء واستطاعت أن تُجيب الله. نقرأ في قصة البشارة، الجواب المدهش من العذراء: “ها أنا آمة للرب”، والترجمة الصحيحة لها: “أنا هنا، خادمة الرب”. تُجيب مريم على السؤال الذي سأله الله لآدم في جنة عدن. أخيرًا وجد الله إنسان منفتح تمامًا على إرادته القدوسة. آدَمَ: «أَيْنَ أَنْتَ؟… اجابت مريم “أنا هنا.. أنا خادمةُ الربّ”، أنا هنا لأعمل مشيئتك في حياتك، أنا هنا أرفض محاولات الحية المستمرة بأن أكتفي بنفسي فقط، حياتي تعظيمًا لك، وفرحي وسعادتي فيك: “تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ،وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللَّهِ مُخَلِّصِي”.

الحلقة الثالثة: هناك أسفل الصليب تقف مريم ويقف بجانبها التلميذ الذي يحبه يسوع. مَن هو هذا التلميذ؟ نعتقد إنه يوحنا الحبيب، لكنه هو الشخص مجهول حتى يمكن لكل إنسان أن يضع نفسه مكانه. هو الشخص الذي يسمح ليسوع أن يحبه. الذي يجعل المسيح في مركز حياته فيحبه يسوع.  كل تلميذ ليسوع هو الحبيب إليه.  

ذلك التلميذ هو أنت. قبل أن يموت المسيح على الصليب فكر فيك، كيف ستهزم أجناد الشر في هذه الحياة؟ كيف ستهزم تحربة الحية المستمرة. هنا يعطي كل إنسان أمه مريم، هي والدة الكنيسة. يعطينا ميراثه، كل ما له في الحياة لنحيا به، يعطينا شفيعتنا الدائمة لتصحبنا في الحياة. نظر إليك في هذه اللحظة قائلا لأمه مريم: «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ». هنا أسأل نفسك هل مريم معك في البيت، في العائلة، في حياتك الشخصية: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ.

نعم بإمكان الإنسان أن يستعيد الشركة مع الله، يستعيد الصورة التي خلق عليها. النور الذي جُبل منه، المحبة التي فقدتها بأنانيته ورغبته في أن يملك حياته بنفسه، والخير والصلاح والفضائل جميعها. فقط أن يضع إرادته فتحقق إرادة الله في حياته. بالرغم من ضعفه، أن يعيش وفقًا لمخطط الله له. أن يسمع كلمته ويعمل بها في حياته على الأرض. بإمكان الإنسان أن يحقق الصورة عينها التي خُلق عليها منذ البدء متى سمع نداء الله له وتجاوب مع دعوته. تقف بجانبه في هذه المسيرة تلك التي سبق أن خاضتها بكل اتضاع ونجحت في أن تضع أرادتها تحت تصرف الله. مريم هي رفيقة الدرب.. احرص على أن تأخذها إلى بيتك.. اليوم اصطحبها معك، في حياتك، في قلبك، هي ستدلك على الطريق.

قد يعجبك ايضا
اترك رد