طاير من الفرح
قابلت شاب صغير منذ فترة، وتحديدًا بعد فوز النادي الأهلي ببطولة أفريقيا، كان سعيدًا جدًا ومتحمسًا لفوز فريقه المفضل بالكأس. قال لي إنه فرحان بشكل لا يوصف، قال “أنا طاير من الفرحة”. لنسال في البداية ما هو الفرح؟
نتمنى جميعًا أن نفرح، ولقد اختبر كل فرد منّا حالة من الفرح الشديد لسبب ما، هناك من حصل على شيء كان يتمناه، أو أن يكون قد حقق نجاحًا ما يهمه، أو يكون مع من يحبه. شعر بالسعادة لكنه كان شعور مؤقت لا يدوم مدى الحياة. فإنه في أغلب الأحيان يزول بزوال السبب. فإذا رحل الأحباء، حزنّا. وإذا اعتدنا الشيء وتعودنا على ما كنا نتمناه، صار عادياً لا يسبب لنا السعادة. فهل يوجد حقاً فرح حقيقي لا يزول؟
في الكتاب المقدس نقرأ عن وعد الله للإنسان هذا الوعد الغريب: “لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ يُبَارِكُكَ .. فَلا تَكُونُ إِلا فَرِحاً” (تث 16: 15). كيف يكون الإنسان فرحًا دائمًا؟ وهل هناك إنسان سعيد طوال الوقت؟
في الحقيقة إن الفرح الدائم في هذه الآية مرتبطة بعلاقة بالأعياد التي طلبها الله من الشعب والتي فيها يكون الله هو مصدر الفرح ولا أحد سواه. إن الفرح الحقيقي هو شعور عميق في النفس والروح. شعور بالسلام والرضا والأمان. وهذه الأمور لا توجد بشكل دائم إلا في محضر الله. لذا فالفرح الحقيقي لا يتحقق إلا بالوجود في محضر الله.
ذات الأمر اكتشفه فرنسيس عندما سأل تلميذه ليون عن الفرح الحقيقي وقال له: إذا قام الرهبان بمعجزات أو إذا دخل الملوك والأمراء الرهبنة الفرنسيسكانية فهذا ليس بالفرح الحقيقي. لكن إذا كنا في سفر وفي ليلة باردة وكنا نرتجف من السقيع ونعاني من الوحل والجليد ثم نأتي إلى الدير فيرفضون دخولنا ونبقي في البرد والجوع. إذا صبرت ولم تضطرب فهنا يكمن الفرح الحقيقي الكامل. فالفرح الحقيقي مصدره علاقة الإنسان بالله الذي يجعل الإنسان ممتلئ بالفرح بالرغم من المعاناة والألم.
فالفرح الحقيقي هو أحد ثمار الروح القدس. يقول الكتاب المقدس في غلاطية ٥: ٢٢ “وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ” فالروح القدس حين يسكن في المؤمن يُنتِج فرحاً في الروح والقلب. فبولس الرسول كان في السجن في فليبي يوصينا بالفرح: “اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ وَأَقُولُ أَيْضاً افْرَحُوا” وفي الآية التي بعدها يوضح سبب الفرح فيقول: “الرَّبُّ قَرِيبٌ” (فل 4: 4، 5ب). فإن كان الرب قريب، وإن كنت أنت قريباً من الله في كل وقت، فمن المؤكد أنك ستختبر هذا الشعور العميق بالفرح الحقيقي، ما دمت في محضره.
القلب الذي يختبر الفرح الحقيقي يكون قوي بالرغم من الظروف، كما عبر صاحب المزمور 27: “إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي. إِنْ قَامَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ فَفِي ذَلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ”. ينعم الإنسان بالفرح متى كان مصدره الله فقط.