أنت كمان ممتلئ نعمة
تقدم شاب يبلغ 19 عامًا إلى الخدمة في القوات المسلحة، لكنه رُفض بسبب قصر قامته. جاء في اليوم الثاني ليحاول مرة أخرى فتم طرده من المعسكر. جاء يومًا وافتعل مشكلة فتم ضربه وأهانته من قبل الضباط. شعر بالضآلة وعدم التقدير فقرر أن يثبت لنفسه وللضباط إنه يستحق الانضمام إلى الجندية، فعلم أن مسئول كبير سيزور بلدته فقرر قتله للبرهنة على قدراته العسكرية. هكذا اغتال ريلو برانسيب (Gavrilo Princip) ولي عهد النمسا فرانز فرديناند (Franz Ferdinand). تصاعدت الأحداث سريعًا فاعلن النمسا الحرب على صربيا ثم انضم حلفاء لكل الدولتين فاشتعل العالم لمدة أربع سنوات وراح ضحية مشكلة ريلو برانسيب أكثر من 16 مليون قتل، وملايين الجرحى.
تصرف صغير لا يبدو مهمًا، من الممكن أن نعتذر عنه، لكننا لا نصححه، نأمل أن يتغير شيء ما في المستقبل، نغضب، نلوم المواقف والناس من حولنا. لكن نستمر في ارتكاب الأخطاء التي تتراكم وتجعلنا غير قادرين على التراجع ويتضرر بشر لا ذنب لهم في أخطائنا التي بدأت صغيرة.
اليوم نحتفل بعيد الحبل بلا دنس. هو عيد الله الذي يبحث عنا ويمنحنا دومًا نعمته. بعد خطيئة آدم، نزل الله ليمشي كعادته، اختبأ آدم من الخجل لأنه أدرك أنه عريان، يسأله الله: “أين أنت؟”. يتجول الله ليمنحنا نعمته ويملئنا بحضوره لكن أمام كلٍ منّا موقفان:
الأول: الموقف الخاطئ لآدم الذي يشعر بأنه مطارد، ويهرب، ويختبئ، ويلوم شريكته حواء، ويلوم حتى الله: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ» أنت في النهاية السبب في كل شيء!!
الثاني: الموقف الصحيح لمريم التي لم تهرب من الله، فقط أعترفت بعجزها وضعفها: «كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» فيجب الله: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ».
في الحالتين الله حاضر بنعمته ولا يتوقف أبدًا، فيبحث عن الإنسان حتى يملئه بنعمته وبحضوره. وهو يقول لك اليوم نفس السؤال: أين أنت؟
هدف السؤال ليس كما أعتقدنا دومًا هو تبكيت على الخطيئة التي نرتكبها بصفة مستمرة وتتراكم يومًا بعد يوم حتى تصل بالإنسان إلى القطيعة مع الله كما صنع آدم وورثنا تجرته المريرة. هو يبحث عنك ليملئك من نعمته وحضوره.. فلا تهرب.
إذا هربت من الله اليوم ستهرب إلى ما لا نهاية وتضيف خطيئة على خطيئة، حتى لوصغيرة، لكنها قادرة على تدمير كل شيء. أرجوا أن تعيد قراءة قصة ريلو برانسيب (Gavrilo Princip)!! بهذه الطريقة تنمو الخطيئة إلى ما لا نهاية، إذا لم يتدخل الله برحمته.
لنعلم أن الله يبحث عنا: أين أنتم؟ اليوم هو عيد الله الذي يأتي يطلب كل واحد فينا، يطلب أن ينعم علينا، ليعيدنا إلى الشركة معه، ليشملنا بمحبته الأبدية.
دعونا نتوقف عن الهروب منه، ونضيف سلبية إلى سلبية، دعونا ندعه يكشف لنا أخطائنا الصغيرة وتداعياتها التي من الممكن أن تصل بنا إلى أن نبعد عن الله تمامًا.
مريم تعطينا المثل في التجاوب مع نداء الله المستمر عبر الزمن. قال لها الملاك عندما عبرت عن خوفها وعجزها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ،وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ. لكن هل تعلم عزيزي أنك مثل مريم تمامًا، لم تكن إنسانة مختلفة وخارقة هي طبيعية وإنسانية للغاية.
أنت أيضًا اختارك الله منذ البدء، بلا دنس وبلا لوم، ودعاك أن تكون قديسًا مباركًا. هكذا عبر الكتاب على لسان بولس الرسول: “كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ” (أف 1: 4). لاحظ كلمة بلا لوم، بلا خطأ، بلا دنس. نعم أنت أيضًا بلا دنس وقديس قبل تأسيس العالم. أنت قديس منذ البدء.
المشكلة لو هربت يوما عندما تسمع صوته يجول ليملئك أكثر من نعمته وحضوره. مريم لم تهرب قط، وصفتها إليصابات بالمباركة لأنها لم تهرب.