خطوات عملية للتأمل
هل تعاني من بلاء التوتر stress بشكل يومي؟ هل أنت قلق نوعا ما؟ هل تشعر بإنك غارق في إنشغالات كثيرة؟
إذا كانت الإجابة بـ«نعم»، فيمكنك أن تجرب أداة بسيطة ومجانية وفعالة…
أدعوك لتجربة التأمل…
وسط هذا الكم الهائل من الاتصالات اليومية والأخبار وصفحات التواصل الاجتماعي التي تستهلك وقتا طويلا، نجد صعوبة في الحصول على فرصة للاسترخاء الذهني. تحقق الصلاة التأملية تلك الفائدة فهي تعطيك فرصة للاسترخاء الذهني الذي يحقق مردوداً طبيا من عدة نواح فهي تذهب بالصداع وتساعدك على النوم بصورة أفضل وتقلل من ضغط الدم لديك. يقول بيغ بايم، المدير الإكلينيكي لمركز التدريب بمعهد بنسون هنري: «كل تأثيرات التوتر والقلق تلك تنطفئ أو تقل عندما تنتقل إلى هذه الحالة الأخرى من الوظائف الحيوية المسماة استجابة الاسترخاء».
ويتطلب تحفيز استجابة الاسترخاء التركيز المستمر لذهنك، مثل تكرار صوت أو كلمة أو عبارة معينة، إلى جانب طرح سلبي للأفكار اليومية من ذهنك كلما عدت إلى ذلك التكرار. وينبغي ألا تتوقف عن ذلك إذا لم تشعر بالفوائد على الفور، فالاسترخاء هو عبارة عن مهارة، وكما هو الحال مع أي مهارة، فإن قدرتك على الاسترخاء سوف تتحسن مع الممارسة.
خطوات التأمل:
١. اختار وقتا ملائما، ويفضل أن تجعله نظامياً وثابتا كل يوم، مثل: الصباح الباكر قبل الذهاب إلى العمل، أو المساء قبل النوم.
٢. مكان هادىء، إنها نصيحة الرب يسوع في مت ٦/٦: “أما أنت إذا صليت فإدخل غرفتك وأغلق بابك وصلي لأبيك الذي في الخفاء”. يفضل تخصيص زاوية للصلاة في غرفتك، أو في مكان ما، تضع بها صليب أو صورة مفضلة لديك وشمعة، مع تخفيف إضاءة الغرفة لتحقيق استرخاء سريع.
٣. السيطرة على الحواس:كل اتصال يتم بواسطة الجسد بما في ذلك الإيمان والصلاة. لقد صنعنا الله هكذا، ويسوع المسيح ذاته فد اتخذ جسدا، يجب أن لا نخاف من ذلك الجسد، ونأتي إلى الصلاة بكامل كياننا، أحتاج إلى بضع ثوان لأتخذ الوضعية المناسبة، الوضعية التي تريحنى. أتنفس بعمق لأكون هادئا، مستقيم الظهر مسترخيا، وبدون توتر، إني بكامل حضوري ومتيقظ وجاهز. أن وضعية الجسد تساعد على وضعية الروح. ويقول أحد أعضاء تيزيه: “لا أستطيع الصلاة بدون الجسد، في بعض الفترات أدرك أني أصلي بواسطة جسدي أكتر من عقلي، نصلي جالسين على الأرض: نركع ونسجد ونستخدم الصمت المريح. أن الجسد حاضر هنا لكي يصغي ويدرك ويحب، فلا نستطيع أن نستبعد الجسد”.
٤. تدريبات السيطرة على الحواس: إليك مجموعة من التدريبات الروحية التي يمكن أن تستخدم أحدهما، لكن أنتبه عند أختيارك لتدريب ملائم يجب أن تمارسه لمدة ثلاثة أسابيع على الأقل حتى تعتاد على ممارسته، عندها يمكن أن تنتقل إلى تدريب أكثر عمقا ويحتاج إلى تركيز أكبر. لهذا فأن التدريبات التالية هي متدرجة تبدأ بما هو أسهل في التطبيق (هناك تمرينات كثيرة ستجدها مرفقة على موقعي هذا متى اعتدت صلاة التأمل):
١-تمرين الاسترخاء المبدئي: أَخرج هواء الرئتين بتفريغهما إلى أقصى حد. ثم اشهق الهواء ببطئ وأنت ترفع ذراعيك وخلال الشهيق ركز تفكيرك لتدخل إلى قلبك المحبة والسلام والانسجام مع الكون. احتفظ بشهيقك محبوساً في صدرك ويداك مرفوعتان لأقصى مدّة ممكنة، وأنت تستمتع بالانسجام الداخلي والخارجي. ثم أزفر الهواء المنحبس في رئتيك وأنت تنطق بكلمة هدوء، حرفاً حرفأ. الهاء ستخرج دفعة قوية من الهواء المحبوس وستحقق نوع من الارتياح، ثم الدال التي ستأتي قصيرة مع دفعة سريعة من الهواء، عند نطق الواو ستخرج دفعة طويلة من الهواء تساعدك على تحقيق الانسجام الداخلي، ثم الهمزة وهي أخراج ما تبقي من الهواء. كرر هذا التمرين مدة خمسة دقائق.
٢-تمرين الاستماع: استرخ واغلق عينيك.. جرب خلال عدة دقائق أن تركز انتباهك على الأصوات التي تحيط بك، كأنها تعود إلى جوقة يقوم جميع الموسيقيين بالعزف فيها في آن معا. شيئاً فشيئا، ميز كل صوت، وجه كل انتباهك إلى الواحد بعد الآخر، كأن كل موسيقىي يعزف مفرداً بغض النظر عن الباقين. بالتدريب على هذا التمرين يومياً ستسمع أصواتاً. ستفكر أولاً إنها ثمرة مخيلتك، ستكتشف، بعد ذلك أنها أصوات أشخاص ماضية، أو حاضرة، أو مستقبلة تشكل جزءاً من ذاكرة الزمن. مدة التمرين عشرة دقائق.
٥.ابدأ الصلاة أرشم الصليب بصورة بطيئة وردد صلاة، أو جملة: “سيدي إني هنا من أجلك”، “أني أريد ما تريد انت يا الله من هذه الصلاة”، “يارب، علمني أن أصلي”. إبدأ بقراءة مقطع من الكتاب المقدّس ببطء. ويمكنك أن تقرأ بصوتٍ عالٍ إذا أردتَ أو همساً. إقرأ النصّ بقلبٍ منفتح يقبل ما يريد الروح أن يقوله له الآن من خلال هذا المقطع. فقد يقول الروح لك من خلال هذا المقطع ما لم تتوقعه. متى يكلّمكَ الروح؟ حين تثير كلمة أو آية مشاعر فيكَ، أي تلفت انتباهك، فتفهم شيئاً ما بوضوح أشد، أو تلاحظ معنىً جديداً، أو تشعر بحثّ الهمّة والتعزية. أو تختبر نوعاً من الكره أو الاشمئزاز ممّا تقرأه أو تضطرب. هذا الشعور السلبيّ هو أيضاً علامة على حديث الروح، فلا تقاوم الروح. حين تختبر حضور الروح بهذه الطريقة، توقف عن القراءة وابقَ مع الكلمة أو الآية أو الفكرة أو الإلهام … كرّر الكلمة أو الآية وتذوّقها. بهذه الطريقة تسمح للروح بأن يعلّمك من الداخل. أنت تصغي. وروح الله يرفّ على الخواء، وتنشأ خليقة جديدة في قلبك. وكلّما اختبرتَ صمتاً وسلاماً عميقين، ابقَ فيهما قدر ما تستطيع. إنها صلاة عميقة. بها يحلّ الاتصال والشراكة فيكَ بدون كلام. وروح الله يشارك روحك. إنّها الصلاة الصرفة؛ غاية كلّ تأمّل. كنت تحضّر قلبك لهذا اللقاء، وها قد حدث الآن. فعليكَ أن تستجيب لعمل الله الخلاّق فيكَ بالكلمات أو بالصمت. لا ينبغي عليكَ الاستعجال. ولا تقلق لأنّ الوقت يمضي ولم تنهِ تأمّل كامل النصّ، لأنّ ما يغذّي النفس ليس كثرة الكلام. إبقَ عند الجملة الّتي حرّكت مشاعركَ، وتذوّقها حتّى تشعر بأنّ نفسك قد ارتوت.
٦.النهل من كلمة الله: اقرأ المقطع الكتابي ببطء. اقرأ المقطع كلّه مرة واحدة. توقف ثمّ اقرأه مرّة ثانية. كلّما تقرأه تغوص فيه أكثر فأكثر. اقرأه عدّة مرات بقدر احتياجك حتى تتشبّع به. الآن، أنت تعرف كلّ تفصيل من تفاصيله وتستطيع أن تذكر أجزاء منه غيباً. والمشهد حيّ أمامك بكامله (إذا كان النصّ يصف حدثاً). أغلق الكتاب المقدس الآن وابق صامتاً. دع الروح يحمل صلاتك. اسمح للصور أو للآيات أن ترِد عفويّاً إلى ذهنكَ. ابقَ عندها. قلّبها في عقلك. دع الروح يعلّم قلبك هذا السرّ أو هذه الحقيقة ويمسحك بها. إذا كانت هناك لحظات صمت وسلام عميق ابقَ فيها. لقد بلغتَ غاية مسعاك في الصلاة؛ أي أن تجعل الروح يصلّي فيك.
٧. نسخ كلمة الله: يمكنك أن تستعمل هذه الطريقة حين تشعر بشرودٍ شديد، أو بعدم القدرة على التركيز، أو بالتعب. إنسخ مقطعاً من الكتاب المقدّس. وحين يمسّك أو يحرّك مشاعرك شيء، ضع خطاً تحته وتابع النسخ. عند الانتهاء من الكتابة، عُد إلى العبارات أو الكلمات الّتي وضعتَ تحتها خط، وتناولها الواحدة تلو الأخرى، ودوِّن تعليقاّ وجيزاً على كلّ واحدة. إذا شعرتَ وكأنّك تجيب عليها، دوّن إجابتكَ. وإذا شعرتَ برغبة في الصمت، افعل ذلك، وابقَ في الصمت طالما أنّك تجد فيه ما تفتّش عنه: السلام ، الراحة، القوة … ثم انتقل إلى مكانٍ آخر وضعتَ تحته خط، وهكذا دواليك.
٨. صلاة الخيال: عندما تصلّي انطلاقاً من أحداث في حياة المسيح مثل الميلاد أو قصّة معجزة، تخيّل المشهد حيّاً وكأنّه يحدث الآن. في البداية، قطّع المشهد إلى صور، وابنِ في ذهنكَ كلّ مكوّنات الصورة: المباني، الطبيعة المحيطة، الأشياء الموجودة، الشخصيّات: لباسهم، أشكالهم …الآن، اجمع الصور في فيلم ينتقل من صورةٍ إلى أخرى، أو من مشهدٍ إلى آخر. دع خيالك حرّاً في إعادة بناء القصة كما يحلو له. واجعل جميع حواسّكَ تشارك في القصّة. كن هناك. شارك في القصّة بشكلٍ فعّال. مثلاً، في معجزة تحويل الماء إلى خمر، كوّن الصور التالية: صالة العرس وأساسها (ربّما بهو دارٍ عربيّ)، مائدة يسوع والتلاميذ وكلّ ما عليها، مائدة العروس والعريس، جرار الماء والخدم والمشرف على العرس. كن واحداً من المدعوّين أو الخدام. دع الحدث ينطبع في نفسك من خلال حواسك، خارجياً في الأوّل ثم داخليًا. ودَع مَن هو حاضر في هذا السر يُظهِر ذاته لك. وهذا يحدث أثناء استقبالك الصامت لهذا السر – كما يستقبل الفيلم أشعة الضوء الصادرة من الصورة. فأسرار حياة المسيح أبديّة. لذلك فهي موجودة أبداً – المسيح يولد اليوم، ويشفي المرضى الآن. وهذه الأسرار متاحة لك الآن. وأنت تدخلها بوساطة الإيمان الطفولي البسيط. عندما تصبح الصلاة من هذا النوع إمعاناً بسيطاً ومندهشاً في السر والعبادة، تعرف ما يجب فعله. ابقَ صامتاً. لقد انتهى دورك في الصلاة. وقد تسلّم المسيح القيادة. دعه يقود. يستطيع مَن لديهم خيال حيويّ أن يستفيدوا من طريقة الصلاة هذه. فكلّ إنسان يحلم في اليقظة؛ كلّ إنسان لديه ما يكفي من الخيال ليتصوّر أنّه في موقفٍ ما وليبقى فيه.
٩. الثقة للتغلب على الشكوك: ستراودك أفكار بأنّ هذا الجواب هو من ذاتكَ. لا تكترث لهذه الأفكار، لأنّها عمليّة عقليّة، والتأمّل هو عمليّة شعور واستسلام. سيزع روح الشر داخلك الشك بأنك تكلم نفسك، ليس هناك من يسمعك. هل الرب حاضر هنا حقاً؟ عليك أن تثق بأن الله معك دائما، وأن تصلي: “يا إلهي أود أن أومن بك، تعال إلى نجدتي يا إلهي، تعال إلى نجدة إيماني الضعيف، إنك تعطيني هذا الإيمان، أقبل صلاتي المثقلة والفقيرة كثيرا، أقبل إيماني الصغير جدا”. “لو كان لكم إيمانا بمقدار حبة من الخردل، لقلتم لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل” (مت ١٧/٢٠). وهذا ما كان يصليه فرنسيس: “ماذا تريد يارب أن أفعل”.
١٠. صلاة اللهج: أعمل على ترديد عبارة روحية مقدسة طوال اليوم. اختر جملةً من الكتاب المقدّس تشعر بأنّها تخاطب حياتكَ الآن أو تعكس حالتك. كرّر هذه الجملة بتأنّي مرّاتٍ ومرّات، حتّى تشعر بأنّك شردتَ. فهذا الشرود علامة على انفصال العقل عن القلب. تابع التكرار، وتذوّق كيف أنّ عقلك يؤدّي مهامه، وقلبكَ يصلّي. غيّر الجملة حين تشعر بأنّ نفسك قد ارتوت، أي لم تعد هذه الجملة تحرّك مشاعرك. استخدم الآية ورددها أثناء اليوم، أثناء العمل والرسالة أو أثناء القيادة وغيرها من الأنشطة اليومية المعتادة. مثلاً يكرر شخص آية رسالة يوحنا ٤/١: “إن الله محبة، من يثبت في المحبة، يثبت في الله، ويثبت الله فيه
١١.التغلب على الشرود: يجنح الفكر كثيرا أثناء الصلاة في أمور شتى، كمشكلات العمل والحياة ولكن إذا كان هذا ما يشغل فكرنا فمن الممكن حمل كل هذا في صلاتنا، وإذا كان لديك هموم فيمكن أن تقدمها إلى الله وتقول له: “انظر يا سيدي، أني غير راضي عن نفسي، أني لا أستطيع التخلص من هذه الهموم في حياتي”. أن الصلاة لا تقدم حلولا لكل شيء، ولكن الرب يستطيع أن يساعدك لكي ترى بوضوح أكثر أو بحيث لا تلوم نفسك، وأن تقبل ذاتك، كما أنت، إنك فريد بنظر الله وأعلم أنه يحبك كثيراً وبذل ذاته من أجلك”. كتبت مادلين ديلبريل: “يصبح الشرود صلاة عندما نفكر به مع الله. فإذا قاومناه أحيانا نشرد أكثر”. يساعدنا ذلك على أن نميز بين الشرود الجيد والشرود السئ، الشرود الذي أستطيع أن أجعله صلاة، والشرود الذي لا يصلح لذلك). وعندما ينتابك الشرود، عُد إلى القراءة حتى “تسمع صوت” الروح كما من قبل، ثم توقّف، الخ. قد يكون صوت الروح كالنسيم الخفيف، وتصعب ملاحظته. لذا، من الضروريّ جدّاً أن تكون شديد الانتباه والحسّ له.
١٢. الاستمرار في الصلاة هو التحدي الأكبر: ما أسهل أن نلغي وقت الصلاة، ولدينا شعور إننا نعيش جيدا بدون صلاة. والصعوبة هي الاستمرار في وقت للصلاة سبق أن حددناه. نحاول أن نكون أمناء على الصلاة حتى لو شعرنا بضجر وحتى لو شعرت أحيانا بالجفاف، بالصحراء، حتى لو شعرت أن الله ليس هنا، أكون محافظا على الصلاة. إذا كنت لا آتي إليها في سبيل متعتي الشخصية، إن الجفاف، الصحراء جزء من الطريق، وعادة في البدء نجد الحماس، أما فيما بعد فنشعر بالصحراء. “يا سيدي آني هنا لأجلك، إني أقدم لك هذا الوقت، افعل به ما تريد. أكون أمينا في الصلاة إذا وضعت إلى جانبي كل الأوراق الرابحة: الثقة، والهدوء حولي، الهدوء في جسدي وفي قلبي وفي عقلي، إذا كنت أعرف أن أقدم حياتي وآلامي وأفراحي وأتعابي، أني هنا ياسيدي لأجلك وأعلم أنك هنا”.