إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

الذكرى السنوية الثانية للأب/ كمال لبيب

0 1٬005

: “لَستُم بَعدَ اليَومِ غُرَباءَ أَو نُزَلاء، بل أَنتُم مِن أَبناءَ وَطَنِ القِدِّيسين” (أفسس 2: 19).

نشترك أخوتي اليوم في الصلاة لأجل الأب/ كمال لبيب بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لانتقاله إلى السماء. أخ حبيب تشاركنا لسنوات مسيرة الاقتداء بيسوع المسيح بنهج حياة القديس فرنسيس الأسيزي كأخوة أصاغر. عشنا معًا وارتبطنا بعلاقة أخوة وصداقة وتعاون في حقل الرب لسنوات طويلة.

صلاتنا اليوم نابعة من إيماننا العميق بالقيامة، وأن الذين انتقلوا من هذا العالم قد انتقلوا إلى حياة جديدة، أبدية. كما يقول القديس بولس: “لِذلكَ فنَحنُ لا تَفتُرُ هِمَّتُنا: فإِذا كانَ الإِنسانُ الظَّاهِرُ فينا يَخرَب، فالإِنسانُ الباطِنُ يَتَجدَّدُ يَومًا بَعدَ يَوم” (2 كور 4: 16). إذا كان الجسد الخارجي ينهار لكن جوهر الإنسان يتجدد بالقيامة فنحصل على جسد ممجد ونشارك في جسد المسيح القائم من الأموات. “أَنَا هُوَ ٱالْقِيَامَةُ وَاٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا” (يوحنا 11: 25). مَن مات فسيحيا.. هذا هو إيماننا وقناعتنا الثابتة.

صلاتنا اليوم نابعة من إيماننا بأننا جميعًا، الأحياء الآن والذين سبقونا وأنتقلوا إلى الحياة الأخرى عائلة واحدة، عائلة الله. هذا ما سمعناه في القراءة الأولى، من الرسالة إلى أفسس الإصحاح الثاني: “لَستُم بَعدَ اليَومِ غُرَباءَ أَو نُزَلاء، بل أَنتُم مِن أَبناءَ وَطَنِ القِدِّيسين” (2: 19). نحن أبناء وطن واحد، الذين سبقوا وانتقلوا إلى الحياة الأبدية، والباقون على قيد الحياة. جميعًا أبناء وطن واحد، وطن القديسين.

يستخدم القديس بولس كلمة “وطن” ليشير إلى عائلة الله الجديدة، إلى الوطن السماوي. يقول بولس “أنتم” أعضاء في عائلة الله، أبناء وطن القديسين.  كيف ننتمي لهذه العائلة؟ كيف ننتمي لهذا الوطن؟ كيف تحصل على تأشيرة دخول هذا الوطن السماوي؟ كيف تحصل على الإقامة الدائمة فيه؟ كيف تتمتع بجنسية هذا الوطن؟ سيساعدنا أبونا كمال في أن نفهم كيف ننتمي لهذا الوطن!

أولا: لكي تحصل على جنسية بلد ما عليك أولاً أن تحصل على تأشيرة دخول لتلك الدولة. وطن القديسن يحتاج أيضًا إلى تأشيرة دخول. لكي تنتمى إلى عائلة الله لا بد لك أن تحصل على تأشيرة الدخول.

عنوان وطن القديسين هذا هو الفرح. كلمة سماء دائمًا في الكتاب يرافقها تعبير “الفرح”: السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب. عند الميلاد عّم الفرح الأرض، وعند القيامة “فَفَرِحَ التَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرَّبَّ”. عنوان هذا الوطن هو الفرح: “لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ” (رومية 14: 17). “اِفْرَحُوا فِي ٱلرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: ٱفْرَحُوا” (فيلبي 4: 4)، يكتب بولس هذه الكلمات وهو في السجن. ويقول الرب: “كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ” (يوحنا 15: 11).

حصل أبونا كمال على تأشيرة دخول ملكوت الله، إلى وطن القديسين في حياته على الأرض لأنه كان فرحًا دائمًا، مبتسمًا سعيدًا. لم أراه إلا نادرًا غضوبًا. فرح القلب لا يحصل عليه الإنسان بسهولة، فرح القلب لا يعطيه المال ولا السلطة، يعطيه الروح: “وَأَمَّا ثَمَرُ ٱلرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ (غلاطية 5: 22). كان ممتلئًا بالروح فطغى الفرح وظهر في تعبيرات وجه وأسلوبه في الحياة.

ثانيًا: لا يكفي حصولك على تأشيرة الدخول لكي تتمتع بالجنسية للوطن. عليك أن تحصل ثانيًا على الإقامة الدائمة. وفي يوم حصولك على الإقامة الدائمة عليك أن تؤدي “قسم”. لا بد أن تعلن الولاء واحترام الدستور والقانون للبلد أمام قاضي. لكي تحصل على الإقامة الدائمة في وطن القديسين، لكي تنضم إلى عائلة الله لأبد أن تؤدي “القسم”.

أمام بيلاطس أعلن يسوع عن القسم الخاص بمملكته، عندما سأله بيلاطس: . «فأَنتَ مَلِكٌ إِذَن!» أَجابَ يسوع: «هوَ ما تَقول، فإِنِّي مَلِك. وأَنا ما وُلِدتُ وأَتَيتُ العالَم إِلاَّ لأَشهَدَ لِلحَقّ. فكُلُّ مَن كانَ مِنَ الحَقّ يُصْغي إِلى صَوتي». لكي تحصل على الإقامة الدائمة عليك أن تشهد للحق.

أن تشهد للحق، أن تكون أمينًا دائمًا، أن تكون أمينًا في القليل: “كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ” (متى 25: 21). إذا رغبت في أن أصف حياة أبونا كمال ورسالته كراهب لن أجد أكثر من هذا الوصف، كان يشهد دائمًا للحق، راهبًا فرنسيسكانيًا أمينًا في حياته. شهد للروحانية الفرنسيسكانية بحياته أكثر من كلماته، منفتحًا على الجميع، مؤمنا بالحوار مع الجميع، خادمًا للجميع مبرهنًا على أن هذه هي الروحانية الفرنسيسكانية بالمثل والحياة,.

ثالثًا: يحصل الإنسان على جنسية أي وطن متى ولد فيه، ولد في أمريكا فيحصل على الجنسية الأمريكية، أما الانتماء إلى وطن القديسين لا يكون إلا من خلال علاقة خاصة وفريدة مع حجر الزاوية يسوع المسيح نفسه، الجالس على العرش، كما يصوره سفر الرؤيا. يقول بولس الرسول: “فيه يُحكَمُ البِناءُ كُلُّه وَيرتَفِعُ” كما سمعنا في القراءة الأولى.

على الصليب استخدم المسيح كلمة “فردوس” عندما وعد بالخلاص اللص اليمين (لوقا 23: 43). لم يعده بمكان، بل بشرط؟ سيكون معه. للحصول على جنسية وطن القديسين يكفي أن تكون “مع” يسوع في حياتك على الأرض، وتستمر في علاقة معه في الحياة الأبدية بعد الموت.

أبونا كمال، وهو في سن الشباب، عزم على أن تكون له علاقة مع يسوع رب الحياة، فلم يهتم مثل سائر الشاب بتحقيق أحلامه الأرضية، بل جاء ووقف في هذه الكنيسة ليعلن استعداد أن يخدم الرب مدى الحياة، أن يرتبط معه بعلاقة أبدية، “ما مِن أَحَدٍ تَرَكَ بَيتاً أَو إِخوَةً أَو أَخَواتٍ أَو أُمَّا أَو أَباً أَو بَنينَ أَو حُقولاً مِن أَجْلي وأَجْلِ البِشارَة إِلاَّ نالَ الآنَ في هذهِ الدُّنْيا مِائةَ ضِعْفٍ مِنَ البُيوتِ والإِخوَةِ والأَخَواتِ والأُمَّهاتِ والبَنينَ والحُقولِ مع الاضطِهادات، ونالَ في الآخِرَةِ الحَياةَ الأَبَدِيَّة” (مرقس 10: 29- 30). ترك أبونا كمال أسرته الصغيرة لكن أعطاه الله أسرة كبيرة في هذه الحياة، آلاف المحببين، آلاف الأخوة والأخوات والأمهات، ألاف الأبناء.. وفي النهاية الحياة الأبدية.

لكي تحصل على مكان في وطن القديسين لا بد أن تكون لك علاقة قوية مع يسوع المسيح، ابن الله الجالس على العرش، أن تتبعه وتبقى معه.

للانتماء لوطن القديسين، إلى عائلة الله عليك أولاً الحصول على تأشيرة دخول هذا الوطن السماوي، أن تكون فرحًا في حياتك ممتلء بالروح القدس. عليك أن تؤدى “القسم” بأنك تكون أمينًا في حياتك وتشهد للحق. تتمتع بجنسية وطن القديسين في النهاية عندما  يكون لك علاقة دائمة وأبدية برب الحياة، يسوع المسيح، تفضله عن أي شيء عزيز في حياتك، عن أسرتك وممتلكاتك عندها تربح كل شيء.

قد يعجبك ايضا
اترك رد