هل ذاكرة يسوع ضعيفة؟!

أعزائي، أعترف لكم إني لديّ مشكلة كبيرة يعرفها البعض، وهي الخاصة بذاكرتي الضعيفة. أنسى بسهولة أسماء الناس واخلط بين الأشخاص مما يسبب لي الاحراج الشديد أحيانًا. أنسى كذلك ترتيب الصلوات، أو النصوص والقوانين والقصائد، لهذا لم أنجح في حفظ بيت شعر واحد بصورة صحيحة.  أعترف حتى الوصايا الإلهية المعروفة والمحفوظة، الوصايا العشر، تأتي مختلطة أحيانًا، غير مرتبة على الترتيب الصحيح.

عند قرائي لإنجيل اليوم (مرقس 10: 17- 31)، الأحد الرابع من هاتور، لاحظت أن يسوع كان لديه مشكلة مماثلة، فلم يتذكر الوصايا العشر، أساس إيمانه كيهودي، بصورة صحيحة؟! اقترب منه رجلٌ وسأله: “أَيُّها الـمُعَلِّمُ الصَّالِح، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الـحَيَاةَ الأَبَدِيَّة؟”. سرد له المسيح الوصايا ولكن بترتيب مختلف، ونسى البعض منها، حتى إنه أضاف وصية غير موجودة بالوصايا العشر: “لا تظلم”!!!

من الواضح إن يسوع ليس لديه مشكلتي مع الذاكرة الضعيفة، بل على العكس جاء الترتيب مقصودًا ومختارًا بعناية لحالة الشاب الغني. عدد يسوع فقط الوصايا المتعلقة بالقريب، متجاهلاً، عن قصد، الوصايا المتعلقة بالعلاقة مع الله، مثل: ” لا يَكُنْ لَكَ آِلهَةٌ أُخْرى تُجاهي.. أو:لا تَلفُظِ آسمَ الرَّبِّ إِلهِكَ باطِلاً.. أو: أُذكُرْ يَومَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَه”، ليؤكد على أن الأهمية ليس في حفظ الوصايا غيابيًا في الذاكرة، الأهم والمعنى هو في التطبيق العملي لهذه الوصايا. ولا يمكن تطبيق هذه الوصايا إلا من خلال العلاقة مع القريب، إلا من خلال العلاقات الإنسانية. عدد المسيح الوصايا الخاصة بالقريب: “لا تَقْتُلْ، لا تَزْنِ، لا تَسْرِقْ، لا تَشْهَدْ بِالزُّور، أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ”. ثم أضاف المبدأ الذي يعبر عن كون الشخص يُطبق الوصايا من عدمه: لا تخدع الآخرين.

بالنسبة إلى يسوع، فإن المعرفة البسيطة للوصايا وتنفيذها العملي لا تكفي لجعل الحياة “أبدية” ، أي كاملة، وسعيدة. يقترح يسوع على الشاب أن يعلم إن السعادة في الحياة، والتي تستمر في الحياة الأبدية التي يطلبها، يكمن في العلاقات الإنسانية مع القريب دون زيف أو كذب. يمكن أن تلمس الله في القريب، في الفقير، في المحتاج، ماديًا ونفسيًا وإنسانيًا. لا تنتظر الحياة الأبدية بعد الموت، بل هي حاضرة الآن في أيامك الاعتيادية الروتينة. أحبب الرب إلهك وقريبك كنفسك، فلا تظلم أحد أبدًا. لذا أضاف يسوع “لا تَظْلِمْ”.

إن الطريق إلى الله، الغير منظور، هو القريب المنظور: “إِذَا قَالَ أَحَد: “إِنِّي أُحِبُّ الله”، وهُوَ يُبْغِضُ أَخَاه، كَانَ كَاذِبًا، لأَنَّ الَّذي لا يُحِبُّ أَخاهُ وهُوَ يَرَاهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ وهُوَ لا يَرَاه. ولنَا مِنْهُ هـذِهِ الوَصِيَّة، أَنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أَيْضًا أَخَاه (1 يوحنا 4: 20). فلا تظلم أحد، لأن القريب هو معيار محبتك لله. لا تكفي حفظك للوصايا الخاصة بعلاقتك مع الله، وتنسى أن تعبر عنها من خلال علاقاتك مع الآخرين. انتبه إلى طريقة معاملاتك مع الناس فمن الممكن أن تظلم البعض، فإذا كنت غنيًا فأعلم أن تملكه من مال مثلا لا يخصك وحدك، لكن يجب أن يعود بالنفع على آخرين. أنت مثل الوكيل الأمين المؤتمن على ما تملكه من مال في سبيل أن تصل حسناته إلى آخرين (تعليم الكنيسة الكاثوليكية 2404).

“َعِنْدَ اللهِ كُلُّ شَيءٍ مُمْكِن” يقول المسيح للتلاميذ ولنا. الطريق إلى الحياة الأبدية يتلخص في كلمة واحدة أضافها يسوع للوصايا: “لا تَظْلِمْ”. من الممكن أن تفعل أشياء عظيمة في الحياة، تمنحك السعادة في أيامك وتقودك إلى السعادة الأبدية متى تعلمت أن لا تظلم أحد.

عظات متنوعة