تدريبات التأمل 4
التدريب الرابع: التحكم في الأفكار
يعد هذا التدريب تعميقا للتدريب السابق،الذي تصور البعض إنه سهل إلى درجة إنه خيب أمالهم في الدخول إلى عمق الصلاة. فالتأمل في حقيقته بسيطا جدا، والمهم ليس في ممارسة تدريبات معقدة للوصول إلى حالة الصفاء الذهني والسلام الداخلي، بل في المثابرة على ذلك الشيء الذي يبدو سهلا بالنسبة لنا، ولكنه في الحقيقة صعبا جدا على الكثير من الناس. التأمل يعني أن تهزم الملل الذي قد يتسرب إليك أثناءه، عدم الوقوع في فخ البحث عن الجديد، بل المطلوب البحث عما هو أعمق.
ولأجل الاستفادة من هذا التدريب والتدريب السابق يجب عليك ممارسته إلى أطول وقت ممكن (أقله لمدة ثلاث أسابيع متصلة). وفي التدريبات البوذية يقضي المتدرب على التأمل ما بين اثني عشر ساعة إلى أربعة عشر مركزا جل انتباه على عملية الشهيق والزفير، وعلى الهواء الذي يدخل ببطء لقفصه الصدري (التدريب الأول). يعتاد المتدرب على نزع كل الأفكار من رأسه، مركزا في تلك العملية البسيطة وهي دخول الهواء من فتحتي الأنف وخروجه منها، دون أن يشغل ذهنه بأي فكرة خارجية. وقد يقضي المتدرب ساعات وساعات متأملا في تلك الأحاسيس المرتبطة بدخول الهواء إلى الأنف، وخروجه مداعبا تلك المساحة من الجلد التي تفصل بين الأنف والشفاه العليا. ولا يستطيع المتدرب أتمام هذا التدريب ما لم يتحل بالصبر والمثابرة على التركيز، دون ضجر أو ملل في تلك العملية التي تمثل للجميع شيء بسيطا يتم بصورة ميكانيكية دون أن يفطن لها.
هنا يظهر التساؤل: ما هي فائدة ذلك التدريب بالنسبة للصلاة؟ ولكننا لن نعطي إجابة الآن، بل قم بتنفيذ ما يطلب منك وأكتشف بنفسك الإجابة عليه. لأنه من خلال التدريب ستكتشف إجابات عقلية، بل تعيش خبرات ملموسة ستساعدك على الصلاة. البعض يفضل إجابات جاهزة، ولكن الأفضل أن تبحث عن الإجابة بنفسك من خلال ما تشعر به وما تختبره. فمشاهدة شروق الشمس من أعلي جبل، بعد صعودك إليه، أفضل من أن تدخل في مجادلة عقيمة عن مكامن الجمال في تلك الصورة! “تعالوا وانظروا” أجاب يسوع أثنين من تلاميذه عندما سأله أين يقيم. بالفعل يجب أن تبحث عن الإجابة بنفسك.
ما نستطيع أن نقوله الآن: إنه يجب أن تبدأ الصلاة بذلك التدريب، فلا تبدأ صلاتك بدون أن تدخل في ذلك السلام والصفاء الذهني بعيدا عن الأفكار الجاهزة والمعلبة. ذلك الوقت الذي تبذله لأجل أن تحصل على السلام أو الصفاء الذهني يمكن لك أن تقوم به في أوقات كثيرة من يومك، أثناء انتظارك الأتوبيس أو القطار، أو عندما تكون متعب أو عصبي أو لا تجد ما تفعله.
سيأتي وقت ستجد متعة في تلك الاستنارة وتشعر بأنك ترغب في البقاء أطول وقت ممكن في ذلك الصفاء الذهني دون الحاجة إلى الدخول في الصلاة. ولكن إذا قمت بالتدريب وشعرت بتلك الراحة النفسية والصفاء الداخلي، فانه سيساعدك بصورة جيدة للدخول إلى الصلاة، والتي متي دخلت فيها بعد هذا التدريب ستعيش خبرة روحية رائعة لن تتكرر.
وأليك التدريب: أغلق عينيك، وكرر التدريب السابق، وانتقل من جزء إلى آخر من جسدك، وتعرف عليه وأشعر به. واستمر في هذه المرحلة مابين خمس إلى عشر دقائق.
والآن أختار مساحة ضيقة من وجهك، الجبهة على سبيل المثال، أو الخد، الذقن. وحاول أن تشعر بها على حدة. وللوهلة الأولي قد يبدو لك أن تلك المساحة من الوجه لا توجد بها أي أحاسيس، لا تشعر بها على الإطلاق. وإذا حدث ذلك أرجع إلى التدريب السابق لوقت قليل، وبعدها عد إلى تلك المنطقة من الوجه. ركز على تلك المنطقة لحين أن تشعر بها، حتى لو كان الشعور بها ضعيف، وتمسك بذلك الإحساس. ومن الممكن أن لا يدوم ذلك الإحساس إلا قليل من الوقت، ولكنه علامة جيدة. فقط عليك أن تتعرف على نوعيته: حرارة، دغدغة، ضغط، رجفة، برودة.. وإذا تشتت تركيزك عد إلى التدريب بصبر وطول أناة.
وننهي هذا التدريب، بنوعية أخرى يمكن استخدامها بعيدا عن أوقات الصلاة. أثناء المشي، لاحظ لوقت قصير، حركة ساقيك. ويمكن لك أن تمارس هذا التدريب حتى في الشوارع المزدحمة. ستشعر براحة كبيرة عند تنفيذه.
ليس المقصود تتبع طريقة حركة الساقين، بل الإحساس بالحركة ذاتها. تتبع ارتفاع القدم اليسرى، وتحرك الساق إلى الأمام خطوة، ثني الركبة وامتداد الساق، تلامس راحة القدم مع الأرض، ثقل الجسم وهو يرتكز على القدم اليسرى. والآن حرر قدمك اليمني وتابع حركتها إلى الأمام، وتلامسها مع الأرض.. وهكذا. وللمساعدة في التدريب يمكن أن تحدث نفسك (مع مراعاة أن لا يراك أحد أو يسمعك أحد لأنه سيعتقد أنك مجنون) هكذا أثناء ارتفاعك قدمك: ارتفعي، ارتفعي. وعند التحرك إلى الأمام: تحركي، تحركي. وعند ملامستها الأرض: دوسي، دوسي..الخ