تدريبات التأمل 5
التدريب الخامس: التغلب على التشتت
هناك البعض الذي يتشتت فكره أثناء التدريبات التي سبق أن أشرنا إليها. وللتغلب على ذلك التشتت جاعلا العينين نصف مغمضتين، بحيث تسمح فقط بمجال رؤية لا يتعدى تسعين سنتمترا أمامك. والآن ركز نظرك على شيء ما خلال تلك المسافة القصيرة. بالطبع المقصود بالتركيز ليس التفكير في الشيء الذي أمامك بل أجعل هناك مساحة بيضاء في عقلك بالنظر إلى شيء ما غير واضح بعينين نصف مغمضتين. وإذا لم تنجح في هذا فمن الممكن أن تكون الأفكار التي تسحبك بعيدا قوية.
وهناك طريقة أخري، ليس لها تفسير علمي، ولكن التجارب أثبتت صحتها، وهي أن تجعل ظهرك عموديا ممشوقا. ففي تمارين اليوجا الأولية، يتعلم الشخص في أن يجلس القرفصاء واضعا راحة قدميه على ساقيه بتعامد، جاعلا ظهره عموديا. والكثير منا لا يستطيع أن يجلس طويلا في هذا التدريب، وإنما الذي يحاول جاهدا وبصبر ينجح في كبح جماح تفكيره ينجح في التركيز فيما يريده. ووضعية الجسد هذه تبدو للوهلة الأولى صعبة للكثيرين، ولكنها على العكس يشعر فيها الإنسان بالاسترخاء والهدوء الداخلي، أكثر مما لو جعل ظهره مقوسا أو منحنيا. ومعلمي اليوجا يستطيعون بمجرد النظر لطريقة جلوس شخص ما يعرفون إذا دخل إلى دائرة التركيز العميق، أم مشتت الفكر. فإذا كان الشخص ظهره منحنيا فأن فكره لابد أن يكون مشتتا.
وينصح بعض معلمي اليوجا أن يستلقي الشخص على ظهره، لجعل العامود الفقاري أفقيا على الأرض بصورة تساعده على التركيز. والعقبة الوحيدة أمام هذا التدريب هو أن وضعية الجسد تلك من الممكن أن تدفع به إلى النوم، الشيء الذي يجعل التركيز في غاية الصعوبة.
ويجد الشخص نفسه أحيانا منشغل الفكر في أمور كثيرة بالرغم من اتخاذ وضعية جيدة لجسده وعينيه مقفولتين. وسباحة الفكر في أمور شتى هي أصعب الأشياء التي يجب على من يرغب في التأمل أن يواجهها. فتشتت الفكر هي بمثابة معركة على الإنسان خوضها، بالنظر إلى الثمار التي تعود عليه من صفاء ذهنه. فذهن صافي من الأفكار المتضاربة المتلاحقة هي أسمي الخبرات التي يمكن للإنسان أن يعيشها. وإليك هذا التدريب:
أغلق عينيك، أو اجعلها نصف مغمضتين إذا كان أكثر مناسبة. والآن لاحظ كل فكرة تدخل عقلك، أعمل على تتبعها، ويمكنك أن تردد لنفسك أنك تفكر الآن. ستفاجئ أنه في الوقت التي تدرك أنك تفكر ستجد أن نشاط تفكيرك قد توقف!! وهذه أسهل الطرق لتوقف طوفان الأفكار التي يمكن أن يملئ رأسك.
عُد لهذا التدريب، خاصة عندما تشعر بتواتر أفكار بصورة غير معتادة. وأعلم إنه من المستحيل عليك الدخول في التأمل دون أن تكون البداية مصحوبة بتشتت واضح للذهن وتزاحم للأفكار. والتشتت سرعان ما يزول عندما يدرك العقل إنه في حالة تشتت.
هناك حالات خاصة يشعر فيها الإنسان بتشتت في أفكاره أكثر من المعتاد، خاصة حالات مشاعر الخوف والحب. وتلك الحالات المرتبطة بالمشاعر يصعب فيها الوصول إلى صفاء الذهن بمجرد أن يفطن الإنسان إنه مشتت. لابد من استخدام طرق أخرى سنذكرها في حينها.