الأحد الأول للفصح: أحد توما
في زيارة لي لكنائس مصر القديمة وجدت منبرا خشبيا رائعا فوق اثني عشر عمودا من الرخام. عشرة منهم رخام أبيض ناصع، وواحد مصنوع من الرخام الرمادي، والأخير من الرخام الأسود. فسر لنا المرشد رمزية الأعمدة بقوله: أن الأعمدة تمثل التلاميذ الأثني عشر، العشرة البيض هم حامي الإيمان، أما الرمادي فهو يرمز إلى توما الرسول بسبب شكه، والأخير يرمز إلى يهوذا لأنه هو الذي أسلم المسيح ليُصلب.
توقفت أمام هذه الرمزية، لماذا نصف توما بالشكاك؟ هل لأنه لم يؤمن إلا بعد أن يري بنفسه ويعاين المسيح القائم، ويلمس أثار المسامير والحربة في جسد الرب.
لكن هل كل التلاميذ كانوا مقتنعين بحدث القيامة؟ عندما طلب الملاك من النسوة ابلاغ التلاميذ بأمر القيامة، فعلن النسوة ما قال لهن الملاك، إلاّ ان هذا الكلام بدا للرسل ضربا من الهذيان، ولم يصدّقوهن: “فما صَدَّقوها عِندَما سَمِعوا أنَّهُ حيُّ وأنَّها رأتْهُ. وظهَرَ يَسوعُ بَعدَ ذلِكَ بِهَيئَةٍ أُخرى لاَثنَينِ مِن التلاميذِ وهُما في الطَّريقِ إلى البرِّيَّةِ. فرَجَعا وأخبرا الآخرينَ، فما صدَّقوهُما”. (مر 16: 11- 13)، .. لـم يؤمنوا بذلك في البداية. ولـهذا فقد هربوا واختبأوا. لـم يترددوا في التعبير عن شكوكهم. ولـم يصدقوا إلاّ بعد توفر دليل كافٍ مقنع.
ظهر الرب القائم للرسل المجتمعين في العلّية وبدّد خوفهم ونفخ فيهم روحه المشدّد (20/19-23)، وكان ذلك بغياب “التوأم” (توما)، الذي يطلب برهانا على كلام التلاميذ بأن المسيح قد قام، فقد رأه على الصليب ثم علمَ بأن يوسف الرامي قد وضعه في قبر منحوت في الصخر ودحرا حجرًا عظيمًا على باب القبر. وأن رؤساء الكهنة والفريسيين طلبوا الى بيلاطس، زيادةً في الاحتراز، أن يأمر بحراسة القبر، فكان لهم ذلك، فمضوا وضبطوا القبر بختم الحجر واقاموا الحرّاس عليه. الأمر صعب أن يُصدق، لهذا طلب علامتين ليؤمن بقيامة الرب المسيح: “إن لم أبصر…”، “إن لم أضع إصبعي…”، أي إن رأيت ولمست، آمنت؛ فقد استعمل أسلوباً سلبياً: “إن لم أرَ … ولم ألمس… لن أؤمن” (20/24-25).
جاء المسيح خصيصًا لتوما، للخروف الضال، ونلاحظ إنه لم يهتم بأحد مثلما فعل مع توما، قال له تعال انظر، أنا أعلم أنك تألمت كثيرا يا توما، أنا أيضًا تألمت كثيرًا، أنظر إلى يدي ورجلي وجنبي، القائم مغطي بالجروح وأثار المسامير. يسجد توما ويبكي، ثم يعلن إيمان الكنيسة جمعاء.. كيف.. إذا قرأنا إنجيل القديس يوحنا سنلاحظ تدرج في الإعلان عن المسيح.. فالتلميذان الأولان اللذان اتبعا يسوع قال لهما: “ماذا تُريدان؟” فقالا رابي (أي يا معلم) أين تقيم؟ (1: 38)، وعندما يلاقي أندراوس سمعان أخوه يقول له:”لقد وجدنا المسيا، أي المسيح” (1: 41). تحول المعلم إلى المسيح. ثم يتقابل يسوع مع نتائيل في نهاية الفصل الأول «أنتَ يا مُعَلِّمُ اَبنُ الله. أنتَ مَلِكُ إِسرائيلَ! (1: 49). يعترف به السامريون بأنه المسيح مخلص العام (4: 43). وينادي به الشعب بأنه النبي «بالحقيقَةِ، هذا هوَ النَّبِـيُّ الآتي إلى العالَمِ! (6: 14). ويناديه الأعمي بعد شفائه بأنه إبن الإنسان (9: 38). أما بيلاطس فيطلق عليه: «يَسوعُ النـاصِريُّ مَلِكُ اليَهودِ« (19: 19). لكن تبقي الكلمة الأخيرة لتوما الذي يقول عن: “ربي وإلهي” (20: 28). المسيح هو الرب والإله لم تقال في الكتاب المقدس إلا ليهوه في العهد القديم: “فِقْ واَسْتَيقِظْ يا إلهي واَحكُمْ لي يا ربُّ في دَعواي” (مز 35: 23). فالغير مؤمن أوالشكاك أظهر إيماناً أكثر من الكل، فهو الوحيد الذي عرف أن المسيح هو الإله والرب. أعلن توما إيمان الكنيسة جمعاء، إيمان الرسل اللذين لم يصدقوا القيامة، إعلن أن القائم هو الله ذاته، هو الرب وهو الإله المتجسد.