مَثلُ العذارى
يبعثُ هذا المثل على الحيرةَ، فإذا كان المثل يُشير إلى الدينونة الأخيرة للنفس البشرية ولقائها العريس في القرآن النهائي، فإن العذارى كن متساويات على مستوى الحياة الأرضية، لقد حافظنا على البتولية، على نقائهنّ، كانت سيرة حياتهنّ فاضلة لم يخضعنّ يومًا لسيطرة الشر. فلماذا تم وصف البعض بـ “الحكيمات” والبعض بـ “الجاهلات”؟
هل نسيان آنية الزيت يؤدى إلى الهلاك، بالرغم من سيرة حياتهنّ الفاضلة، كعذارى؟
المعضلة إذن في الزيت، ما هو هذا الزيت الذي يُمَكِن النفس من لقاء العريس القائم من بين الأموات في يوم الدينونة العظيم؟
يُشير الزيت في الكتاب عادة إلى روح الله القدوس. فعند تدشين خيمة العهد يطلب الله من موسى أن يصنع زيتًا يمسح به الخيمة فتُكرس للرب وتصبح له مسكنًا. استخدم موسى وقتها خامات من الطبيعة، وفقًا للوحي الإلهي وبإرشاده، لتمسح به مواد منتشرة في الطبيعة ويستخدمها الإنسان بكثرة في حياته اليومية، فأصبحت مقدسة، مُكرسة لله وحده، بفضل ذلك المزيج من الزيت. عندما سكب موسى هذا الزيت على المواد الطبيعة المعروفة، صنع الفرق وأصبحت مختلفة، أصبحت خاصة الله.
المعنى إن الأعمال الإعتيادية التي يقوم بها الإنسان يمكن أن تكون مُكرسة لله متى أمتلء قلب الإنسان بالروح القدس الذي يدفعه لمحبة الآخرين والحنو عليهم ومساعدتهم. هذا ما نقرأه أيضًا في مثل السامري الصالح الذي سكب زيتًا على جروحات رجل أريحا الذي وقع بين يدي اللصوص. جميعًا قادر على صنع الخير للآخرين، لكن المشكلة في الثبات في فعل الخير حتى النهاية بالرغم من الصعوبات التي يلاقيها الإنسان.
العذارى حافظنّ على بتوليتهنّ، لكن بعضهنّ مزجنّ أعمالهنّ بزيت الروح القدس، مكرسات كل وقتهنّ وحياتهنّ لأجل محبة وخدمة الآخرين فأحدثنّ الفارق. ذات الأعمال التي نقوم بها جميعًا تختلف متى كانت تُقدم بروح محبة وخدمة مضحية.
اعتاد الرسامون مزج الألوان بالزيت حتى تكون ثابتة قبل رسم لوحاتهم الفنية. يحفظون بالزيت، اللوحة من الفساد. يمزجون الزيت مع الألوان ويرسمون اللوحات، فتبقى الصورة، بالزيت، ثابتة ولا تتشوه. هكذا الأعمال الاعتيادية التي نصنعها للآخرين، تصبح بزيت الروح، بالمحبة، طبيعة متأصلة فينا فنسعى للخير في كل أعمالنا.