إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

ابن الأرملة الوحيد

0 1٬070

إحياء ابن الأرملة

في بداية سفر الخروج، يسوق موسى الغنم إلى ما وراء البرية، فيرى منظرًا عجيبًا: عُليقة تشتعل بالنار ولا تحترق. يتعجب موسى فيقول في نفسه: “أَدورُ وأَنظُرُ هذا المَنظَرَ العَظيم ولِماذا لا تَحتَرِقُ العُلَّيقَة” (خروج 3: 2-3).  حدثٌ فريد وعجيب، فالعليق هي أشجار صغيرة، جافة بفعل الحرارة الشديدة وندرة المياه، فإذا أشتعلت فإنها سرعان ما تتحول إلى رماد بسبب جفاف أغصانها وأشواكها. كيف لشجرة مثل هذه أن تشتعل ولا تحترق.

تُمثل العليقة الشيء الذي نصادفه في الحياة  الذي يحمل ظاهرة ضعف ووهن وفشل ومرض وموت، لكن في قلبه هناك حقيقة غير مرئية، مخفية عن الأنظار، مُحتجبة عن العيون، هناك سرٌ ما لا يظهر. حياة الإنسان تمثل هذه العليقة، الجافة واليابسة التي تخفي في ذاتها سرٌ كبير. فبالرغم من الضعف، والمرض، والفشل، والموت الذي يحطم حياة الإنسان ويقضي عليه، إلا إن هناك حياة مخفية، مُحتجبة لا تراها بالعين البشرية. هناك سرٌ مخفي وراء كل شيء، لا يعلمه الإنسان.

في إنجيل اليوم (لوقا 7: 11- 17)، يصادف المسيح في قرية نائين، موكبًا جنائزيًا، تودع فيه أرملة ابنها الوحيد إلى القبر. لنا أن نشعر بقلب الأم، التي بلا عائل بعد وفاة الزوج سوى الابن الوحيد. يموت فجأة السند الوحيد للمرأة. ألم المرأة لا يوصف، والوجع لا يمكن التعبير عنه بكلمات. جسدٌ مائت هو ما تبق من شاب كان يملء البيت والحياة بالمرح والسعادة والأمل في مستقبل مختلف. وجهه الضاحك وفم المبتسم وصوته المفعم بالحنان، تحولت كل أعضاءه الحية إلى أعضاءٌ يابسة، جافة، كشجرة العليقة الصغيرة. هذا ما يظهر أمام الأم الملكومة وأقاربها وهم في طريقهم إلى القبر.

يتوقف يسوع أمام النعش، يَمّدَ يده ليلمسه!! كشف موقف يسوع عن السر المخفي وراء الجسد المائت، الجاف. مع يسوع هناك حياة، حتى إذا كانت العوارض الخارجية مختلفة. هناك حياة!! المرض والضعف والفشل والموت، كل هذا عليقٌ، يبدو جافًا، مُشتعلاً، مائتًا، لكنها ليس النهاية. الله حاضر بقوة في كل شيء، حاضر في ضعفي، ومرضي، وألمي، وموتي. كل هذه “النكبات” هي عوارض خارجية، تمرض وتجف وتشتعل، لكن الجوهر حيٌ ونابض.

قال يسوع عن نفسه: “أنا هو الأول والأخر والحي” (رؤيا 1:  17، 18). الحياة هي عطية الله فهو الإله الحي وهو وحده يعطي الحياة للآخرين. كونه الحي يجعلنا نفهم أنه المصدر الذي تستمد منه المخلوقات حياتها. هذا هو السرُ العجيب الذي كشفه الجسد المائت، يبدو كالعليقة اليابسة تشتعل، ولكنها لا تحترق. هناك شيءٌ مخفي، الحياة لا تموت، هناك قيامة، حياةٌ جديدة متى أمن الإنسان بسيد الحياة: ” أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا” (يوحنا 11: 25)؛ “مَن يُؤمِن بِمَنْ أرسَلَني فلَهُ الحياةُ الأبديَّةُ، ولا يَحضرُ الدينونَةَ، لأنَّهُ اَنتَقَلَ مِنَ الموتِ إلى الحياةِ” (يوحنا 5: 24).

قال موسى في نفسه: “أَدورُ وأَنظُرُ هذا المَنظَرَ العَظيم ولِماذا لا تَحتَرِقُ العُلَّيقَة”. هذا هو شرطُ تدخل الله بروحه المحيية في ضعفات الإنسان وأزماته ومشكلاته وموته. أن يدور وينظر مثلما فعل موسى، أن يملكَ الاستعداد الكافي في أن يحيدَ عن الطريق التي رسمها لنفسه، حتّى يتمكن من التعرف على طرق الله التي تختلف عن طرقه. فما نراه فشل وإخفاق، يصبح في يد الله قوة “لأن قوتي في الضعف تكمل” فهل نحن مستعدّون لأن نحيد عن الطريق الّذي رسمناه لأنفسنا، عارفين بأنّ الله قد يختار طرُقاً غير طرُقنا؟ عندما يرى الله أنّ الإنسان منا مُستعدُ لأن يُسلم مشيئته لله، أن يسمح له بأن يقود خطاه. سيسمع هذا النداء العذب، الشافي، المحيي: “يا فتى، أقول لكَ: قُم”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد