إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

تاريخ الحياة المكرسة (10): الآباء الكابودكيون

0 1٬142

الآباء الكبادوكيّون

غريغوريوس النزينزي

أشرنا إلى رباط الصداقة الذي جمع باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزينزي. إلا كل منهما كان لديه فكر مختلف عن الحياة النسكية. فعندما كانا معًا في أثينا تحدثا عن مشروع نسكي مشترك وتعاهدا على الزهد بالخيرات الزمنية لأنها عابرة. إلا أن الرسائل المتبادلة بينهما تكشف عن فكر كل منهما عن الحياة النسكية، فالنزينزي كان يميل إلى حياة العزلة والنسك والدارسة، على الرغم من براعته في الخطابة التي ظهرت في التزامه بالمهام الرعوية. في حين كان باسيليوس رجلاً عمليًا، أمن بحياة رهبانية غير منفصلة تمامًا عن العالم تهدف إلى خدمة الفقراء والمحتاجين.

عاش غريغوريوس النزينزي حياته بين الحياة التأملية والوظيفة الكهنوتية. فبعد أن قضي فترةً وهو راهب، تمنى أن يظلَ، إلا إن إلحاح المؤمنين دفعه لقبول السيامة الكهنوتية. ولاحقًا رسمه باسيليوس أسقفًا على القسطنطينة. وبعد سنتين ذاعت شهرته فيها بأنّه واعظ مفوَّه، ترك القسطنطينية وعاد إلى إبرشيتّه الأولى في نزينزا، وبقي فيها سنتين فقط. وقضى السنوات الخمس أو الست الباقية قبل موته في العام 389 أو 390 في الدراسة والتأمل والعيش النسكي.

إنّ كتابات القديس غريغوريوس النزينزي هي عظاته الكثيرة، وقصائده الأربعمئة تقريبًا (حوالي 18 ألف بيت شعر!)، ورسائله، وسيرته الذاتية. وأظهر غريغوريوس نفسه في أعماله متصوفًا بارزًا ومتأملاً. علّم بأن كمال الحياة المسيحية في المشاهدة التأملية. وهدف الروحانية المسيحية هو الاقتداء الكامل بالمسيح قدر المستطاع. ولبلوغ ذلك، على المرء أن يزيل كل شيءٍ يمكنه أن يكون عائقًا أمام الأتحاد بالمسيح لذلك يقول: “عليَّ أن أُدفن مع المسيح، أن أقوم معه، أن أرث السماء معه، أن أصير ابن الله، أن أصير إلها. هذا هو أعظم سرً لنا، هذا هو الله المتجسد في نظرنا. لقد أتي ليجعلنا واحدًا تمامًا في المسيح، وفي المسيح الذي أتي تمامًا إلينا، ليحعل فينا كل كيانه. فلم يعد هناك رجلٌ أو امرأة، ” ولا أَعجَمِيٌّ أَو إِسْكوتيّ، ولا عَبْدٌ أَو حُرّ، بلِ المسيحُ الَّذي هو كُلُّ شيَءٍ وفي كُلِّ شيَء” (كولوسي 3: 11)، وهذا ما يميز الجسد. هناك فقط الصورة الإلهية التي سنحملها كلنا فينا، والتي بموجبها خُلِقنا، وعليها أن تتكون فينا وتنطبع فينا”[1].

يمكن للإنسان إزاله ما يعوقه أمام الاتحاد بالمسيح متى نجح في ضبط حواسه تجاه الانطباعات الخارجية، وأن يهرب من الجسد والعالم، وأن يدخل ثانيةً إلى ذاته، ويمتنع عن الاتصال بأيّ كائنٍ بشريٍّ إلا للضرورة القصوى، ويتحدث مع نفسه ومع الله، ويعيش متخطيًا الأشياء المرئية، ويحمل في داخله الصور المقدسة النقية دومًا التي لم يمسها أيّ امتزاجٍ مع أشكال أهواء هذه الأرض، فصار حقًّا، ويصير في كل يومٍ أكثر، مرآة لا عيب فيها للألوهة وللأمور الإلهية، فينال نورها في نوره، ويهاء بريقها في بصيص نوره، وقد جمع في رجائه ثمار الحياة الأخرى، فيعيش برفقة الملائكة، فيكون على هذه الأرض ولكنه خارجها، ومحمولاً إلى أعلى مناطق الروح[2]. “ولذا يحرض النزينزي قائلاً: “فلنسع لنكون كالمسيح، لأن المسيح نفسه صار مثلنا: لنسع أن نصير آلهة بواسطته، لأنه هو صار بواسطتنا إنسانًا. لقد أخذ الأسوأ على عاتقه لكي يمنحنا الأفضل” .

يعلمنا غريغوريوس فوق كل شيء أهمية وضرورة الصلاة. يصرح قائلاً: “أن نذكر الله هو أمر ضروري أكثر من التنفس[3]. لأن الصلاة هي لقاء عطش الله بعطشنا. الله يعطش إلى عطشنا إليه. في الصلاة، علينا أن نوجه قلبنا إلى الله لكي نقرب أنفسنا كتقدمة يجب تنقيتها وتحويلها. في الصلاة نرى كل شيء على ضوء المسيح، نسقط أقنعتنا ونغوص في الحقيقة وفي الإصغاء إلى الله، مغذين هكذا نار الحب.

في إحدى قصائده التي هي في الوقت عينه تأمل حول غاية الحياة ودعاء ضُمني إلى الله، يكتب غريغوريوس: “عليك واجب، يا نفسي، واجب كبير، إذا شئتِ. افحصي نفسك جيدًا، كيانك ومصيرك؛ من أين تأتين وأين يجب أن ترتاحي؛ حاولي أن تسبري هل ما تعيشينه الآن هو الحياة أم هل هنالك أكثر من هذا. عليك واجب، يا نفسي، لذا نقي حياتك: ألا رجوتك، تفكّري بالله وبأسراره، تفحصي ما الذي كان قبل هذا الكون وما هو بالنسبة لك، من أين أتى، وما سيكون مصيره. هذا هو واجبك، يا نفسي، لذا، نقي حياتك”.

غريغوريوس النيصيّ

ولد حوالي عام 335، واكتسب تنشئته المسيحية على يد شقيقه باسيليوس، الذي أطلق عليه اسم “الأب والمعلم”، وعلى يد شقيقته مكرينا. أكمل دروسه معطياً اهتماماً خاصاً الى الفلسفة وعلم البيان. كرس حياته في بادىء الأمر الى التعليم وتزوج. ثم تبع خطى شقيقه وشقيقته وكرّس ذاته بالكامل لحياة التأمل. وفي العام 371 سُيمَ أسقفًا لنيص، ولكنه اتُّهم بعد خمس سنوات بالإهمال المالي، ونحاه المجمع العام في 376. وحين توفي الإمبراطور الآريسي ﭬالانسيوس في العام 378، عاد غريغوريوس إلى نيصس. وحين توفي أخوه باسيليوس في العام 379، كرّس نفسه للشئون الكنسية[4]، وصارًا قائدًا عظيمًا للكنيسة في كبادوكية.

ألف غريغوريوس غالبية كتاباته في الفترة التي تمتدّ من العام 382 إلى 393. وقد توجهت أعماله العقائدية نحو رفض تعاليم أريوس، وأفكار أبوليناريوس الكريستولوجية، وكان ركيزة أساسية في مجمع القسطنطينية عام 381، الذي أقر ألوهية الروح القدس. أوكله الامبراطور تيودوسوس مهاماً كثيرة، ثم انصرف الى كتابة الاعمال اللاهوتية. شارك عام 394 في سينودوس القسطنطينية، وبقي تاريخ وفاته مجهولاً.

كان الخلق بالنسبة اليه موضوعاً أساسياً. فقد رأى في الخليقة انعكاساً لصورة الخالق وفيها وجد الطريق الى الله. كتب كتاباً مهماً عن حياة موسى، أظهر فيه موسى كرجل في مسيرة نحو الله: هذا الصعود نحو جبل سيناء كان بالنسبة اليه صورة لصعودنا في الحياة الإنسانية نحو الحياة الحقيقية، نحو اللقاء بالله. كتب كثيرًا عن أوجه الكمال المسيحي المُعاش. كما كتب أيضًا عن الصلاة الربية وعن التطوبيات وكتاب المزامير، وسفر الجامعة، ونشيد الأناشيد.

خَّص الحياة النسكية بالكثير من هذه الكتابات مثل كتابه عن العذرية، التي ألفها قبل أن يُصبح أسقفًا، عن حياة أخته، مكرينا، وهي أروع نموذج مبكّر لسير القديسين. وكتابه الأشهر “في المؤسسة المسيحية” الذي كُتب خصيصًا للرهبان ويعالج قضية الكمال المسيحي. وقد تم مؤخرًا فقط تقدير القديس غريغوريوس، ويعود الفضل لدراسات[5] هانس أورس ﭬون بالتازار Hans Urs van Balthasar وجان دانييلو  Jean Daniélou ووِرنِر جايغِر Warner Jaeger ووالتِر ﭬولكِر Walther Völker. وتُظهر كتابات غريغوريوس النيصيّ تأثره الشديد بالعلامة أوريجنوس الذي ربما فهمه أفضل من أي شخصٍ آخر، ولكنه يستعمله بحرية. استعمل الفلسفة اليونانية بكثرة إلى درجة تَّشبه كتاباته بكتابات الرواقيّين وأفلوطين.

في كتابه “المؤسسة المسيحية” يحدد غريغوريوس إن الكمال المسيحي هو هدف الحياة، ويمكن بلوغه بفضل معرفة الحقيقة التي يمنحها الله لمن يرغبونها. يتوصل الإنسان إلى المعرفة بالتأمل الحقيقي في النصوص المقدسة الذي يُعطى فقط لمن يعملون بتأثير الروح القدس وإرشاداته. فكيف ينبغي للراهب أن يحضَّر نفسه لينال الروح القدس؟ تبدأ المسيرة الروحية بعبادة نقيّة لله، مسترشدًا بما علمه القديسين في الكتب المقدسة، ساعيًا وراء الفضيلة من خلال الطاعة الكاملة للوصايا، ويحرر نفسه تمامًا من سلاسل الحياة الأرضية ومن كافة أشكال العبودية. عندئذ يمكنه أن يعرف الله معرفة حقيقية، ويملك قوة المسيح التي تحرره من سيطرة الشر والموت.

في تعليقه على خلق الإنسان، يركز غريغوريوس على أن الله، “الفنان الأسمى، يصوغ طبيعتنا بطريقة تجعلها أهلاً للملوكية. فمن خلال تفوق النفس، وبواسطة الجسد، يجعل الإنسان أهلاً للسلطة الملكية. ولكننا نرى كيف أن الإنسان، بوقوعه في شباك الخطيئة، يسيء الى الخليقة، ولا يمارس الملوكية الحقيقية. ولذلك، لكي يعي الإنسان المسؤولية الحقيقية تجاه الخليقة، عليه أن يفتح قلبه لله وأن يعيش في نوره.

إن الإنسان، في الواقع صورة عن الجمال الحقيقي الذي هو الله: “كل ما خلق الله كان حسناً”. ويضيف غريغوريوس: “دليل على ذلك رواية الخليقة. فمن بين الاشياء الحسنة كان أيضاً الإنسان، مزداناً بجمال يفوق جمال كل الأشياء الحسنة. لقد رفع الله الإنسان فوق كل خليقة: “فليست السماء على صورة الله، ولا القمر، ولا الشمس، ولا جمال النجوم ولا أية خليقة أخرى. وحدها النفس البشرية، على صورة الطبيعة التي تفوق كل عقل، على مثال الجمال الفائق، وصمة الألوهية الحقيقية، وعاء الحياة الطوباوية وصورة النور الحقيقي الذي من خلال النظر اليه تصبح النفس مثله، لأنه من خلال النور الذي يغمرها فإنها تتشبه بالذي يشع من خلالها. فلا شيء في الوجود يوازي العظمة التي أعطيت لها. فلنتأمل عظمة الإنسان، ولننظر في الوقت عينه إلى تدهور الإنسان بسبب الخطيئة، ولنحاول العودة الى العظمة الأساسية: فقط بحضور الله، يبلغ الإنسان العظمة.

الإنسان إذن، يحمل في داخله انعكاس النور الإلهي: فمن خلال تنقية قلبه، يعود الى ما كان عليه في البدء، صورة صافية لله، الجمال المثالي. وهكذا من خلال تطهير ذاته، يمكن للإنسان أن يرى الله، كأنقياء القلوب: “إذا غسلت قلبك، سيشع في داخلك الجمال الإلهي… ومن خلال تأملك لذاتك، ترى في داخلك من هو رغبة قلبك، فتصبح من أهل الطوبى”. فلنغسل إذن قلبنا لنجد نور الله في داخلنا.

إنّ غاية الإنسان، يقول الأسقف القديس، هي أن يجعل نفسه مُشابهًا لله، وهو يصل إلى هذه الغاية قبل كلّ شيء بواسطة المحبّة والمعرفة ومُمارسة الفضائل، التي هي”إشعاعات مُضيئة تنحدر من الطبيعة الإلهيّة”[6]، في حركة مستمرّة في الالتحام بالخير، كالعدّاء الذي يندفع إلى الأمام. يستعمل غريغوريوس، لِهذا الموضوع، صورة مُعبّرة، نجدها سابقًا في رسالة بولس إلى أهل فيلبّي (3: 13) أي “أَندفع إلى الأمام” نحو ما هو أعظم، نحو الحقّ والمحبّة. تُشير هذه العبارة المعبّرة إلى واقعٍ عميق: الكمال الذي نودّ أن نجده ليس شيئًا نستحوذ عليه إلى الأبد؛ الكمال هو هذا البقاء على الدرب، إنها جهوزيّة مستمرّة لِلتقدّم، لأننا لا نصل أبدًا إلى التشابه التّام مع الله؛ نحن دومًا على الدرب.  إنَّ تاريخ كلّ نفس هو تاريخ محبَّة تُفاض كلّ مرّة، ومنفتحة في الوقت نفسه على آفاق جديدة، لأنَّ الله يوسّع دومًا إمكانيات النفس، لِيجعلها قادرة على خيرات أعظم دومًا. الله نفسه، الذي غرس فينا بذور الخير، والذي منه تنطلق كلّ مبادرة قداسة، “يصوغ الكُتلة… وفي صقله وتنظيفه لروحنا، يُشكِّل فينا المسيح

بالنسبة إلى القديس غريغوريوس المعمودية هي عربون عمل الروح القدس في الإنسان والإفخارستيّا هي غذاؤه. ولكن المسيحي لا يبلغ ملء قامة المسيح إلا إذا اجتهد في زيادة جهده في الحياة الزاهدة. وهناك ثلاث مراحل تصل بالإنسان إلى ملء قامة المسيح والاندماج المتبادل بين الله والنفس، الله يدخل في النفس، وكيان النفس يتحول بالله. هي ثلاث مراحل مُستمدة من كشف الله لنفسه لموسى: الأولى في نور العليقة المشتعلة، ثم في غمام الخروج، وأخيرًا في الظلام الحالك. كذلك تجد النفس الله أولاً في الأشياء المرئيّة من الخليقة. وحيث إن النفس تتقدم، يكون العقل لها بمثابة الغمام يغطي كل ما يقع تحت الحواس بحيث تتحضر النفس لتتأمل ما هو محجوب. وحين تهجر النفس كل الأشياء الأرضية بأقصى ما تستطيعه الطبيعة البشرية، تدخل في هيكل معرفة الله والظلمة الإلهية تغلفها بكاملها. إنها اختبار الله في الظلمة، ويسميها القديس غريغوريوس المعرفة الإلهية (Theognosis) الحقّة[7].

إيـﭭـاجريوس

يُعد إيـﭭـاجريوس أحد أهم الأسماء في تاريخ الروحانية النسكية التي أحدثت تغييرًا روحيًا حقيقيًا. تأثّر إيـﭭـاجريوس البنطي (توفى 339) تأثرًا شديدًا بتعاليم أوريجنوس، وطور لاهوتًا للحياة الروحية أثر في كثيرٍ من الكتاب اللاحقين، خصوصًا كسيانوس. ومع ذلك، لم يفلت من الانتقاد بأنه فلسفيًا أكثر من اللازم، وقد أدانه مجمع القسطنطينية، عام 553، مع أوريجينوس، كما أدانته ثلاثة مجامع متتالية.

ولد إيـﭭـاجريوس البنطي في منتصف القرن الرابع (حوالي عام 345) في مدينة إيبورا على شاطئ البنطس في آسيا الصغرى. شبّ في ظلّ القديسين الكبادوكيين وصادقهم: رسمه باسيليوس الكبير قارئًا، وغريغوريوس النيصيّ شماسًا، وكان له غريغوريوس النزينزي معلمًا، ثم صار لخلفه نكتوريوس عام 381، رئيس شمامسة في القسطنطينية. اختار الحياة الرهبانية بعد فترة صراع، فذهب إلى مصر وبدأ حياته الجديدة على يد مكاريوس الاسقيطي. رافق كبار الرهبان أمثال مكاريوس الإسكندري والأخوين أمونيوس. وبقي في مصر حتى ماته عام 399.

له مؤلفات كثيرة هي في الإجمال قصيرة ولكنها كثيفة وصلنا معظمها في الترجمة السريانية، ولكن بعضها وصلت إلينا في النص اليوناني الأصلي منسوبة للقديس نيلوس السينائي. لقد حاول إيـﭭـاجريوس أن يوجز عقيدة الحياة الروحية في مقالاتٍ من أجل منفعة الرهبان عمليًّا. فكتاب الممارسة يحوي التعليم الزهدي لإيـﭭـاجريوس. وأشهر مؤلفاته رأس المعرفة، طُبع بإشراف آ. غويمون في باريس 1958. ومن الأعمال الأخرى المنسوبة إلى إيـﭭـاجريوس نذكر فقط مقالاً في الحياة التوحدية، وآخر موجه إلى الراهبات، نقاشات للأفكار الشريرة والأرواح الخبيثة السبعة، ومؤلف في الصلاة.

يمكن أن نختصر المساهمة الإيجابية التي ساهم بها إيـﭭـاجريوس كما يلي: لقد حدد مراحل في الحياة الروحية. وحاول أن يبين الروابط بين الفضائل، ابتداءً من الإيمان وانتهاءً بالمحبة. وشرح لاهوت الصلاة الذي يبلغ كماله في “اللاهوت التصوفي”. وعدد الخطايا المميتة الثماني وشرحها. وحاول تهذيب العقيدة الرواقية في الفرائض وربطها بالمحبة.

ويمكن إجمال آراء إيـﭭـاجريوس في الصلاة:-

  • تحديد الصلاة: هي محادثة الذهن لله، وعمله الخاص بطبيعته وغذاؤه، وأفضل طرق استخدامه. ولكن المحبة هي الدافع لها، وفي الصلاة نزداد محبة بإطراد. لأن محبتنا لله وحدها تجتذب الذهن وتجعله “يهجر” هذه الأرض.
  • شروط الصلاة: إنها تفترض الندامة المتوجعة والشعور المنسحق بالخطيئة. وتتطلب الانتباه والحزم والثبات. وتشترط المحبة الأخوية. ويحذر إيـﭭـاجريوس من الرتابة والسطحية والثرثرة.
  • درجات الصلاة: الصلاة صعود الذهن نحو الله، ولهنا درجات ثلاث يسميها إيـﭭـاجريوس: الحياة العملية، والتأمل الأدنى، واللاهوت أو تأمل الله.
    • في طور “الحياة العملية” نكتسب الفضائل، أي نتحرر من الأهواء. لأن الأهواء تثير في الذاكرة الذكريات والأفكار الأهوائية التي تمنع الذهن من الإلتصاق بالله وتجعله يشرد. فيجب بالتالي إنكار الجسد والنفس، أي إنكار الذات وقبول كل محنة. وتفضيل مشيئة الله على مصلحتنا الذاتية.
    • في طور “التأمل الأدنى“، بعد التطهر من الأهواء واقتناء الفضائل والبلوغ إلى حالة اللاهوى، نصل إلى تأمل الخلائق أو معاني الكائنات. ولكن على الذهن أن لا يتوقف هنا بل أن يتحرر أيضًا من الأفكار البسيطة ويتجاوز كل شكل وصورة ليبلغ إلى الله اللاهيولي.
    • في طور اللاهوت أو “التأمل الأعلى” نتأمل الله وليس الخلائق، وهذه هي الصلاة الحقيقية الخالية من التشتت، أو الصلاة النقية التي تتخلى عن الأفكار. إن إيـﭭـاجريوس يدعو هذه الحالة مغبوطة لأنها تفوق كل فرح آخر. إن مثل هذه الصلاة نعمة وهبة من الله يمنحها للأنقياء. ولكن قد يزورنا الروح القدس أحيانًا ونحن غير كاملي التطهير، تعطفًا منه على ضعفنا، إذا وجدنا نصلي راغبين في الصلاة الحقيقية.

[1] Oratio 7, PG 35, p. 785.

[2] Oratio 2, 7, PG 35, p. 788.

[3] Oratio 27,4: PG 250,78.

[4] جوردان أومان، دليل إلى قراءة تاريخ الرُّوحانية….، ص 63.

[5]  J. Quasten, Patrology, vol 3, pp. 267- 310.

[6]  De beatitudinibus 6: PG44,1272C

[7] جوردان أومان، دليل إلى قراءة تاريخ الرُّوحانية….، ص 66- 67.

قد يعجبك ايضا
اترك رد