إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

تاريخ الحياة المكرسة (17): القديس دومينيك والأخوة الوعاظ

0 960

تابعت الحياة المكرسة تطورها في القرن الثالث عشر بظهور قامةً كبيرة مثل القدس دومينيك غوزمان في كليرويغا Caleruege بإسبانيا في العام 1170 أو 1171. وعندما بلغ الخامسة والعشرين من عمره لبس الثوب الاكليريكي في الرهبنة الأغنسطية، وعندما مكث في جنوب فرنسا، حارب بدعة بدعة ألبيجيون (Albigenses) التي كانت تنادي بوجود مبدأين: مبدأ الخير ومبدأ الشر، فحقق نجاحًا في هداية الهراطقة، وانضم إليه مجموعة من المعاونين فعينه أسقف تولوز واعظًا (كان الوعظ في ذلك الوقت من واجبات الأساقفة)، فتجول دومينيك ورفاقه مشيًا، ووعظ بالإنجيل.

اتبع دومينيك قوانين القديس أغسطينوس، خاصة نظام الفقر الشخصي والمحبة الأخوية ومرجعية الحياة المشتركة للرسل الأوائل، إلا أنه جعل من الوعظ الغاية الأولى للرهبنة، ونظم الدراسة المجتهدة للحقيقة المقدسة مكان القراءة الربية، وألح على الصمت للمساعدة على الدروس. حصد دومينيك المصادقة البابوية على رهبنته الوليدة، باسم “الأخوة الواعظين” في 22 ديسمبر من العام 1216 من البابا هونوريوس الثالث. أوكل البابا إليهم رسالة الوعظ، ووصفهم بأنهم “مصارعو المسيح الذين لا يُغلّبون، متسلّحون بترس الإيمان وخوذة الخلاص” وجعلهم تحت حمايته، واعتبرهم “أبناءه الخاصين”.

نال القديس دومينيك، منذ ذلك الوقت وحتى وفاته في العام 1221، عددًا من البيانات من الكرسي الرسولي، ونجد فيها كلها الموضوع نفسه: الكنيسة تصادق على رهبنة الإخوة الواعظين وتوصي بهم من أجل وظيفة الوعظ. ترك القديس دومينيك القليل من الكتابات، مثل كتاب القواعد، والقوانين الموجه للراهبات الدومينيكيات الحبيسات في سان سيستو بروما، ورسالة شخصية للراهبات الدومنيكيات في مدريد.

عكف الدومنيكان على مهمة الوعظ، الذي شمل التعليم والكتابة والدراسة الدؤوبة للحقيقة المقدسة والليتورجيا. روحانية الإخوة الواعظين هي روحانية عقائدية ورسولية في آنٍ واحد، لذا فإن أعظم مساهمةٍ قدمها الدومينيكان إلى الكنيسة كانت في مضمار العقيدة المقدسة، سواء من منبر الواعظ، أو في مجال التعليم والكتابة.

القديس توما الأكويني

ولد توما الأكويني في 1221 في روكل سِكّا بإيطاليا، كان عمه سينيبالد رئيس الرهبان البندكتيين في ديرهم الرئيسي في مونت كاسينو، ونوت العائلة أن يخلف توما عمه في منصبه، فالتحق بالدير ودرس لسنوات، ثم انضم للرهبنة الدومينيكانية في العام 1244، إلا أن اسرته تدخلت مرة أخرى لعدم رضاها عن تبعيته للرهبان الجوالون فخطفه أخوته لإعادته إلى رشده، إلا إنه استعاد حريته بعد عام تقريبًا وقرر الذهاب إلى فرنسا والانضمام مرة أخرى للرهبنة الدومينيكانية، وكرس حتى مماته في العام 1274 كل مواهبه وجهوده لإدخال المنهج المدرسي الجديد في المصادر اللاهوتية التقليدية وتبني الكنيسة الكاثوليكية لفكر الارسطالي، بعدما كانت الكنيسة تبنت لاهوت القديس أغسطينوس القريب من الفكر الأفلاطوني قبل تسعمائة عامًا.

إن ما قدمه الأكويني للكنيسة يصعُب ذكره في هذا المبحث التاريخي للحياة المكرسة، لذا سأقصر تناولي حول فكره عن الكمال المسيحي. الله هو كمال فائق للطبيعة، والإنسان بطبيعته منفصل عن نظام الألوهة الفائق الطبيعة، فهو إذن يحتاج إلى النعمة التي ترفعه إلى المستوى الفائق للطبيعة. تنقي النعمة طبيعة الإنسان وتعمل من خلالها في ذات الوقت. لذا فإن الحياة التأملية هي أسمى من الحياة العملية، التي تُّعد بمثابة تحضير للمشاهدة التأملية. فالصلاة والتأمل والمعرفة تعمل على تحضير النفس البشرية لاكتساب المحبة وسيلة الاتحاد بالله. فالحياة المسيحي، وفقا لتعليم الأكويني، هي حياة النعمة، والفعل الأساسي فيها هو المحبة. فالمحبة توحد الله مع النفس، التي يسميها الأكويني “الصداقة”. فالمحبة تقبل بدرجات الكمال، في الدرجة الأولى للمبتدئين، على المسيحي أن يسعى إلى تفادي الخطيئة والبقاء في نعمة الله، في الدرجة الثانية يجاهد كي ينمو في الفضائل التي ستتدفق من المحبة، وفي الدرجة الثالثة يبلغ كمال المحبة، وفي هذه المرحلة يحب الله بكل قدراته.

قد يعجبك ايضا
اترك رد