يوبيل القديسة ريتا
في سنة 1450 أعلن البابا نيكولاس الخامس اليوبيل المقدس، في هذا الوقت كانت القديس ريتا مريضة وطريحة الفراش من سنوات، كانت رغبة قلبها أن تشارك في اليوبيل، أن تذهب إلى الحج إلى روما لنوال الغفران الكامل، لكن المرض الذي أصابها جعل الأمر مستحيل. صلّت بحرارة إلى إلى الرب أن يسمح لها بتحقيق هذه الرغبة ؛ شُفيت وتمكنت من المشاركة في حج السنة المقدسة.
نعيش هذه السنة يوبيل الرجاء. واليوبيل هو فرصة للتجديد الروحي ونوال نعمة الغفران الكامل عن خطايانا. لنقتدي بالقديسة ريتا، التي عاشت ظروف قاسية وقبلت المعاناة من أجل محبة المسيح، فاستطاعت أن تقدم محبته للآخرين. أحيانا نتصور إن بعض الناس أعطيت لهم مميزات خاصة تجعلهم قديسين. القداسة ببساطة شديدة ليس عمل الإنسان، بل عمل الله الذي يسمح بأن تمر قداسة الله من خلاله فيلاحظها الأخرون. تبدأ القداسة عندما ندرك أن المسيح يحيا فيَّ، كما قال بولس الرسول (غل 2: 20)، أو كما قال إلى أهل كورونثوس: “فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ” (2كور 6: 16).
لنعيش مع القديسة ريتا يوبيل الرجاء، ولنطلب التجديد لحياتنا الروحية ولنطلب الغفران.
كيف نجدد حياتنا الروحية؟
في بداية سفر التكوين، وبعد أن أخطأ آدم، سمع صوت الله يناديه: «آدم أيْنَ أَنْتَ؟». كانت إجابة آدم: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ». هذا السؤال موجه دائما إلى الإنسان في كل عصر وكل وقت. أين أنت اليوم في علاقتك مع الله؟ هل أنت متحد بالكرمة. سمعنا ما قاله الرب في الإنجيل: “أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ” (آيه 5). كيف تصف نفسك: هل أنت غصن ثابت بالكرمة؟ هل تعطي ثمر، ولو قليل؟
لدي رسالة رجاء لك اليوم: أنت غصنٌ في كرمة الرب، مهما كانت حالتك، لا يقول لك صوت داخلي أو خارجي أنك غير مستحق، قال يسوع: أنا الكرمة وأنتم الأغصان. لم يستثني أحد، ليس هناك شخص مستبعد، الجميع أغصان. لقد أعطيت كل شيء مجانًا… أنت أعيش بالنعمة… حياتك هي هدية مجانية، هدية أبدية لن تنتهي أبدًا، هدية لا تقدر بثمن. من أجلك تجسد الرب على الأرض، ومن أجلك صُلب، ومن أجلك قام. أنت أيضًا قديس، لأن عصارة الحياة تنتقل من الكرمة إلى الأغصان فتثمر، المهم أن تثبت في الكرمة: “إِنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ فَتَتَقَدَّسُونَ وَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ” (لا 11: 44).
تقدم لنا القديسة ريتا نموذجًا للقداسة، زوجة وأم لأولاد، وبالرغم من صعوبات الزواج إلا إنها تمسكت بالكرمة. تغلبت على أوجاعها وأحزانها بقبول كل شيء في صليب المسيح، لانها كانت تؤمن بأن الصليب والألام ليست النهاية، هناك دائما القيامة. “كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ” (آية 2).
التوبة والغفران
اليوبيل هو أيضًا فرصة للتوبة ونوال الغفران الكامل عن الخطايا. ماذا لو كنت غصن جف، لا تصل عصارة الحياة إليه، فثمره ضعيف أو لا يؤتي ثمرًا؟ ماذا لو كانت قداسة الله لا تظهر في حياتي لأني مملؤ بذاتي ورغباتي وشهواتي؟
“إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ،” (رو 3: 23). جميعنا خطأة، نحتاج إلى الرحمة. لكن لنتقدم بثقة أن الله يقبلنا حتى قبل أن نعترف بأننا خطأة. في مرقس 9 أحضر بعض الأصدقاء رجلٌ مُقعد، محمول على سرير وأنزلوه من السقف. يقول الكتاب: “فلَمَّا رأَى يسوعُ إِيمانَهم، قالَ لِلمُقعَد: «ثِقْ يا بُنَيَّ، غُفِرَت لكَ خَطاياك»” (متى 9: 2). لم يسأل يسوع الرجل إذا كان قد تاب عن خطاياه أم لا. يعمل يسوع في الحاضر وليس في الماضي، لا يتهم بما فعله الرجل ولم يلومه عما فعل، بل شجعه ودعاه “ابن”. المغفرة سابقة للتوبة، هي عطية مجانية، ليس بسبب استحقاقات الإنسان، بل لأنه ابن.
الرجاء الحقيقي هو أن: “اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا” (رو 5: 8). التوبة تعنى العودة إلى يسوع المسيح الذي رحلنا عنه بالخطيئة، الاتحاد به في أعماقنا، أن نسمح لقداسته أن تمر من خلالنا. يجب أن لا نخاف أبدًا من العودة، فهو ينتظرنا، كما أنتظر الاب الابن الضال، سيقبلنا ويفرح بنا ويحتفل بعودتنا: “لَو كانَت خَطاياكم كالقِرمِزِ تَبيَضُّ كاكثلْج ولو كانَت حَمْراءَ كالأُرجُوان تَصيرُ كالصُّوف” (أش 1ك 18). نعم أي كانت الخطيئة، أي كان نوع الشر، فالله رحيم، يغفر لنا حتى قبل أن نقوم بأي فعل دال على التوبة.
كيف يكون الغفران كاملا؟
إذا لم يدعونا يسوع بأي حال من الأحوال إلى طلب المغفرة من الله، فهو يطلب بإلحاح من البشر أن يغفروا لبعضهم البعض، لأن المغفرة التي منحها الرب لهم تصبح فعالة وفعالة فقط عندما تتحول إلى مغفرة للآخرين: “فإِن تَغفِروا لِلنَّاسِ زلاتِهِم يَغْفِرْ لكُم أَبوكُمُ السَّماوِيّ وإِن لَم تَغفِروا لِلنَّاس لا يَغْفِرْ لكُم أَبوكُم زلاَّتِكُم” (مت 6: 14* 15). وأيضًا: “اغفروا يُغْفَرُ لَكُمْ” (لو 6: 37).
البعض يرفض أن يغفر للآخرين فيحرم نفسه من غفران الله. كمًن يحرم نفسه من النور، الله نور (1يو 1: 5): ” أَنَّ النُّورَ جاءَ إِلى العالَم ففضَّلَ النَّاسُ الظَّلامَ على النُّور لأَنَّ أَعمالَهم كانت سَيِّئَة”. عندما تعيش في الظلام لفترة طويلة، حتى أدنى خيط من الضوء يزعجك وتغمض عينيك لأن الضوء يؤذيها. ليس العيب في النور، مصدر الحياة، بل في اختيار البقاء في الظلام: “فكُلُّ مَن يَعمَلُ السَّيِّئات يُبغِضُ النُّور فلا يُقبِلُ إِلى النُّور لِئَلاَّ تُفضَحَ أَعمالُه” (يو 3: 20).
لنقتدى بالقديسة ريتا التي اختارت أن تغفر لقتلة زوجها. اختارت أن تصلى إلى الرب بحرارة كي يوقف بحرارة كي يوقف دوامة الدم التي تسبب فيها موت زوجها، وكي لا ينتقم لها ابناها. لم تسمح للشر أن يغلبها، بل انتصرت على الشر بالخير. كيف توقفت دائرة الانتقام، عندما مرض ولديها ثم ماتا. قبلت القديسة هذا الألم عوضًا أن تستمر دائرة العنف.
لا نحصل على الغفران إلا إذا غفرنا نحن أيضًا لمن أساء إلينا. الغفران مجاني، وسابق للتوبة، لكن هناك شرط للحصول عليه.