«آمنتُ، فشَدِّدْ إِيمانيَ الضَّعيف!»
نقف اليوم أمام معجزة شفاء صبي مصاب بالصرع وخروج الشيطان من جسده. ونقرأ أحيانًا الكتاب المقدس بصورة خاطئة ونرى الحدث يخص إنسان بعينه، هو صبى مصاب بالصرع يسيطر عليه روح الشر. لكن الكتاب المقدس ليس كتاب تاريخ يحكي لنا حدث ما في الماضي، بل يجسد في كل صفحة من صفحاته، وكل حدث من أحداثه، قصة الإنسان مع الله. مسيرة الإنسان على الأرض والتي تتخلهلها صعوبات كثيرة، أهمها صراعه مع الشيطان الذي يرغب في أن يمنعه من العودة إلى الله، بعد أن نجح في استقطابه منذ البدء بعيدًا عن الله. لقد تجسد المسيح لأجل أن يحرر الإنسان من سيطرة قوى الشر، وهذا ما عبر عن بولس في رسالته إلى أهل رومية: “وإِنِّي واثِقٌ بِأَنَّه لا مَوتٌ ولا حَياة، ولا مَلائِكَةٌ ولا أَصحابُ رِئاسة، ولا حاضِرٌ ولا مُستَقبَل، ولا قُوَّاتٌ، ولا عُلُوٌّ ولا عُمْق، ولا خَليقَةٌ أُخْرى، بِوُسعِها أَن تَفصِلَنا عن مَحبَّةِ اللهِ الَّتي في المَسيحِ يَسوعَ رَبِّنا” (رو 8: 38- 39).
الصبي يمثل حالة كل إنسان
كل منّا يمثله ذلك الصبي الذي استولت عليه قوى الشر. هناك قوى شريرة هي أقوى من قدرة عقولنا على السيطرة عليها، وأقوى من قدرتنا على التحكم فيها. نختبر أحيانًا أننا مسيطر علينا، لا نعرف لماذا نفعل ذلك، مدفعون بقوى سلبية لا نعرف مصدرها، وتدفعنا إلى الشر وتدمير حياتنا: “مُنذُ طُفولَتِه. وكَثيراً ما أَلقاهُ في النَّارِ أَو في الماءِ ليُهلِكَهُ”. لا ينكر الإنجيل هذا الأمر، ولا يخبرنا عن سبب حدوثه، لكنه يحمل لنا بشرى سارة لأنه في مواجهة أي قوى شريرة مدمرة في حياتنا كبشر، يقف الرب يسوع بقوة قيامته. لهذا يقول مرقس: “فأَخَذَ يسوعُ بِيَدِه وأَنَهَضَه فقام” أخذه تشير إلى احكام قبضته عليه، لسيطرته النهائية على الشر وقوة الموت. يكرر مرتين فعل القيامة أنهضه، وأقامه.
يأتي الحدث بعد حادثة التجلي مباشرة والتي فيه رأي التلاميذ مجد الرب وأوصاهم أن لا يقولوا شيئًا إلا متى قام ابن الإنسان من بين الأموات. لذا علينا قراءة النص في ضوء سر الفصح، في ضوء تلك الآلام وموته على الصليب. كان تجلي يسوع هو أول اعلان مسبق عن الحياة الجديدة للمقام من بين الأموات ومعه كل يؤمن به. ليس هناك قوى للشر قادرة على الصمود أمام قوة الصليب ونور القيامة. لهذا السبب يقول يسوع أن «إِنَّ هذا الجِنسَ لا يُمكِنُ إِخْراجُه إِلاَّ بِالصَّلاة» (الآية 29): لأن الصلاة هي انفتاح وتقبل لحياة وقوة حيوية لا يستطيع الإنسان أن يمنحها لنفسه، بل يستطيع أن يتلقاها من الله وحده.
التلاميذ مَن هم؟
يمثل التلاميذ خدام الكنيسة الذين أعطيت لهم سلطة وامكانية هزيمة روح الشر بإيمانهم: “ودَعا الآثَنيْ عَشَر وأَخَذَ يُرسِلُهُمُ اثنَينِ اثنَين، وأَولاهُم سُلْطاناً على الأَرواحِ النَّجِسَة”. لديهم القليل من الإيمان الذي ساعدهم في دعوة الناس إلى التوبة وطرد روح الشر. لكن فشل التلاميذ هذه المرة.
لا يفيد الإيمان دون أن يرتبط بالصلاة الدائمة والواثقة. فالتواصل الحي والمستمر مع المسيح القائم وترك الأمر له لقيادة حياتي. الصلاة الحقيقة ليست كلمات أنطق بها، بل عندما أسمح للرب أن يتكلم ويعمل في حياتي.
أخ.. اليوم تقف أمام المذبح وتتعهد بأن تكرس حياتك للرب. التكريس ليس فعل تقوم به، أو احتفال ننظمه للاعلان عن اختيارتنا في الحياة، لكنه موقف إيماني مفتح على الصلاة الحقيقة بأن أترك الله يعمل في حياتي: يقودني كيفما يشاء فأعيش الطاعة للكنيسة وللرؤساء. موقف أعبر من خلاله أن أموال ورفاهية العالم كنفاية، شيء عديم القيمة، خسرانًا، كما قال بولس الرسول: “بل أَعُدُّ كُلَّ شَيءٍ خُسْرانًا مِن أَجْلِ المَعرِفَةِ السَّامِية، مَعرِفةِ يسوعَ المسيحِ رَبِّي”. هذا هو موقف التلميذ الحقيقي: يتخلى عن نفسه وعن فعل ما يريد، يقبل أن يفقد حياته… وكل شيء يصبح ممكنًا.
عندما تكون الصلاة هكذا، تكون إيمانًا حقيقيًا، وعندها يصبح كل شيء ممكنًا. عندئذ يمكن تحقيق كل ما هو خير وينتمي إلى مشروع الله: التحرر من الشر، تغيير الطبع، تصحيح العيوب، التغلب على الصعوبات، الضغائن والعداوات. كل شيء يمكن التغلب عليه لمن يصلي، لمن يؤمن. الإيمان ليس نجاحات خارجية في الكنيسة. إنه التسليم، الثقة، الاستسلام ليقودني الله في الحياة.
إذا اقترن إيمانك، الذي دفعك إلى الوقوف اليوم أمام المذبح لتعلن إرادتك بأنك تريد أن تتبعه مدى الحياة، إذن عليك أن تدرك إن الإيمان يحتاج إلى صلاة يومية ومستمرة وحقيقية بأن تترك الله يعمل في حياتك ويقودك حيثما تشاء: «يا رَبّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟.