إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

الظل

0 38

اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ،وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ

ما هو الظل؟ هي مساحة معتمة تملء مكان حجب عنه الضوء. أي مساحة لا يصل إليها الضوء بسبب وجود حاجز يمنعه. هناك معنى سلبي للظل فهي مساحة مُعتمة، محجوب عنها الضوء، مؤقتة وغير ثابت لذا يصف الكتاب حياة الإنسان على الأرض بالظل: “إنًّما أَيَّامُنا ظِلٌّ على الأَرْض” (أيوب 8: 9)؛ “فما الإنسانُ إلاَ نَفخةُ رِيحِ، وأيّامُهُ كظِلٍّ عابرٍ” (143: 4). لكن التعبير الأكثر تكرارًا في الكتاب هو “ظل الموت” ليصف حالة الوثنيين المنفصلين عن الله، هكذا يُنشد زكريا: “لِيُضِيءَ عَلَى الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ” (لو 1: 79)؛ أو المزمور 23: “إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرّاً لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي” (مز 23: 4).

المعنى الأول هي مساحة معتمة محجوب عنها الضوء، مؤقتة تختفي عندما يمل الضوء المكان. هذا هو المعنى السلبي.

لكن هناك معاني إيجابية للظل، فهو أولا يمثل حماية من حرارة الشمس الحارقة فنسمى الحاجز مظلة. وهذا المعنى نجده في الكتاب كدليل على حماية الله. نصلي في المزمور 91: “اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ”، وفي المزمور 16: “احْفَظْنِي مِثْلَ حَدَقَةِ الْعَيْنِ. بِظِلِّ جَنَاحَيْكَ اسْتُرْنِي “. العيش في ظل الله يعني تكون آمنًا، محميًا من كل خطر، تنعم بالهدوء والسلام: “ظَلَّلْتَ رَأْسِي فِي يَوْمِ الْقِتَالِ” (139: 7).

لكن إذا فكرنا في “الظل” نجده قبل كل شيء لا وجود له إلا إذا كان هناك ضوء. بدون النور لا يوجد الظل أبدًا. نعم هناك حاجز يحجب، إلى حد ما النور، لكن بدون النور لا وجود للظل. فالظل يدل على وجود النور، لكنه غير ظاهر تماما. فعلى الجبل هناك سحابة تحجب مجد الله، فإذا غطت السحابة خيمة الاجتماع وملأ بهاء الرب المسكن. كان عندما ترتفع السحابة عن الخيمة يتحرك شعب إسرائيل، وإذا لم ترتفع لا يتحرك الشعب.

كانت السحابة هي “ظل” مجد الرب وعنوان حضوره يمكن رؤيته، لكن تحجب السحابة النور الحقيقي. هي استعارة كتابية جميلة للحديث عن الله، لأنه لا يمكنك رؤية الله إلا بهذه الطريقة، هي علامة تجعلك تخمن وجوده، هي دليل على أن هناك نور لكنه لا يصل بسبب الحاجز المتمثل في السحابة. فوجود الظل هو دلالة على وجود النور.

في وقت ما قرر الله أن يزيل هذا الحاجز: “وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَة” (غل 4: 4). قال الملاك لمريم: الروح القدس سيحل عليك وقوة العلي تظللك، يمكننا أن نقول إن الظل الإلهي نفسه الذي يحجب حضور الله أخذ مسارًا جديدًا تمامًا، لم يعد ظل الموت بل اصبح يحمل الحياة الجديدة، يحمل النور الحقيقي ليشرق على الجالسين في الظلمة وظلال الموت.. لن يكون هناك ظلال من بعد، لن يحجب شيء حضور الله، “الله معنا”، الله ليس بعيدًا، إنه دائمًا معنا، لدرجة أنه غالبًا ما يقرع أبواب قلوبنا. يسير الله إلى جانبنا لدعمنا. الرب لا يتركنا.

في وقت ما قرر الله أن يزيل هذا الحاجز وقال لكل واحد منا “كن” أدعوك إلى الحياة والوجود “َوأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ.”. أدعوك للفرح (يو 10: 10). “لِيَكُونَ لَهُمْ فَرَحِي كَامِلًا فِيهِمْ” (يو 17: 13). بل يتوسل إلى الأب أن تكون معه: “أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي” (يو 17: 24). لقد دعاك الله للحياة والوجود، دعاك للفرح، أراد أن تكون معه حيث يكون.. وأنت ما هو موقفك؟

عندما أخطأ الإنسان نادي الله آدم، أي الإنسان قائلا: “آدم أين أنت” فاختبأ آدم من وجه الرب.. صوت الله الذي ينادي الإنسان ويسأل أين أنت؟ أين الإنسان الذي خلقته ووجدته حسنٌ جدًا؟ لم يستطيع أحد أن يجيب إلا مريم. قالت: “ها أنا هنا.. أنت أمةٌ للرب.. ليكي لي حسب قولك”. تجاوبت مريم مع دعوة الله للحياة للفرح لأن يكون الله معها. وأنت؟

هل نشكر الله على دعوة الحياة كالقديسة كلارا: “أحمدك يارب لأنك خلقتني”؟ كما يقول المزمور 139: 14 “نَسَجْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي. أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَباً”. هل نشكر الله على دعوة الفرح؟ هل نشكر الله على رغبته وخلاصه لنا لكي نكون معه؟

نعم هناك ظلال في حياتنا يحجب الله عنا. الصعوبات والمشكلات وآلام مختلفة، لكن نعلم أن ليس هناك ظل بعد يحجب الله عنا. ليس هناك ظل أموات، بل أشراق النور في كل مكان. دع النور يدخل اليوم إلى قلبك وحياتك.. لا يكون هناك بعد مناطق ظلال فيها.

قد يعجبك ايضا
اترك رد