أنا أوكي مع ربنا

يجسد الكاتب الكبير يحيى حقي في رائعته «البوسطجي» خطورة الملل الذي يمكن أن يصل بالإنسان إلى نتائج كارثية. يذهب «عباس»، الشاب القادم من القاهرة لاستلام وضيفته كناظر لمكتب البريد في قريه (كوم النحل) في الصعيد فيعيش صراعا بين تصوره للواقع الاجتماعي، وتصور أهالي القرية المتخلف لهذا الواقع فبدا وكأنه يعيش في عزلة اجتماعيه قاسية ومملة.

فيحاول كسر حدة هذا الملل والوحده ويلجأ لفتح رسائل أهل القرية. فيقع بين يديه قصة حب بين فتاة من القرية وبين شاب من قرية بعيدة. تثمر هذه العلاقة جنينا قبل الزواج. يدخل البوسطجي في جو العلاقة ويتعاطف مع طرفيها، إلا أنه- وبسبب خطأ منه- يتسبب في انقطاع خط الاتصال بين الإثنين، وتكون نتيجة ذلك مقتل الفتاة على يد والدها لمحو العار.

تنتهي القصة بلقطات معبرة وجميلة لعباس وهو يبكي ويقطع الرسائل وينثرها في الهواء لاحساسه العميق بالذنب بحدوث هذه الجريمة.

وجدت في قصة يحيى حقي تعبير رائع عما أود الحديث عنه اليوم في خطورة الملل في الحياة الروحية. فالبعض نال النعمة بفضل عماده أو ممارسته للأسرار المقدسة. شعر بفرح يملء كيانه يومًا، لكنه تكاسل وظن أنه وصل إلى مبتغى علاقته مع الله، لم يهتم بالحفاظ على تلك العلاقة وتنميتها. قالت لي أحدى السيدات منذ أيام “إنها أوكي مع ربنا”، في تعبير عن رضاها عما وصلت إليه، تقولها بفخر وأعتزاز. وعندما سألتها عن صلاتها وتقدمها للأسرار وتأملاتها اليومي في الكلمة الإلهية، كانت إجابتها صادمة: “يا أبونا أنا مشغولة كتير،  تربية الأولاد صعبة، والمذاكرة بتأخد كل يومي (تمنع أولادها عن دروس التعليم المسيحي أثناء العام الدراسي). لما يكبر الأولاد أكيد هلاقي وقت كي أصلي واتأمل في الكتاب”.

نشبه أحيانًا الأرض الشوكية، كما شرح الرب مثل الزارع: “خَرَجَ الزَّارِعُ لِيَزْرَعَ زَرْعَهُ. وَفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ سَقَطَ… آخَرُ فِي وَسْطِ الشَّوْكِ، فَنَبَتَ مَعَهُ الشَّوْكُ وَخَنَقَهُ (لوقا 8: 7). نتكاسل حتى تخنق اهتمامات الحياة كلمة الله في قلوبنا، وتخنق النعمة من حياتنا. نؤجل ما يجب أن نقوم به اليوم إلى الغد. لا نعطش لتنمية حياتنا الروحية “وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا” (رؤ 22: 17). الكسول روحيا لا يعطش، يشعر إنه اكتفى بما لديه أو ما حصل عليه.

الكسول روحيا ليس فقط الشخص الذي يؤجل أن يجتهد في تنمية حياته الروحية للغد، بل هو الشخص الذي يعمل فقط ما يريد. جوهر الكسل هو رفض تتميم ما يجب أن نتممه. هناك رسالة في الحياة نرفض أن نقوم بها، ونقوم فقط بما نريد. تهتم تلك الأم بمستقبل أبنائها كثيرًا، في حين أن رسالتها في الحياة أن تعد الأبناء لكي يكونوا أيقونة الله الحاضرة والممثلة له والحاملة لحضوره في العالم الذي سيعيشون فيه.